الم-ق-ا-و-مة توسّع المعركة جنوباً… والعدو عاجز عن إيقاف الصواريخ
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
عملياً، إنخرطَ “حزب الله” في معركة “طوفان الأقصى”. لا يحتاج الفعل لإعلانٍ يصدر عبر بيان رسمي ما دامت الصواريخ تعبر الحدود بشكلٍ يومي.
بحسب التقدير العملاني، ما يجري عند الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، ليس عبارة عن اشتباك أو مواجهة محدودة. تجاوز الأمر إطلاق عملية عسكرية لإشغال العدو ومنع تفرّغه لغزّة. ما يحصل من ضربات ومواجهات يومية وإطلاق صواريخ وسقوط إصابات وتحويل الجغرافيا إلى مناطق عسكرية أو شبه عسكرية، هو عبارة عن ميدان فعلي تدور فوقه حرب حقيقية. وعلى ما يتبيّن، باتت الجبهة تشمل ما مساحته 100 كلم تمثل خط الحدود الفاصل بين لبنان والأراضي المحتلة. وعلى طول الجبهة، تمكنت المقاومة من تحقيق قفزات مهمة ونوعية. تتحدث المقاومة عن إعطاب قدرات تقنية وعسكرية هائلة للعدو، وعن جنود جرى “إحراقهم” أما في داخل مدرّعاتهم أو في دُشمهم. وتشير معطيات المقاومة عن قتيل على الأقل يسقط في كل ضربة تستهدف تجمعاً لجنوده، ما يحتمل أن يكون العدد الفعلي لخسائر الجيش الإسرائيلي يتجاوز عن 15 عنصراً منذ بدء المعارك. ولغاية يوم الثلاثاء الماضي، إعترف العدو بخسارة 10 مدرّعات من نوع “ميركافا” من الجيلين الثالث والرابع، إلى جانب 4 آليات حاملات جند، وهناك 40 عسكرياً مصاباً، فيما أعلنت مستشفى “نهاريا” عن استقبال 140 مصاباً تلقوا العلاج دونما إشارة إلى طبيعة الإصابات التي تعرّضوا لها.
وفي معرض التقييم، تمكنت المقاومة من تحويل خط الـ100 كلم من الحدود إبتداءً من رأس الناقورة في القطاع الغربي إلى آخر نقطة تماس مع الجولان السوري المحتل في أقصى القطاع الشرقي إلى جبهة نشطة ومفتوحة، وفي غالبية الأحيان تكون المقاومة المبادرة إلى تنشيطها، وتتراوح الإستهدافات بين مباشرة ومركّبة (إستهداف مراكز استعلام وتجسس ومواقع ذي طابع عسكري عملي).
إشتداد الجبهة دفع بالعدو الإسرائيلي إلى الزجّ بنحو نصف القوى المقاتلة لديه عند الشمال ما ينعكس على جبهة غزّة. وفي مزارع شبعا اللبنانية المحتلة وحدها، وضع العدو قيد الإستنفار والجهوزية ما يقارب 50% من الفيلق الشمالي، ثم دفع بثلاث فرق عسكرية على الأقل لتحل بدل السكان المدنيين الذين نزحوا من المستعمرات.
وفي الحديث عن النزوح، فإن أكثر من 100 ألف مستوطن على أقل تقدير، أخلوا نحو 28 مستعمرة في الشمال بعمق تراوح بين 5 إلى 7 كلم، حوّلها الجيش الإسرائيلي إلى منطقة عسكرية مغلقة. وقد فعّل فيها “ثلث” قدرة “القبّة الحديدية” المخصّصة للشمال، وقسّم النطاق العملاني في الجبهة الشمالية بشكل عام إلى 3 مستويات من الدفاع، وهو مؤشر إلى مدى الإحاطة التي يتخذها العدو شمالاً. ولزيادة التشويق، تولى مسؤولون إسرائيلون من بينهم وزير الدفاع يواف غالانت رفع معنويات الجنود. وفي إطار التلويح بالحرب الشاملة، وزع غالانت مواقف أمس على شكل “نصيحة” إلى “حزب الله” بضرورة “الإطلاع على الصور الجوية لغزة” في إشارة منه إلى حجم الدمار الذي قد يتعرّض له الجنوب!
عند هذا المستوى، كانت المقاومة تمضي عند الجبهة الجنوبية باتجاه الإلتحام بشكل أوسع مع العدو، مركزةً على تحقيق أهداف ذات ثقل عسكري نوعي ومحدد. وإلى جانب “إعماء” الجزء الأكبر من الخط الحدودي البالغ 100 كلم وإشغال جبهة القطاع الغربي المهمة جداً والتفرّغ للتعامل مع حالة القطاع الشرقي، وضعت “قوات النخبة” (الرضوان) في حالة تأهب من دون ورود أي إشارة إلى مشاركة أي فصيل منها في أي من أعمال القتال الجارية. ويتبيّن أن النشاط العسكري الحالي يتولاه مقاومون يتبعون للمحاور الجغرافية في القرى ويسقط منهم الشهداء.
وثمة أمر تجدر الإشارة إليه. فما يختبره العدو لغاية الآن من خلف الحدود هو عبارة عن الصواريخ الموجهة المضادة للدروع المستخدمة من جانب المقاومة من خارج اختصاصها الفعلي، وهي تستخدم الآن كسلاح لضرب التحصينات والنقاط وفي بعض الأحيان المدرعات، مع العلم أن هذا السلاح مثّل في حرب 2006 درّة تاج المقاومة. واستخدام المقاومة لهذه الصنوف في مستهل المعركة يوحي بتغييرات أجرتها على مفهوم تسليحها، ويُظهر أنها تخبىء ما هو أكثر تطوراً.
أمّا ما يدور من خارج “العسكرة” فيأتي متأثراً بها. عملياً وبعدما فقدَ بعض الوسطاء أو المؤثرين أو السفراء الأجانب القدرة على نيل إجابات واضحة من الحزب بشكل مباشر أو غير مباشر حول “خطة اليوم التالي” وعجزهم في الضغط على المقاومة من خلال الشخصيات الرسمية وغيرها، أخذوا يفحصون خلال الأيام الماضية مدى إمكانية اتساع رقعة الإشتباك وانتقالها إلى خارج منطقة الحدود الجنوبية. وبدا على نحوٍ واضح، أن هؤلاء وغيرهم، مهتمون إلى أبعد حدود، بحصر ميدان العمليات عند المنطقة الحدودية، مع تقديم النصائح والحرص أن لا تتجاوز العمليات ما هو أبعد من ذلك. وفي هذا السياق، تلقت القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان “اليونيفيل” إخطارات واضحة في شأن كيفية التعامل مع أي تطورات إستثنائية. فإلى جانب استمرارها في أداء أدوار معينة على الأرض، إلى أنها ليست في صدد المغامرة إلى ما هو أبعد من ذلك. وعلى ما يظهر، فإن قرار “اليونيفيل” هو البقاء في داخل المواقع والتحصينات ضمن المناطق الساخنة، مع الحفاظ على عمل موظفيها جارياً. وعلى ما عُلم، فإن “اليونيفيل” تلقت مراسلات من جانب بعثة الأمم المتحدة في لبنان، تُعلن خلالها زيادة مخصصات الموظفين المدنيين من اللبنانيين والأجانب وإدراجهم تحت وضع ما يسمّى “العمل ضمن المناطق الساخنة”. وفُسّر هذا الأمر على أنه دافعٌ للموظفين كي يستمروا في أداء مهامهم من جهة، وتأكيدٌ على أن “اليونيفيل” ومؤسسات الأمم المتحدة بشكل عام مستمرة في لبنان.