اخبار محلية

أمن بيروت… “على الله”!

بين نيسان وحزيران الفائت تعرّض وسط بيروت لـ “اقتحام” من قبل عصابة منظّمة “أخذت وقتها”، وعلى رواق، في سرقة الكابلات الكهربائية من داخل أنفاق “سوليدير” إلى حدّ إطلاق شركة كهرباء لبنان تحذيرات من احتمال غرق العاصمة في العتمة بعدما طالت السرقة كابلات التوتّر العالي الرئيسية وكابلات الإنارة وأنظمة التأريض وخزائن التحكّم ومضخّات المياه، في داخل أنفاق منطقة الوسط التجاري.

على مدى أسابيع تمكّنت العصابة من القيام بعمليات السرقة بشكل يومي تقريباً ما بين منتصف الليل والساعة الرابعة فجراً “ولا من شاف ولا من دري” من القوى الأمنيّة المولجة بحماية المقرّات الرسمية في العاصمة. كان أفراد العصابة ينشرون الكابلات الكهربائية بواسطة منشار حديدي، ويقوم عددٌ منهم بتنفيذ عمليات المراقبة في محيط “العمليات”، ثمّ يتمّ نقل الكابلات المسروقة بواسطة سيّارات “بيك أب” إلى منطقة الضاحية بغية بيعها في بؤر خردة.
بعد وضع “شعبة المعلومات” يدها على الملفّ تمكّنت خلال 24 ساعة من توقيف جميع أفراد العصابة المؤلّفة من 15 سوريّاً. لكنّ هذا الجهد الأمني اصطدم بعقبة كبيرة. فبيروت حرفيّاً “عمياء”. لا كاميرات مراقبة فيها ولا من يحزنون.

الوسط التجاري، الذي يضمّ السراي الحكومي ومجلس النواب وقاعدة عسكرية للجيش ومنازل سياسيّين و”الإسكوا” وسفارات ومصارف ووزارات، هو مربّع أمني بامتياز، لكنّ “العصابات” تستطيع أن تسرَح وتمرَح فيه، فيما الاتّكال الأمني لكشف المُرتكبين والمخلّين بالأمن يتركّز على الجهد الاستعلامي وكاميرات المراقبة الخاصة الموزّعة على الأبنية والفنادق والمؤسّسات التجارية والرسمية، هذا إذا كانت “شغّالة” ويصلها التيار الكهربائي!

للمصادفة فإنّ الشاب محمد مهدي حسين خليل الذي أوقفته “شعبة المعلومات” بعد خمسة أيام من إطلاقه النار على مقرّ السفارة الأميركية في عوكر، وسابقاً لثلاث مرّات على مركز الأمن العامّ على المتحف، هو نفسه الذي أطلق النار باتّجاه مجمّع السفارات في منطقة زقاق البلاط في 25 آب الماضي. لكن آنذاك لم تستطع القوى الأمنية رَصد الفاعل وتوقيفه بسبب عدم وجود كاميرات مراقبة أبعد من النطاق الذي حصلت فيه الحادثة التي طالت تحديداً مبنى الاتحاد الأوروبي.

كاميرات “سوليدير” المعطّلة منذ سنوات كادت أن تفعَّل عبر شراء كاميرات جديدة بعد حادث فردي استنفر السفارة البريطانية، لكنّ الأمور بقيت على حالها.

في 28 آذار الماضي تعرّضت مواطنة بريطانية كانت تقوم بممارسة رياضة المشي في واجهة بيروت البحرية للتحرّش ومحاولة الاغتصاب ثمّ فرّ المرتكب، وهو سوري، على متن درّاجة هوائية إلى جهة مجهولة بعد تدخّل عدد من المارّة. أعاق عدم وجود كاميرات في المحلّة الوصول سريعاً إلى الفاعل، لكن بعد عملية مراقبة دقيقة تمكّنت “شعبة المعلومات” خلال خمسة أيام من توقيفه.

أثارت هذه الحادثة غضب البريطانيين الذين تواصلوا مع شركة “سوليدير” في محاولة للاستفهام وسدّ ثغرة الكاميرات. وقد عقد اجتماع يتيم بين مسؤولي الشركة والمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، لكن حتى الآن ما من مشروع لتركيب كاميرات بديلة عن تلك المعطّلة أو التي مرّ عليها الزمن.

حكاية وسط العاصمة مع كاميرات المراقبة هي نسخة مطابقة لحالة الفوضى في بلد “يسير وعين الله”… فقط “ترعاه”. عام 2014، لزّمت بلدية بيروت شركة “غوارديا سيستمز” بمدّ شبكة من الكاميرات النوعية (1,850 كاميرا ثابتة ومتحرّكة وبعضها يتعقّب لوحات السيارات) في نطاق بيروت، تصبّ صورها ومعطياتها في غُرفَتَي تحكّم (ثكنة الحلو والكرنتينا) تحت إشراف شرطة بيروت في قوى الأمن الداخلي. وقد بلغت كلفة المشروع 36 مليوناً و300 ألف دولار أميركي.

خُصّصت المرحلة الثانية من تركيب الكاميرات لوسط بيروت مع إنشاء مركز بيانات خاصّ بها منفصل عن المركزين السابقين (200 كاميرا حلّت محلّ كاميرات سوليدير بسبب نظامها القديم)، وقد أعلنت عنها المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عام 2017 مؤكّدة أنّها “ستقوم بتصوير السيارات المخالفة وتنظيم محاضر ضبط بحقّها بهدف تطبيق قانون السير الجديد”، أمّا الكلفة فبلغت نحو خمسة ملايين دولار. وكان وزير الداخلية نهاد المشنوق آنذاك من أشدّ المدافعين عن مشروع “كاميرات بيروت” لتأثيراته الإيجابية على الأمن وحركة السير ولأنّه تحت إدارة رسمية هي قوى الأمن الداخلي. لكنّ صفقة الكاميرات التي تجاوزت 40 مليون دولار وغطّت بيروت الإدارية انتهت قبل سنوات عدّة معطّلة بالكامل بسبب عدم إخضاعها من قبل الشركة للصيانة الدورية والتأكّد من جودتها، وهو ما أثّر على “الإنتاج” الأمنيّ ومكافحة الجريمة وعلى أداء غرفة التحكّم المروري. أتت حكومة حسان دياب بعد سعد الحريري ثمّ نجيب ميقاتي من دون أن يتمّ إيلاء هذه القضية اهتماماً يُذكر في الوقت الذي تتّكل فيه الأجهزة الأمنية على أساليبها الخاصة في كشف المجرمين كتعويض عن عدم وجود كاميرات تسهّل توقيف المرتكبين.
أمّا لجهة المجلس البلدي الحالي فلم تصله، وفق مصادره، تقارير من قوى الأمن الداخلي التي تُشرِف على إدارة غرفة التحكّم المروري تفيد بوجود أعطال في الكاميرات، فيما قوى الأمن الداخلي تلقي باللوم على الشركة التي لزّمت تركيب الكاميرات لعدم إجرائها الصيانة المطلوبة وفق بنود العقد الذي وقّع خلال ولاية المجلس البلدي القديم.

توضح مصادر في بلدية بيروت” لـ “أساس”: “لزّم المجلس البلدي القديم لبلدية بيروت خلال ولاية المحافظ السابق زياد شبيب عام 2017 تركيب كاميرات في وسط بيروت لشركة “غوارديا سيستيمز” (بعدما كلّفت الشركة نفسها عام 2014 مع عقد صيانة لخمس سنوات). قضى العقد بتركيب نحو 200 كاميرا مراقبة في وسط بيروت بقيمة 5 ملايين دولار. وقد أتى الطلب يومها من جانب مديرية قوى الأمن الداخلي بعدما أوقفت “سوليدير” العمل بشبكة الكاميرات القديمة التي لم تُجر صيانة دورية لها. وتباعاً توقفت الكاميرات عن العمل بشكل كامل لانعدام الصيانة كما أنّ عدداً كبير منها تحطّم خلال مرحلة أحداث 17 تشرين 2019″.

ملاك عقيل – أساس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى