“طلائع طوفان الأقصى”.. لماذا “استفزّ” إعلان ح.م.اس الكثير من اللبنانيين
“طلائع طوفان الأقصى”.. لماذا “استفزّ” إعلان ح.م.اس الكثير من اللبنانيين
في خطوةٍ وُصِفت بـ”المفاجئة”، وجاءت في غمرة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، التي دفع اللبنانيون أثمانًا غير بسيطة على خطّها، على وقع الاشتباكات التي تسجّلها “الجبهة الجنوبية” منذ الثامن من تشرين الأول المقبل، أعلنت حركة حماس تأسيس ما سُمّيت بـ”طلائع طوفان الأقصى” انطلاقًا من لبنان، ودعت أبناء الشعب الفلسطيني إلى المشاركة في “صناعة مستقبل القضية الفلسطينية وفي تحرير القدس والمسجد الأقصى”.
في بيان التأسيس الذي أصدرته، والذي فتح الباب أمام الكثير من التكهّنات وعلامات الاستفهام، أوضحت الحركة أنّ هذه الخطوة تأتي “تأكيدًا على دور الشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة والمشروعة، واستكمالاً لما حققته عملية طوفان الأقصى، وسعيًا نحو مشاركة رجالنا وشبابنا في مشروع مقاومة الاحتلال والاستفادة من طاقاتهم وقدراتهم العلمية والفنية”، وفق وصفها.
لكنّ إعلان تأسيس “طلائع طوفان الأقصى” قوبل بموجة اعتراضات واسعة في الداخل اللبناني، شملت قوى سياسية مختلفة الاتجاهات الطائفية والسياسية، وبعضها معروف بدعمه “التاريخي” للقضية الفلسطينية، وقد تقاطعت على رفض الخطوة، والتأكيد على وجوب احترام “السيادة اللبنانية”، لكن لماذا استفزّت خطوة “حماس” هذه الكثير من اللبنانيين، بمن فيهم أولئك الذين تضامنوا مع الحركة منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى”؟!
اللبنانيون يرفضون “العودة للوراء”
ليس خافيًا على أحد أنّ إعلان تأسيس “طلائع طوفان الأقصى” أعاد إلى اللبنانيين ذكرياتٍ لحقبة “مريرة” لا يريدون استعادتها، وقد أسّست لما عُرِفت لاحقًا بالحرب الأهلية اللبنانية، على الرغم من “التفاوت” في ما بينهم في تقييم هذه المرحلة التاريخية وخلفيّاتها، كما في تقدير حجم العامل الفلسطيني في نشوبها، خصوصًا بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان الذي جاء بحجّة العمل الفلسطيني المسلّح انطلاقًا من الأراضي اللبنانية.
ولعلّ ما عزّز هذه المخاوف من وجود مساعٍ لـ”استنساخ” تجربة الماضي الذي قد لا يكون بعيدًا، يتمثّل في أنّ المرحلة السابقة شهدت على عمليّات للفصائل الفلسطينية في جنوب لبنان، بعدما تبنّت كل من كتائب القسام وسرايا القدس، عدّة هجمات انطلقت من الحدود اللبنانية، وتسبّبت في قصف إسرائيلي مضاد، ولو أنّها جاءت بالتوازي مع عمليات ينفّذها “حزب الله” أيضًا دفاعًا عن الأراضي اللبنانية التي تتعرّض للانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة.
لهذه الأسباب، شعر البعض في لبنان بـ”الاستفزاز” من إعلان تأسيس “طلائع طوفان الأقصى”، فكان التركيز على رفض “العودة إلى الوراء”، وتحديدًا العودة بعقارب الساعة إلى مرحلة اتفاق القاهرة في العام 1969، الذي تمّ من خلاله تشريع الحق بالمقاومة الفلسطينية المسلحة من الأراضي اللبنانية، وإن تحت عنوان “تنظيم” الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، علمًا أنّ اللبنانيين سبق أن بحثوا أمر السلاح الفلسطيني على طاولات الحوار.
توضيحات “حماس”
خلافًا لما حاول البعض الترويج له، كان لافتًا أنّ الاعتراض اللبناني لم يكن “محصورًا” في اتجاه سياسي أو طائفي واحد، بل شمل معظم القوى والفاعليات، حتى إنّ هناك من يقول إنّ البيئة المحسوبة على “حزب الله” نفسها لم تُبْدُ “متحمّسة” لما صدر عن حركة “حماس”، لما يمكن أن يوقظه من “حساسيّات” قد تضرّ في جانبٍ معيّن، بحالة التضامن الوطنية مع القضية الفلسطينية، والتي قد لا تكون مسبوقة بشكلها الحاليّ في الشارع اللبناني.
ولهذه الأسباب ربما، لم يتأخّر المعنيّون في حركة حماس في الداخل اللبناني لتقديم “التوضيحات”، وربما “التطمينات” الكفيلة بتبديد “الهواجس” اللبنانية “المشروعة”، حيث تناوب ممثلو الحركة على تأكيد احترام “سيادة وقانون لبنان”، وإعطاء بعد “ثقافي واجتماعي” لإعلان تأسيس “طلائع طوفان الأقصى”، بعيدًا عن الطابع “العسكري” الذي فُهِم للوهلة الأولى، حيث اعتُبِرت “إطارًا شعبيًا وتعبويًا لاستيعاب الشباب الفلسطيني”.
وإذا كان هناك من “يلوم” الحركة على التفسيرات، باعتبار أنّ بيانها الأول لم يوحِ إلا بهوية “عسكرية” لطلائع طوفان الأقصى، خصوصًا أنّها دعت الشباب الفلسطيني إلى الانضمام إلى “طلائع المقاومين” من خلالها، مشدّدة على دور الفلسطينيين في كلّ مكان في مقاومة الاحتلال، فإنّ التوضيحات التي أصدرتها كفيلة، وفق العارفين، بإنهاء الجدل، باعتبار أنّ الحركة “تنصّلت” من أيّ تفسيرات “عسكرية”، سواء وُجِدت في الأساس أم لا.
لا شكّ أنّ الشعب الفلسطيني في الداخل اللبناني كما في الشتات بصورة عامة، يشعر نفسه معنيًا بما يجري في غزة، ويشعر بضرورة “مساندة” أهله وإخوانه في القطاع المُحاصَر بأيّ وسيلة من الوسائل. لكنّ الأكيد أنّ مثل هذه المساندة يجب أن تبقى منضوية في إطار “السيادة والقانون”، خصوصًا في بلد كلبنان، يقف مع الفلسطينيين قلبًا وقالبًا، لكنّه يرفض إعادة “عقارب الساعة” إلى الوراء…