التحذير من إقحام لبنان
تتوالى التحذيرات الدولية للمسؤولين اللبنانيين، من مغبّة إقحام بلدهم في حرب قد تشكل خراباً ودماراً يفوق بكثير حرب تموز عام 2006، وعلى هذه الخلفية جاءت زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، وصولاً الى الدور الذي يقوم به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في هذا الإطار، ومن هذا المنطلق تأتي زيارة موفده جان إيف لودريان لبيروت بخلاف زياراته السابقة التي كان عنوانها وهدفها الأساسي السعي لانتخاب رئيس للجمهورية عبر دور اللجنة الخماسية.
في السياق، عُلم من مصادر سياسية مطّلعة أن لودريان يحمل معه ملفين أساسيين، الأول إبلاغ المسؤولين اللبنانيين بما تملكه فرنسا من معلومات ومعطيات عن خطورة الوضع في لبنان عبر إمكانية قيام إسرائيل برد يطاول العمق اللبناني إذا تجاوزت العمليات العسكرية الخطوط الحمر وجرى تخطي القرار رقم 1701، وهذه المعلومات مستقاة من الداخل الإسرائيلي وأُبلغت للرئيس ماكرون. وفي غضون ذلك تقوم باريس باتصالاتها مع إسرائيل وواشنطن، لعدم زجّ لبنان في حرب ستكون كلفتها باهظة الثمن عليها. والثاني على أجندة لودريان الملف الرئاسي الذي سبق أن بلغ خطوات متقدمة قبيل اندلاع حرب غزّة بفعل اللقاءات التي عُقدت في جدّة وشارك فيها الموفد الفرنسي الى جانب وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، والمستشار في الديوان الملكي نزار العلولا والسفير وليد بخاري، وكان من المرتقب أن يأتي حينذاك وزير الخارجية الفرنسي السابق الى العاصمة اللبنانية من أجل حضّ المسؤولين اللبنانيين على انتخاب الرئيس بالتماهي مع مهمة الموفد القطري.
وتتابع، أن مسألة الاستحقاق الرئاسي دونها عقبات وصعوبات ربطاً باشتعال حرب غزّة والجبهة الجنوبية واستمرار معظم الأطراف والقوى السياسية الداخلية على مواقفها، بمعنى أن التعطيل الرئاسي لا يزال سيّد الموقف، إلا أن المعطيات المتوفرة تشير الى تحريك دولي وعربي حصل في الأيام الماضية لهذا الاستحقاق على قاعدة أنه لا يمكن للبنان أن يبقى دون رئيس للجمهورية ولا سيما في هذه المرحلة الاستثنائية على كل الصعد لمواجهة ومجابهة الوضع الإقليمي وتداعياته على الداخل. ولكن هذه المعلومات لا تشي بأن الرئيس سيُنتخب في وقت قريب بل ثمة تداول حصل في إمكانية تسجيل خرق في الستاتيكو القائم اليوم وتمرير الاستحقاق ضمن توافق دولي وإقليمي، فثمة تواصل قطري – إيراني على اعتبار الدوحة تتولى هذه المهمة ولديها مرشحون باتوا معروفين ولا سيما قائد الجيش العماد جوزف عون، وتمسك الثنائي الشيعي بزعيم تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية، دون إغفال أن النائب غسان سكاف تحرك في الساعات الماضية باتجاه مرجعيات سياسية ورئاسية وتكتلات نيابية حيث يتماهى مع بكركي في دعم مرشح من الخيار الآخر، ولكن يُدرك لودريان صعوبة انتخاب الرئيس إلا إن كان هناك حزم دولي وقبّة باط إيرانية لتمرير انتخاب الرئيس.
وعُلم أن المملكة العربية السعودية على موقفها، ففي الوقت الذي ليس لديها فيتو على فرنجية، لكنها على المقاربات التي حددتها، ويُنقل عن أحد الديبلوماسيين السعوديين، أن الرياض تعمل راهناً على مناصرة ودعم الفلسطينيين الى دورها في لجنة المتابعة العربية المنبثقة عن القمة العربية والإسلامية التي يترأسها وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، من أجل إدانة إسرائيل في ما تقوم به من حرب إبادة في غزة والوصول الى حلّ الدولتين، بينما سفيرها في بيروت وليد بخاري يقوم بدور في هذا السياق من خلال زيارته للسفير الفلسطيني أشرف دبور، والتواصل مع السفراء العرب والغربيين والمرجعيات السياسية والروحية للغاية عينها، وفي المحصّلة وعلى خط الاستحقاق الرئاسي، إن الدوحة الى لودريان تنسيقهما مستمر مع السعودية، لكن عوداً على بدء تؤكد المعلومات أن هذا الملف في ثلّاجة الترقب والانتظار لحرب غزة والجبهة الجنوبية وهما الأساس في هذه المرحلة، بحيث لم تنته بعد وكل الاحتمالات ما زالت واردة.
أخيراً حيال هذه الأجواء، المساعي تكمن في تحييد لبنان عن حرب قد تعيده سنوات وسنوات الى الوراء، والتحذيرات الأميركية والفرنسية والروسية من زجّ لبنان في أتونها تأتي بناءً على تقارير عسكرية وديبلوماسية، تدلّ على نوايا إسرائيل العدوانية باستهداف الداخل اللبناني ومرافق حيوية، ولهذه الغاية جاءت زيارة هوكشتاين العاجلة لتل أبيب، والأمر عينه للموفد الفرنسي لودريان منتصف الأسبوع الجاري، فضلاً عن الاتصالات التي قام بها نائب وزير الخارجية الروسي #ميخائيل بوغدانوف مع المسؤولين اللبنانيين محذّراً من إقحام لبنان في الحرب، وعُلم أن موسكو تقوم بما هو لازم مع إيران وتل أبيب لتجنيب البلد الكأس المرة.
“النهار”- وجدي العريضي