اخبار عربية

القطري يبدّل “تكتيكاته”… “تحايل” تأخذ ما تريد!

يأتي المبعوث “الفرنسي”جان إيف لودريان، وما يلبث أن يرحل. قبله وبعده يحضر الموفد القطري “أبو فهد” جاسم آل ثاني ثم يغادر وما يلبث أن يخلفه لودريان، وهكذا دواليك منذ قرابة الستة أشهر والنتيجة: لا رئيس.

لغاية الآن لا تطوراً جدياً بشأن الإتفاق على إسم رئيس، ومن الواضح أن الموضوع بات أكبر من الإسم.

إجمالاً، كل ما يتردّد في الإعلام حول أسماء من هناك أو هناك تبقى مجرد أسماء تصعد وتهبط.

تدرك القوى السياسية هذه الحقيقة جيداً، لذا “تهرب” إلى قضاء مزيد من الوقت في البحث عن مخارج قانونية لتجميد إحالة بعض قادة الأجهزة الأمنية إلى التقاعد. على رأس هؤلاء قائد الجيش العماد جوزاف عون. لغاية الآن لا وضوح في صورة مستقبل ترشّحه الرئاسي، ولا حلول لطبيعة أو طريقة التمديد له في ظل وجود وزير الدفاع الحالي موريس سليم.

في ظل هذه الأجواء يأخذ الموفد القطري وقته. فهم القطريون أن وضع الترشيحات صعب، من سليمان فرنجية إلى جهاد أزعور مروراً بقائد الجيش. لذلك وجدوا أن أفضل وسيلة لتغيير طريقة عملهم هي إجراء تعديل “تكتيكي” على استراتيجيتهم السابقة، بحيث يجمّدون العمل بمسألة التسويق المباشر لقائد الجيش مقابل الإنفتاح أكثر على فكرة “المرشّح الثالث”. وللحقيقة إن هذه الفكرة مصدرها لبناني بحت تماماً كما كان انتماء فكرة المقايضة بين رئيس جمهورية من فريق “حزب الله” وحلفائه ورئيس حكومة من رصيد الفريق الآخر. وعلى الأرجح سيستمر القطريون بلعبة “التحايل” وبتلقّف الأسماء ونشرها وتوزيعها وتسويقها، وهم يدركون سلفاً أن ما من إمكانية للتوافق الداخلي اللبناني على “خيار ثالث” محدد نتيجة الشرخ العامودي وتركيبة المجلس النيابي، ولن يلبثوا أن يعودوا، حين تنتهي فترة السماح، إلى استراتيجيتهم وخيارهم الأساسي المتمثل بقائد الجيش، ويضغطون صوب فرضه، ولن يكونوا بعيدين عن استخدام وسيلة “اللجنة الخماسية” حين يعودون إليها في مسألة تثبيت خيار قائد الجيش بعد إبراز دليل أن اللبنانيين عاجزين عن إنتاج حل ولا قدرة لهم على اعتماد الخيار الثالث.

على هذا الأساس تبقى الوساطة الفرنسية قائمة. عملياً تمثل الوساطة الفرنسية حاجةً، ما يوجب قراءتها خارج الإناء اللبناني. بحسب أكثر من مصدر، يرفض السعوديون القبول بفكرة إعلان وفاة المبادرة الفرنسية، ومن الواضح أنهم يعملون على حفظ ماء وجه فرنسا في لبنان، بدليل الخلافات التي عصفت بآخر اجتماعٍ للخماسي الدولي في نيويورك. ووفقاً لما وصل لمرجعيات سياسية في لبنان، تضمّنت النقاشات محاولة أميركية لوضع مهل زمنية للمبادرة الفرنسية، ووُجهت باعتراض سعودي واضح وصمت قطري وعدم تدخل مصري.

بناءً عليه، تبدو أمور الرئاسة طويلة. هذا ما استخلصه القطريون. يحتاج إحداث خرق لبناني رئاسي إلى تراصف 4 قوى أساسية على خطٍ مستقيم واحد: الولايات المتحدة، السعودية، إيران و”حزب الله”. ما يدفع إلى ذلك تطور إيجابي يحدث في الإقليم وآخر داخلي، حالياً التعويل على اختراقات قد تحصل بملف اليمن. ما قد يعرقل هذا المسار، الإنزعاج الإيراني من اقتراب توقيع السعودية و “إسرائيل” إتفاقية تطبيع. تمارس طهران سياسة “الرجل المخدوع”. فحين كانت تعمل على إنجاز تفاهم بنّاء مع الرياض، كانت الأخيرة تستثمر ذلك في سياق داخلي بحت له علاقة بتصفير المشاكل، من دون تقديم أي إضافات. البند الثاني يرتبط بمدى احتمال اكتشاف مخزونٍ تجاري في حقل قانا. يعوّل “حزب الله” على نتائج ملموسة، كذلك الجانب القطري، ولعلّ هذا البند هو بالضبط ما يهمّ الدوحة ويدفعها صوب محاولة إنتاج حلٍ سياسي – سياسي في لبنان لحماية مسار الغاز. ولعل القطريين هم أكثر فريق متحمّس للحل، إعتقاداً منهم أن الغاز اللبناني إن اكتُشف، سيعزز من حضورهم كقوة غاز جرارة ومؤثرة على صعيد ما هو أبعد من المتوسط. نتحدث عن ما هو أكثر من قيادة أكبر إسطول للغاز المسال في العالم.

في المقابل، ثمة من يتربّص سياسياً بقطر، تحديداً من حلفاء المملكة العربية السعودية. يردد هؤلاء في ما بينهم أن قطر “مصلحياً ” أقرب إلى الحزب وحلفائه من المملكة العربية السعودية وحلفائها، ويتحدثون عن رغبات قطرية في مد لبنان بـ”أوكسجين” مالي له علاقة بإعادة تفعيل مسألة إيداع ودائع مالية في مصرف لبنان. يكاد يُقرأ هذا الامر على أنه بمثابة “رشوة سياسية” تقدمها قطر لقاء القبول بطروحاتها. ما هو أبعد من ذلك، يصل إلى أن قطر تُحاول التخفيف قليلاً من تأثير الحصار الأميركي والغربي المفروض على لبنان.

يقول سياسي محنّك وعتيق إن الدوحة أدركت، أن النظام اللبناني في شكله الراهن “جلاّب لوجع الرأس”. لذلك تمضي في إجراء “أبحاث سياسية” حول الطريقة الأفضل للتحصيل من بعض آلياته، كفكرة التبادل بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، التي تعود فكرة إنتاجها لقطر في الأساس. هذه القضية قد تفسّر أسباب الرفض القطري لمضمون فكرة “المقايضة الرئاسية”.

إذاً تحاول الدوحة إحداث تغييرات على ما سبق أن قدمته إلى لبنان من أفكار سياسية في الدوحة ما زال يعمل بها إلى الآن، ولا بدّ أن تصطدم، ولو لاحقاً، بتباينات مع المملكة العربية السعودية، بدأت بعض نماذجها بالظهور تباعاً ولو بشكل طفيف.

عبد الله قمج – ليبانون ديبايت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى