هل انتهت أزمة مخيم عين الحلوة؟
نجحتْ القوى الفلسطينية في تَجاوُزِ قطوعٍ أمني في مخيم عين الحلوة بعد نجاحِ خطوةِ إخلاء مدارس «الأونروا» من المسلّحين من حركة «فتح» و«تجمع الشباب المسلم» (من المتشددين) من مناطق الطوارئ – بستان القدس – الشارع الفوقاني، وتموْضع القوة الأمنية المشتركة أمام مداخلها تمهيداً لتسليمها إلى وكالة غوث اللاجئين لبدء المسح الأمني وإحصاء الأضرار وإعادة الترميم والصيانة.
لكن مصادر فلسطينية أبلغت الى «الراي» أن هذا النجاح لا يعني انتهاء أزمة المخيم أو المخاوف من تجدُّد الاشتباكات، إذ ما زال فتيل التفجير موجوداً ويتمحور حول تسليم المشتبَه بهم في جريمة اغتيال قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني في منطقة صيدا اللواء «أبوأشرف» العرموشي ومرافقيه في 30 يوليو الماضي حين اندلعت الاشتباكات وأسفرت في جولتيْ قتالٍ عن سقوط 28 قتيلاً وأكثر من 225 جريحاً.
وفي جولة لها داخل أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان، عاينت «الراي» أضرار المواجهات ورصدتْ آراء سكان عين الحلوة وحياة القلق التي يعيشونها بين ارتياح لهدوء مستعاد وعدم ثقة حيال ثبات الهدنة المشروطة وتحرّت عن مآلاتها المحتملة.
ومعلوم أنه في مسار معالجة الاشتباكات، اتفقت القوى السياسية الفلسطينية – «هيئة العمل المشترك الفلسطيني» في لبنان وبدعمٍ لبناني سياسي – أمني، على خطوات متدرّجة لتطويق ذيول الاشتباكات وفق بنود متتالية:
– أولاً: وقف إطلاق النار وتثبيته، وكانت آخِر نسخه التي ما زالت صامدة أُرسيتْ بمساع من رئيس مجلس النواب نبيه بري في 14 أيلول بعدما عَقَدَ اجتماعين منفصلين مع قيادتي حركة «فتح» برئاسة عضو اللجنة المركزية المشرف على الساحة الفلسطينية عزام الأحمد، و«حماس» برئاسة نائب رئيس الحركة في الخارج موسى أبومرزوق.
– ثانياً: تشكيل لجنة تحقيق في جريمة اغتيال العرموشي (برئاسة الضابط الفتحاوي المتقاعد معين كعوش)، تتألف من الأطر الثلاثة الرئيسية: فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، تَحالُف القوى الفلسطينية، والقوى الإسلامية ( تشكلت في 3 آب 2023) وقد أصدرت تقريرها بالاشتباه بثمانية من «تجمع الشباب المسلم» (22 آب 2023) وجرت محاولاتٌ لتسليم أنفسهم طوعاً ولكنها فشلت.
– ثالثاً: تعزيز القوة الأمنية المشتركة (الموجودة أصلاً) برئاسة اللواء محمود العجوري من كل القوى الوطنية والإسلامية بما فيها حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، و«عصبة الأنصار» و«الحركة المجاهدة» و«أنصار الله» (5 أيلول)، ونشْرها في مناطق التوتر ومحاور القتال (25 أيلول) بدءاً من الرأس الأحمر – الطيرة – مفرق بستان القدس)، على أن تُستكمل بالانتشار في حي حطين.
– رابعاً: إخلاء مدارس «الأونروا» التي يتحصن فيها مسلّحو حركة «فتح» و«تجمع الشباب المسلم» وانتشار القوة الأمنية عند مداخلها في منطقة الطوارئ – بستان القدس – الشارع الفوقاني (وهو ما جرى في 29 سبتمبر) لمنع الدخول إليها مجدداً وتسليمها إلى الوكالة لتباشر إجراءاتها ووضْع خطةٍ لاستئناف العام الدراسي 2023 -2024، بعد إجراء مسح أمني ثم تشكيل لجنة مختصة لتقييم الأضرار تمهيداً لترميمها وصيانتها وإعادة توفير التعليم لنحو 5900 طالب في مختلف المراحل الابتدائية والمتوسطة حتى الثانوية.
– خامساً: التعاملُ مع قضية المشتبه بهم في جريمة اغتيال العرموشي بعدما أوعزت «هيئة العمل الفلسطيني المشترك» في لبنان إلى «القوة الأمنية المشتركة» القيام بالمهام الموكلة إليها بما في ذلك ما يتعلّق بالجرائم الأخيرة أي جلب المشتبَه بهم بالقوة، وهو ما يشكل اليوم فتيل تفجير جديداً، ولا سيما أن إزالة الدشم والمتاريس والشوادر أو فتْح الطرق لعودة الحياة إلى طبيعتها أمرٌ مرتبط بتسليم المطلوبين.
وأكدت مصادر فلسطينية لـ «الراي» أن قضية المطلوبين اليوم تراوح بين معادلتين، الأولى عبّر عنها مسؤول «تجمع الشباب المسلم» في منطقة الطوارئ هيثم الشعبي حين أبدى استعداده للتعاون مع هيئة العمل الفلسطيني المشترك، ولكن على طريقته، إذ قال «هؤلاء مشتبه بهم وإذا ثبتت إدانة أي منهم نحن سنتخذ إجراء بحقهم»، والثاني تجّلت في تأكيد مسؤول حركة فتح في منطقة صيدا اللواء ماهر شبايطة ان الاتفاق الفلسطيني وبدعم لبناني هو على تسليم القتلة الى العدالة اللبنانية ولا شيء آخر.
وبين الحدّيْن، أكدت مصادر «فتح» أنها لن تفتح أي اشتباك جديد ولن تقوم منفردة بخطوة إلقاء القبض على المشتبه بهم إلا في ظل إجماع فلسطيني ولبناني وهو ما قد يطول. وأبلغ مسؤول فتحاوي أن خطوة إخلاء المدارس «لا علاقة لها بإعادة فتح الطرق وإزالة الدشم والمتاريس والشوادر، فهذه ترتبط بقضية تسليم المشتبه بهم في جريمة اغتيال اللواء العرموشي».
في المقابل تقول مصادر إسلاميين لـ «الراي» إن محاولات عدة جرت لإقناع «تجمع الشباب المسلم» بتسليم المشتبه بهم طوعاً إلا أنها لم تفلح، مشيرة إلى أنه رغم ذلك لم تتوقف المساعي بخلاف كل ما يقال «فالمحاولات ما زالت مستمرة وخصوصاً مع معاودة تأكيد ممثل حماس في لبنان الدكتور أحمد عبدالهادي التزام الحركة بالعمل على تسليم المشتبه فيهم، قائلا إنّنا ملتزمون بالعمل الجدي بالتعاون مع القوى الإسلامية والوطنية من أجل تحقيق هذا البند تنفيذاً لمبادرة الرئيس نبيه برّي».
وفي جولة ميدانية لـ «الراي» داخل عين الحلوة يشعر أبناء المخيم بالارتياح لخطوة إخلاء مدارس الأونروا والانتشار في مناطق تُعتبر ساخنة ومَحاور قتال. ويقول «أبو أحمد» سلوم: «الوضع أفضل من السابق، لكنه لم يَرْقَ إلى الاطمئنان بعودة الحياة إلى طبيعتها، فما زالت الدشم والمتاريس والشوادر على حالها في الشارع الفوقاني ومنطقة الطوارئ، والطرق مقفَلة والدمار كبير».
في منطقة الطوارئ، تبدو الحركةُ شبه مشلولة والدشم على حالها، وقد نخر الرصاص المنازل والمحال التجارية وحوّلها إلى ما يشبه «المصفاة»، فيما جدارٌ يكاد ينهار وقد كُتبت عليه عبارة «التسامح، التعاون والمحبة». ولكن «يكاد التسامح يتلاشى، التعاون يتوقف وتسقط المحبة» في معادلةِ المخيم الذي يختلط فيه السياسي بالعقائدي «وباتت العائلة ضدّ بعضها البعض، فكيف الحال بأبناء الحي والمنطقة» كما يقول علي صادق بمرارة.
على درج منزل متواضع ومتضرر في آن، جلست «أم عمر» تندب حظَّها وتمسح دمعها وتقول: «لقد صمدتُ وكنتُ أختبأ خلف الدرج لانه آمن، أسمع صوت الرصاص والقذائف وكأنها تنهار فوق رؤوسنا، جيراننا غادروا المكان خشية من الموت».
أما في مدارس الأونروا«، فالأضرار كبيرةٌ وفوق الوصف، على الأدراج استقرّت الكتب المدرسة وكأنها تهرب من خطر الموت، وعلى اللوح كتبت عبارات الحياة والموت، ومقاعد الطلاب نقلت من الصفوف وقد فُتح بين بعضها البعض كوات ووضعت الدشم وكأنها تفصل بين العِلم والجهل.
ويقول قائد القوة الأمنية اللواء العجوري لـ«الراي»: «الثقة ما زالت مفقودة، نعمل بكل جهد على تعزيز وجودنا على الأرض كي نُطَمْئن الناسَ، الأمرُ يحتاج إلى وقت لبلسمة الجرح النازف»، مؤكداً«أن الأوضاع أفضل من السابق ونحن ننتظر تعليمات القيادة السياسية باتجاه الخطوة اللاحقة».
بعد إخلاء المدارس، عادت عشراتُ العائلات النازحة إلى منازلها التي غادرتْها قسراً بسبب الاشتباكات، ولم يَبْقَ في مدرسة«نابلس» التابعة لوكالة «الأونروا» في صيدا سوى بضع عائلات تنتظر حسم قرارها بحلول اليوم على أبعد تقدير. غير أن الحاج يوسف محمد سمور الذي احترق منزله في المخيم وتضرر، يقول: إلى أين أذهب؟؟ لا مكان لي، مشيراً إلى أنه مريض ويتناول الأدوية وبالكاد يعيش كفاف اليوم، بينما إيجار الشقق بات باهظاً في صيدا.
ومن المتوقّع، أن تعقد «هيئة العمل المشترك الفلسطيني»، اجتماعا لتقييم هذه الخطوة واتخاذ قرار بالخطوة الأخرى ومنها انتشار «القوة المشتركة» في حي حطين ودعوة العائلات النازحة للعودة إلى منازلها، والعمل على إزالة المظاهر المسلحة، لتبقى القضية الأساس في كيفية التعامل مع قضية المشتبه بهم في جريمة اغتيال العرموشي.
المصدر: الراي