اخبار محلية

ما ينبغي أن يخافه اللبنانيون حقاً

“شو؟؟ بيفوتو بالحرب؟”.. هو أوّل سؤال يطرحه عليكَ أيّ لبناني تلتقي به. فهاجس اللبنانيين هو الخوف من أن يجدوا أنفسهم، وسط مشهد منسوخ عن مشاهد القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، في حال قررت ميليشيا الحزب أن تتدخل لنصرة ميليشيا حماس.

حتّى الأكثر تعاطفاً مع الضحايا الفلسطينيين لهذه الحرب المجنونة بين إسرائيل وحماس (طبعاً لا يجرؤ جلّهم على التعاطف مع المدنيين الإسرائيليين) لا يريدون للبنان مصير غزّة. وهذا مفهوم في ظلّ هول ما يتابعونه على الشاشات، وفي ظل ما ذاقوه وراكموه من مآسٍ وإنهيارات منذ حرب تموز 2006 الى اليوم.

حتى نبرة “التزريك” على خلفية عدم وقوفه الجدّي إلى جانب فلسطين التي صدع رؤوسنا بتحضيره لتحريرها، غابت على نحو غير مسبوق في سجالات سابقة. فلا أحد يريد استفزاز الحزب للقفز نحو الهاوية التي يقف هو ولبنان على حافتها.

لكن ليس هذا ما يجب أن يخشاه اللبنانيون. ما ينبغي أن يخيفنا جميعًا أنّ الحرب بين إسرائيل والحزب آتية لا محالة، ولو لم تحصل اليوم.

طبعاً من الصعب الاستنتاج الآن، بالاستناد الى مجريات الأسابيع الثلاثة الماضية وعدم دخول لبنان الحرب حتّى الآن بشكل جدّي، أنّ البلد تجاوز خطر الانزلاق نحو الدخول في هذه الحرب. فحدة الإشتباكات تزداد بين مجموعات الحزب والجيش الإسرائيليين، ورقعة القصف تتوسّع على الجانبين، وكثافتها النارية ترتفع، بالاضافة إلى تصاعد عدّاد القتلى في صفوف الميليشيا، الذي شارف على الخمسين قتيل منذ 7 تشرين الأول. لكن وحتّى إشعار آخر يبدو أنّ قرار إيران هو عدم المغامرة بزجّ الحزب حتى تتضح مسارات الأمور في غزة.

بيد أنّ هجوم حماس في السابع من تشرين الأول، الذي أفضى الى حرب غزّة الحاصلة، غيّر الكثير على صعيد معادلات الأمن الاقليمي وأمن إسرائيل ومتطلبات الاستقرار في الشرق الأوسط.

سقوط “التسوية” مع “التطرّف”

أوّل ما سقط هو فكرة أنّه بوسع إسرائيل عقد صفقات مع ميليشيات مسلحة، والتقليل من شأن إيديولوجيتها، والإفتراض أنّ هذه المجموعات تخوض صراعات سلطة لا أكثر، وأن إسرائيل، بتمكينها من السلطة، تأمن جانبها.

هذا تماماً ما مارسته حكومة بنيامين نتانياهو مع حركة حماس، وهذا تماماً ما كان كامناً في خلفيات ترسيم الحدود البحرية مع لبنان بموافقة ميليشيا الحزب. في غزّة كما في لبنان كانت قناعة نتانياهو وتحالفه الحكومي أنّه بوسع إسرائيل عقد ترتيبات مع أعدائها ومنحهم ما تيسّر من مكتسبات في مقابل التهدئة، طالما أنّ السلطة السياسية في لبنان غائبة تماماً، والسلطة الفلسطينية في غاية الترهّل والضعف.

سقطت فكرة التعايش مع آلاف الصواريخ على حدود إسرائيل، بالتفاهم المباشر أو غير المباشر مع صاحب الصواريخ. وفكرة توحيد الجبهات الإيرانية، وإن لم تقدم الى اليوم أكثر من استعراضات جانبية، هي فكرة ما عاد بإمكان إسرائيل والدول المعنية باستقرار الشرق الأوسط تجاهلها.

أسئلة الأمن في المنطقة

ليس محسوماً بالطبع أن تنتصر إسرائيل في الحرب الدائرة. ما هو أكيد في المقابل أنّ إسرائيل ودول كثيرة في المنطقة، موضوعة أمام أسئلة وجودية بخصوص أمنها وإستقرارها، وهي تمتلك مصلحة مشتركة في معالجة مسألة الميليشيات التي تهيمن على القرار السياسي في أربع دول ونصف: لبنان سوريا العراق اليمن.. وغزّة!

وهنا يتبدّى الخطأ الفادح الذي ارتكبته الولايات المتحدة منذ قرّر الرئيس الأسبق باراك أوباما عقد الإتفاق النووي مع إيران وتجاهل بالكامل الموقف الإسرائيلي العربي المشترك الذي حذّر واشنطن من أنّ أمن الشرق الأوسط تهدّده ميليشيات إيران وأذرعها القائمة الآن وهنا، أكثر ممّا تهدّده أسلحتها النووية قيد التطوير.

حين نفّذ الرئيس السابق دونالد ترامب تهديده باغتبال قاسم سليماني، بعدما ضاعف سياسات العقوبات القصوى على إيران، جلست الأخيرة في زاوية الشرق الأوسط تلعق جراحها، وبدا أنّ ردع إيران بالقوّة ممكن، بل هو السبيل الوحيد للتعامل مع أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم. وحين عاد الرئيس جو بايدن الى سياسات استرضاء إيران شعرت طهران أنّ أميركا ضعيفة وأنّ بوسعها استئناف مشروعها في مواجهة إسرائيل وسعيها لتغيير الهيكلية الأمنية والسياسية في المنطقة المتحالفة مع الغرب.

عليه ستزداد إيران، تمسّكاً بأذرعها، لا سيما إذا سقطت حماس. بل ستدفع هذه الأذرع أكثر للهيمنة على القرار السياسي، لا في دولها فحسب، بل في مجتمعات هذه الدول، بغية “تطهير” سردية المقاومة من أي أصوات اعتراض حقيقية عليها.

من يتابع مداولات السوشال ميديا والخطاب السياسي، سيلاحظ حجم الاستثمار في الدم الفلسطيني لتعطيل أيّ رأي سياسي مخالف لإقتراحات محور الميليشيات، وتصوير أيّ موقف سياسي مخالف على أنّه مساوٍ لقرار الحرب نفسها، وتصوير صاحبه على أنّه شريك في دم الفلسطينيين، وليس أقلّ من ذلك.

لا شيء يوحي بأن حفلة الجنون هذه ستقف عند حدود.

ما ينبغي أن يخافه اللبنانيون أنّ بلدهم سيتحوّل أكثر فأكثر لنموذج غزّة ما قبل حربها الأخيرة. أيّ دولة تحكمها بالكامل ميليشيا عقائدية، ما عاد العالم قادراً على التعايش معها، لا سيما أنّها قد تفاجئ الجميع بمثل ما فاجأتهم حماس يوم 7 تشرين الأول.

لبنان سيتحوّل أكثر الى غزّة ما قبل الحرب الدائرة، وهي الوصفة الأكيد لأن يلحق بمصير غزّة الراهن في أيّ لحظة.

الحرب آتية.. هذا يوم خرج من دائرة الافتراضات وبات في عداد الانتظار لا أكثر ولا أقلّ.

نديم قطيش – اساس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى