ما قبل خطاب “السيد” وما بعده
كتبت سناء الجاك في “نداء الوطن”:
شهد لبنان منذ الإعلان عن كلمة الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله أجواء عجائبية غرائبية. بمعزل عن الحرب في غزة، وبمعزل عن جولات فك الاشتباك في الشريط الحدودي المستحدث في الجنوب اللبناني، وبمعزل عن عملية الإشهار عن فتح هذا الشريط للفصائل الفلسطينية، تمّ العمل على سيناريو تكريس بسط الهيمنة الكاملة والشاملة والكاسحة لاحتلال محور الممانعة «المسار والمستقبل» من خلال خطاب.
والمفارقة أنّ الجميع ساهم بإنجاح السيناريو، ابتداءً من حكومة تصريف الأعمال التي واكبته باجتماعات مكثفة لوضع خطة طوارئ لحرب واسعة محتملة، وبحملة إعلامية لم تقتصر على الممانعين وانما انجرَّت إليها وسائل إعلام كان ينبغي أن تقارب ما يحصل من زوايا أكثر منطقية.
فقد اعتمد واضعو السيناريو تمهيداً متسلسلاً، تماماً كالجريمة المتسلسلة، عبر إشارات وإيحاءات ومشاهد تشويقية تقود إلى نتائجها، وأحرزوا من خلال حملتهم الإعلانية هذه ما توخوا منها.
لذا أحدثت حصيلة ما قبل الخطاب موجة هستيريا تتخللها بعض التعليقات والنكات، إلا أنّها لم تخفِ الخوف والترقب والقلق المستجد على القلق الذي يفتك أصلاً بيوميات مواطنين لا غد لهم. بالتالي لم يعد بيت القصيد ما يرد في الخطاب، فما قبله أدى وظيفته، وما سوف يليه سيكون مبنياً على هذا النجاح المنقطع النظير.
لم يعد مهماً هذا التكرار لرفض اللبنانيين الحرب وانتقادهم نصرالله أو توسلهم إياه، وبكل أسف، أن يجنبهم مرارة كأسها. فالحرب هنا، وبها ومن دونها ستتراكم الخسائر، وسيستمر جحيمهم المفتوح.
الأجواء الغرائبية والعجائبية التي تجلت في كل سلوكياتهم بانتظار الخطاب تؤكد أنهم مستسلمون، ولا رغبة لديهم بالانتفاض، سواء لتصويب إمساك الدولة ومؤسساتها الشرعية بقرار الحرب والسلم المقبوض عليه من رأس المحور، أو لجهة البقاء في أزمات متلاحقة فتاكة، وليس فقط في شغور لموقع رئاسة الجمهورية، لأنّ لـ»حزب الله» ومن خلفه إيران، مشاريع أخرى تتعلق بهذا المنصب، وبأسس الجمهورية اللبنانية كلها، ومن غير استعجال.
أما الكلام الانشائي عن قانون ودستور، فهو يُستخدم فقط ليبرر ويسند كل هذا الاستقواء على الصامتين الخانعين الخائفين والمسارعين لتكديس الخبز خوفاً من الجوع.
بالتأكيد، نجح المحور الممانع بما خطط له، ألغى وجود الرأي العام، على الأقل في هذه المرحلة، حيث لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ولكن أي معركة؟ وضد من؟
حبذا لو يسأل اللبنانيون أنفسهم مثل هذه الأسئلة. حبذا لو يتوقفون قليلاً وبعيداً عن رغيف الخبز وأقساط المدارس وفاتورة الاستشفاء، ويفكرون في ما ستؤول إليه أوضاعهم بعد الخطاب وبعد حرب غزة، مهما استمرت وكيفما ستنتهي… مع أنّ نتائجها معروفة سلفاً، وهي لن تختلف عن نتائج حرب تموز 2006 وما حملته من انتصارات إلهية لا يزال «الحزب» يستثمر في مكتسباتها ويجيّرها لوليه الفقيه بمعزل عن خسائر لبنان الدولة والشعب.
فما نحن فيه يؤكد أنّ ما يجري إهانة للبنانيين في فكرهم وكرامتهم. ما نحن فيه يفتقد إلى المنطق، الذي يرفض تردي الوضع الإنساني سواء في غزة أو قبلها في سوريا، أو أي بقعة من بقاع الأرض لينتصر فريق بعينه على ركام البشر. وأيضاً يرفض استنسابية العدالة والإنسانية من محاور العالم كلها، والمتاجرة بموت أطفال، شارك في قتلهم أطراف الصراع بمعزل عن التصنيف، ويرفض استخدام الخطاب والتسليم بأن «المسار والمستقبل» بيد رأس المحور… وبأنّ الدولة بمؤسساتها ومسؤوليها وشعبها، عليها أن تكرس ما كان قبل الخطاب بمزيد من التلاشي والذوبان حتى لا تزعج أصحاب النفوذ، حتى يتوسعوا في جرائمهم ويحصنوا نفوذهم.