اقتصاد

من التعميم 158 إلى شراء الذهب: اللبنانيون يعتمدون سلوك القطيع

بدأت ليال شاهين شراء 3 غرامات من الذهب شهرياً بسعر يصل إلى 180 دولاراً، حتى تتمكن بعد مرور سنة من اقتناء أونصة من الذهب، إذ بدأت بهذه الخطة، بعد قيام زميلتها بتشجيعها لتحويل جزء من راتبها إلى الذهب.

فيما يسعى إسماعيل عيسى (32 عاماً) إلى تحويل جزء من أمواله التي يستقطعها من المصرف بموجب تعميم مصرف لبنان رقم 158، أي مبلغ 400 دولار (في حينه)، وتحويلها إلى حساب البورصة الخاصة به المتخصص بشراء العملات الرقمية. جاءت فكرة المتاجرة بالعملات الرقمية من نصيحة أحد أصدقائه .

هي نماذج من كيفية اعتماد اللبنانيين على أسلوب تقليد بعضهم البعض والانسياق وراء الخيارات من دون معرفة حقيقية بآليات المتاجرة أو حقيقة اتجاهات السوق، وهو ما قد يطلق عليه اقتصاد سلوك القطيع.

سلوك القطيع؟

في لبنان لا توجد أي احصاءات أو أرقام توضح حقيقة كيفية سير سلوك القطيع الاقتصادي بين الفئات اللبنانية، على الرغم من أن القاعدة الأساسية لهذه النظرية تشير إلى أن 5 في المئة من الذين يقومون بسلوك اقتصادي معين، له تأثير على نحو 95 في المئة. ما يعني أن سلوك فئة بسيطة قد يكون له تأثير على الجماعة، وهو ما يعرف باسم سلوك القطيع الاقتصادي

يعرف سلوك القطيع على أنه ظاهرة، يتصرف بها الأفراد بشكل جماعي كجزء من مجموعة، وغالباً ما تتخذ القرارات من دون تفكير عقلاني، بمعنى أدق، يقوم الأفراد باتخاذ قرارات بناء على ما تتخذه الجماعة، من دون تفكير، أو وعي اقتصادي بتأثيرات هذا القرار.

في لبنان، فرضت الأزمة اللبنانية انتشار ظاهرة سلوك القطيع، والتي يمكن قراءتها في اتجاهات عديدة، ومن خلال شهادات بعض المواطنين، وبعض الأرقام الرسمية.

على سبيل المثال، كان لقرارت المصرف المركزي وتعاميمه المختلفة تأثيراً واضحاً على اللبنانيين، الذين فضلوا الحصول على جزء من أموالهم، مقابل خسائر تصل في أحيان كثيرة إلى أكثر من 40 في المئة.

تظهر على سبيل المثال، بيانات مصرف لبنان أن عدد العملاء الذين استفادوا من مفاعيل التعميم الأساسي رقم 158 تاريخ 8 حزيران 2021 وصل إلى ما مجموعه 180976 عميل، حتى نهاية شهر نيسان 2023، وذلك رغم عدم اقتناع الكثيرين منهم بالتعميم لكنهم حذوا حذو مواطنين آخرين. وقد توزعت تلك الحسابات بنسبة 92.92 في المئة للمقيمين و7.08 في المئة لغير المقيمين، وهذا دليل واضح، على أن نسبة كبيرة من اللبنانيين سارت في اتجاه تطبيق هذا السلوك، بسبب شعورهم بالخوف، وتقليد بعضهم البعض.

الذهب أيضاً

شكّل شراء الذهب ملاذاً آخر للبنانيين، الذين انتهجوا بدورهم سلوك القطيع الاقتصادي. بحسب تصريحات رئيس نقابة تجار الذهب والمجوهرات نعيم رزق، زاد الطلب على أونصة الذهب والعملات الذهبية بشكل ملحوظ في لبنان العام 2023، حيث انفق الكثير من اللبنانيين جزء من مدخراتهم لاقتناء أونصات أو ليرات من الذهب، وهو ما أدى في شهر نيسان على سبيل المثال إلى حصول أشبه بأزمة في محال الذهب، حيث زاد الطلب مقابل العرض.

ووفق تصريحات رزق السابقة، فقد تخلى ما يقارب من 80 في المئة من حاملي العملات الورقية في لبنان عن ودائعهم مقابل شراء الذهب، وسط رواج خبر توقعات ارتفاع اسعار الذهب بين المواطنين من دون معرفة الكثيرين منهم لأسباب تلك التوقعات أو صحتها.

ماذا عن العقارات؟

تبدو حركة شراء العقارات في لبنان خجولة نسبياً مقارنة مع غيرها من الأصول، على اعتبار أن فئة بسيطة من اللبنانيين المقيمين قادرة على شراء العقارات، لكن بالنسبة للمغتربين يبدو الأمر مختلفاً. يقول سامي بدرالدين المقيم في المملكة المتحدة، أنه يحاول شراء عقار في منطقة عرمون أو بشامون، ذلك لأن الأسعار بالنسبة له مقبولة مقارنة مع ما كانت عليه قبل سنوات. ووفق بدرالدين، فقد حاول شراء شقة قبل العام 2019، إلا أن الأسعار كانت تتراوح مابين 90 و110 آلاف دولار، لكن الاسعار انخفضت إلى نحو 50 و 55 الف دولار. فكرة شراء العقارات بالنسبة إلى بدرالدين، جاءت بالتشجيع من أقارب له يعيشون في الخليج، حيث اشتروا عقارات مختلفة بأسعار تبدأ من 50 الف دولار. يعترف بدرالدين بأن تشجيع الاقارب، كان له التأثير الأكبر للبحث عن عقار، ووفق قوله “سيتمكن من تحقيق هامش جيد من الارباح مستقبلاً، إذ يتوقع أن تشهد الأسعار ارتفاعات في السنوات المقبلة”. تحليلات بدر الدين جاءت نتيجة عوامل خارجية، وتحت تأثير قرارات اتخذها أقاربه، ولم يتم دراستها وفق منهج اقتصادي، يعتمد على القيمة الأسمية للعقار، أو هامش الأرباح المتوقعة، أو عمر البناء، بالإضافة الى الظروف الخارجية المحيطة.

بحسب البيانات الصادرة عن وزارة المالية، فقد وصل عدد عمليات بيع العقارات إلى ما يقارب من 63.819 في الأشهر العشرة الأولى من العام 2022، وبالمقارنة، وصل عدد عمليات بيع العقارات الى 62.773 في الأشهر العشرة الأولى من العام 2020، والى 40.863 في الفترة نفسها من العام 2019.

التأثيرات إيجابية أم سلبية؟

لا توجد أي ارقام أو بيانات تشير فعلياً الى مدى تأثير هذا السلوك سواء بطريقة سلبية أو إيجابية على الاقتصاد اللبناني، إلا أن هذا السلوك وإن كان مدفوعاً، بالعوامل الخارجية مثل الأزمة الاقتصادية، والوضع السياسي والأمني، إلا أنه من غير المستبعد أن يكون له تأثير سلبي على الاقتصاد على المدى البعيد، كما من غير المستبعد أن يشهد إقبالاً على سبيل المثال على قطاع معين، وأن يؤدي الى ارتفاع اسعاره بأكثر من قيمته الحقيقية او انخفاضها الى مستويات غير واقعية.

بلقيس عبد الرضا- المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى