هنيئاً “إكسبو الرياض”… متى لبنان
إذا كنّا سعداء بكسب الرياض قصب سبق احتضان «إكسبو 2030»، فإنّ ذلك لا يمنعنا من الغيرة. ومع اعتبارنا كل إنجاز تحققه المملكة ينعكس إيجاباً على العرب، ولا سيما لبنان، بفعل وشائج الأخوة والمصلحة، فإننا نطرح سؤالاً بديهياً على مواطنينا من كل الطوائف والنوازع: بربّكم ألا تدفعكم المقارنة بين ما نعيشه من انهيار، وبين ما تختبره المملكة من تقدم مذهل، الى مراجعة الضمير والوحدة لاستعادة دور لبنان؟
لا يمكن للبناني يراقب الإنجازات السعودية، خصوصاً منذ تولّي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، إلا الإعجاب بتلك «الثورة من فوق» التي قادها آخذاً المجتمع السعودي نحو الانخراط في العصر والحداثة، ومحتفظاً من الماضي بالأصول. صحيح أن تقبُّل الشعب السعودي الإصلاحات وانحياز فئة الشباب بالتحديد الى «رؤية 2030»، لهما جذورهما في الخطوات الثابتة، لكن الوئيدة، التي قامت بها العهود السابقة، والتي وَعَت منذ أول الربع الأخير من القرن العشرين أهمية التعليم وابتعاث الآلاف للدراسة في أرقى الجامعات، لكن الخطوة الحاسمة في هذا المسار تطلبت نقلات نوعية وسريعة تولَّى مسؤوليتها ولي العهد بحزم واندفاع.
تأخذنا الرغبة في المقارنات، فنستذكر كيف كان لبنان الستينات ومطلع السبعينات قِبلة الشرق ومصرفه وجامعته ومستشفاه، قبل أن ينزلق الى حروبه الداخلية ـ الإقليمية التي تسببت فيها كارثتان تتعلقان بموقعه الجغرافي، إذ ليس سهلاً على دولة ديموقراطية هي عبارة عن «فكرة» يختصرها «العيش المشترك» وقبول الاختلاف، أن تتعايش مع جارين: شقيق طامع امتهن الانقلابات والديكتاتورية والشعارات، وعدو لئيم يخطط ليل ـ نهار لتكريس وجود دولة عنصرية وإلغاء حق الفلسطينيين في العودة والتمتّع بالاستقلال.
ما تقدَّم يؤكّد أنّ «وحدة المسار والمصير» ليست واجبة مع الأقربين جغرافياً وعائلياً، بل بين متشاركين في قيم احترام الغير، دولةً وشعباً ومؤسسات، فاتحي الأبواب للكسب الحلال، وليس مع ممتهني التسليح وإنشاء الميليشيات الذين حوَّلوا بلادهم خراباً بعدما جعلوا لبنان مساحة أبدية لكل المنازعات.
«اكسبو 2030» سيرفع الى مستويات أعلى البحث في أفكار جديدة ومواضيع المناخ والتكنولوجيا والبيئة وكيفية تساوق الازدهار مع الحفاظ على الكوكب للأجيال المقبلة. والفوز السعودي الكبير كان مستحقاً، إذ ليس سهلاً أن تنافس «ماما روما» التي كانت كل الطرق تمرّ فيها، ولا «صاروخية» التقدم التكنولوجي الكوري في كلّ مجالات الحياة.
ولعلّ المكانة التي اكتسبتها المملكة في العقد الأخير، وقدرة قيادتها على نسج علاقات متوازنة مع القوى العظمى، وتحوّلها جزءاً من الدول العشرين الأكثر تقدّماً، ناهيك بالاستقرار الذي تتمتّع به وتسعى الى توسيعه في الإقليم، كانت أسباباً إضافية أتاحت لها ذلك التأييد الكبير لتنظيم معرض عالمي استضافت لندن نسخته الأولى في 1851، بعد نحو قرن من بدء الثورة الصناعية، وينَظَّم بأُبَّهة كل خمس سنوات.
ربما حان الوقت ليدرك كل اللبنانيين أنّ هناك عالماً عربياً يحلّق في فضاءات بعيدة، فيما نرزح تحت ثقل المحاور والحروب. إنّ حق اللبنانيين في العيش الطبيعي والآمن يشبه تماماً حق الفلسطينيين في دولة مستقلة وإزالة الاحتلال، والثمن الذي دفعه اللبنانيون أكثر من كافٍ لنفكر في»الحياد» لا في الاستقالة من «القضية»، وفي التضامن لا في الانخراط في الحروب.
نهنّئ المملكة بـ»إكسبو 2030». وحقُّنا أن نغار لنعيد بلدنا نجمةً في مدار الحداثة، ونحلم بتنظيم «إكسبو لبنان» يوماً ما.
*نقلاً عن “نداء الوطن”