“خضّة” مالية – أمنية محتملة: مقاتلون “غرباء” في عين الحلوة
كلام الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله، أمس، خلال حفل تأبين آية الله الراحل الشيخ عفيف النابلسي، وإشارته إلى أن “الأميركيين سيأخذوننا إلى واقع مؤلم وكارثي في ظل التدخل الكبير والهيمنة الأميركية في لبنان”، يستبطن دلالات مهمة ويجب أخذه في الحسبان، ويوحي بتصعيد مقبل يتزامن مع تسريع في وتيرة أزمتين عالقتين: مالية وأمنية تنتصفها أزمة سياسية ليست أقل حدّة.
في الشقّ المالي، قرّر حاكم مصرف لبنان “بالإنابة” وسيم منصوري، وقف تمويل الدولة اللبنانية منذ مطلع الأسبوع المقبل، رداً على سياسة الهروب التي تنتهجها الحكومة المصرّفة للأعمال في شأن تغطية “الصرف” من الإحتياطي الإلزامي وفقاً لمطلب منصوري وصحبه. هذا يعني في حال حصوله، إبلاغ رسالة إلى موظفي القطاع العام لا سيّما المدنيين منهم، أن لا أموال أو رواتب ستُصرف لهم خلال الأشهر المقبلة، ثم القول للمدنيين الآخرين أن استبشروا بهبّات في سعر الصرف. وبالإضافة إلى مدى سوء هذا الخطاب، قد ينشأ عن أي حالة مشابهة مضاعفات سياسية – إحتجاجية ستنتقل إلى الشارع، فيما تقارير الأجهزة كافة توحي، أن أي احتجاج مماثل في مثل هذه الظروف غير العادية، قد ينتج عنه “ميني 17 تشرين”.
إذاً ثمة “خضّة” قادمة. أين الأميركيين هنا؟ من السهل العثور عليهم من خلال التدقيق في تفاصيل الكباش المالي وما قد ينسحب إليه من أزمات ميدانية، وهذا كلام نتاج خلاصات مواكبين للأجواء الأميركية في بيروت، مفاده أن واشنطن انتقلت إلى لعب أدوار مباشرة في ما له صلة بالملف الرئاسي، ربطاً بنتائج مطالعة “الإجتماع الخماسي” الأخير الذي انعقدَ في العاصمة القطرية الدوحة، والذي فوّض لفرنسا آخر محاولة إنتاج حلٍ بالتفاهم. وفي الطريق إلى ذلك، يبدو أن تحضير الساحة اللبنانية بدأ.
هذا يقودنا إلى الشق الأمني، الذي يشهد سخونة (أو تسخيناً) واضحاً في مخيم عين الحلوة ومقبل على التطور أكثر خلال الأيام المقبلة، في ضوء غياب الفئة المسيطرة أو المؤثرة على المتقاتلين، سيما من أفراد حركة “فتح”، وعدم توفر رغبة لدى الإسلاميين، وخصوصاً “عصبة الأنصار” من أن تمرّ الجولة الحالية من دون تعزيز لمكاسب وحضور.
عملياً، لا يمكن عزل زيارة رئيس المخابرات العامة في السلطة الفلسطينية ماجد فرج إلى بيروت الأسبوع الماضي واللقاءات “فلسطينية” الطابع التي أجراها عن سياق ما يجري. وهنا لا نجزم أو ننفي تورّطه في بث أجواء أفادت في دفع حركة “فتح” إلى معركة، إنما الاجواء التي جرى تناقلها عن نتائج لقاءاته الفلسطينية، أوحت أن الرجل يأمل (أو يسعى) إلى تسكين التحركات (والحركات) الفلسطينية إسلامية الطابع ضمن المخيمات أو الحد منها. وبدا أنه صاحب مصلحة تحديداً في الإلتفات إلى حضور كل من حركتي حماس و الجهاد الإسلامي لا سيما في مخيمات الجنوب. فيما بعد، فهم أن فرج يرمي إلى تحقيق “قفزات أمنية” في ما له صلة بالوضع المستجد داخل الضفة الغربية، وكأنه يربط الساحات.
بصرف النظر عن الدخول في تفاصيل ما يجري في مخيم عين الحلوة، لعدم وجود رواية دقيقة أو متينة، إنما ما يمكن تسجيله أن التيارات الإسلامية على أنواعها، لا سيما “جند الشام” و “الشباب المسلم” والفروع المؤيدة للسلفية الجهادية كافة، إستأنست لزيارة فرج. و يفيد التدقيق الميداني أنها اكتسبت حيوية أو أنها شعرت بالخطر منها فبادرت إلى التحرّك. وعلى الرغم من كل ما يقال حول أداء حركة “فتح” ومسلحيها في عين الحلوة، وضياعهم وتشتتهم وانقسامهم وعجزهم العسكري، فإن المقاتلين الإسلاميين في المقابل يحافظون على تعاضدهم وكانوا المبادرين في غالبية الأحيان للهجوم على النقاط التابعة لـ”فتح”، ما يظهر رغبةً لديهم في تحقيق تقدم نوعي “ميداني” على حساب الحركة. هذه الفرضية، لا بد أن تأتي قراءتها من عدة أسباب: شعورهم ربما بضعف فتح وبالتالي لا بد من “تسكير” هذا العجز سواء عبر السيطرة على مواقعها أو محاولة تعديل خريطة النفوذ على حسابها، ومن جهة ثانية توفر “دعم” لهم، وهنا أصل القصة. فاستمرار هؤلاء المقاتلين طيلة 5 أيام من الإشتباكات، لا بد أن يترافق مع إمدادات عسكرية ولوجستية. والسؤال: من أين يحصل هؤلاء على السلاح؟
عملياً، كشفت معلومات “ليبانون ديبايت” أن عدد المقاتلين الحاليين على المستوى الإسلامي يُقدر 290 إلى 300 مقاتل تقريباً، وهو رقم متحرك. ينقسمون إلى 230/240 عنصر تقريباً منتمين إلى “عصبة الأنصار” التنظيم الإسلامي الأقوى، و 50/60 موزعين على القوى الأخرى، من جند الشام والشباب المسلم، المأمورين عملياً من بلال بدر وزميله هيثم الشعبي. في المقابل، تواترت أنباء عن دخول مجموعة من المقاتلين الإسلاميين المتطرفين الذين قاتلوا سابقاً في صفوف “داعش” من تركيا مستخدمين خطوط التهريب، قدر عددهم بـ10 مقاتلين على الأقل، دون أن تتمكن الأجهزة الأمنية اللبنانية من التأكد ما إذا كان هذا العدد حقيقياً أم لا، أو تحديد هوياتهم. ما فتح المجال على الشك حول احتمال وجود هؤلاء، ما تواتر من مصادر داخل المخيم حول سقوط قتيل مجهول كان برفقة القيادي الإسلامي محمود خليل المعروف بـ”أبو قتادة” على إثر محاولة اغتيال تعرّض لها الأخير أواخر الشهر الماضي وسقط خلالها قتيل وجريح من مرافقيه. وصنف القتيل “المجهول” أنه “غريب” عن المخيم، ولا سجل له فيه ولم يرصد له نشاط في السابق، ما أوحى بوجود مقاتلين أجانب أو غرباء”. وعلم “ليبانون ديبايت” أن الأجهزة الأمنية اللبنانية بالتعاون مع أخرى فلسطينية داخل المخيم، تعمل على التدقيق في مدى صحة هذا الإحتمال. وينسب إلى مرجعيات تتابع الوضع في عين الحلوة، إعتقادها بوجود هؤلاء المقاتلين وتأثيرهم المباشر على مجريات المعركة وما سبقها من أجواء، جازمين حول انضمامهم إلى آخرين محسوبين على تنظيم “الدولة” يصعب تقدير عددهم الحقيقي داخل المخيم، فيما يعتقد على نطاق ضيّق أن هؤلاء بمجملهم يشكلون ما يمكن تسميته بـ”الكتيبة المتفوقة أو المحترفة” على خطوط المعارك.
يبقى السؤال الأهم: من يدعم المقاتلين الإسلاميين أو يحيي لديهم نزعة السيطرة “المكبوتة” على مخيم عين الحلوة ولأي هدف؟ على نحوٍ أدق، من أمرَ بتصفية القيادي الفتحاوي “أبو أشرف العرموشي” ليبدأ هذا السيل دون أن تقدر “فتح” على وقفه؟ هذا السؤال يفتح أفقاً، لا سيما وأن مجموعة تقارير أمنية، دلت على أن العرموشي كان مراقباً طيلة الفترة الماضية وغالبية تحركاته كانت معروفة ومرصدوة، وبُلّغ بذلك، ما كان يدفعه إلى تدبيل إجراءت حركته بشكل دوري. بإختصار “لماذا الآن؟”.
المصدر: ليبانون ديبايت