الدولة “تنهش” بعضها… وشعبها
كتب أنطون الفتى في وكالة “أخبار اليوم”:
هل يمكن لأي كائن بشري على وجه هذه الأرض أن يصدّق أن دولة تسرق شعبها، أو أن دولة تتغاضى عن سرقة شعبها، فيما السارق “إبن الدولة”، أي من يُفتَرَض أنه إبن مؤسّسة عامة، يعيش من إتمام تلك المهمة؟
“نهش”
هذه هي حال لبنان، حيث الدولة “تنهش بعضها” وشعبها، بنفسها، أي ان من يمارس النهش هو “إبن الدولة”، وبفساد أفسد من الفساد، أي بما لا يمكن إيجاد كلمة تصفه.
فالأخطاء في تحديد أسعار فواتير الكهرباء باتت مُستفحِلَة ومتكرّرة ومقصودة. وهنا نتحدث عن مبالغ مليونية “مُخيفة”، يأتيك الجابي ليُسمعك أنها مطلوبة منك، وكأنك مُلزَم بدفعها حالاً وكما لو كان الأمر اعتيادياً، فيما لا تكون (تلك الفواتير) مُتناسِبَة مع الحذر الشديد، ومع التقنين الكهربائي الذاتي الاختياري الكبير الذي تمارسه “بحقّ نفسك”.
فوضى
وعندما تقول له إن شيئاً ما ليس على ما يرام في الفاتورة، يجيبك بـ”لا أعلم”، “هذا ما لديّ”، و”لو ما كنت صارفون ما كانت الفاتورة إجت هيك”. وعندما تثبت في الاعتراض يستسلم قائلاً “راجع بالشركة”.
وأما هناك، فحدّث ولا حرج، بين فوضى وفوضى وفوضى وفوضى… تنتهي إما بنتيجة سلبية، أو بنتيجة إيجابية من دون ضمانة على أن الخطأ لن يتكرّر في المرة القادمة.
ناهيك عن جُباة يقفون على بابك في بعض المرات، ويقولون لك إنك “مكسور على 4 أشهر”، أو 8 أشهر، هكذا، وعلى سبيل “التشبيح”، الى أن تجلب ما تحتفظ به من فواتير، فيصمت ويقول لك، “شو هالبلد، مش عم نقشع قدامنا بقا”. فمن يمكنه أن يراقب أو أن يحاسب ما يحصل؟ وإصدار الفواتير؟ ووفق أي معايير؟ ولماذا باتت تلك الأخطاء والمشاكل متكرّرة في أزمنة الضّيق وزيادة “التشبيح” في البلد؟
راقبوا عدّاداتكم…
دعا مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والخبير في مجال مكافحة الفساد غسان بيضون، الناس الى “مراقبة عدّاداتهم، والفواتير الصادرة عن مؤسّسة كهرباء لبنان، ومقارنة رقم العدّاد مع الرقم الذي يظهر على الفاتورة، والفارق بينهما إذا كان موجوداً، وتحديد متوسّط ما ينفقونه من كهرباء. ففي تلك الحالة تُصبح الحسابات أوضح، مع تحديد الجباية إذا كانت طبيعية أو لا”.
ورأى في حديث لـ”أخبار اليوم” أنه “من الأفضل لكل مواطن أن يسجّل رقم عدّاده الخاص في كل آخر شهر أيضاً، وهو ما سيسمح له بتحديد الأمور بدقّة أكبر قبل أن يراجع بأي أخطاء مُحتملة. وعند المراجعة، يُفتَرَض أن يدقّقوا، وأن يُعيدوا الفارق من المال في حال وجود خطأ. وأما إذا لم يُعيدوا نسبة من المال، فيُمكن للمواطن أن يلجأ الى إنذار رسمي مكتوب، إذا كان يمتلك دليلاً قاطعاً بين يدَيْه على حدوث الخطأ، وعلى عدم استعادة حقّه”.
تصحيح؟
أوضح بيضون أن “هذا النوع من الأمور يختلف بحسب المناطق، وجدية الجباة، والآلية التي يعتمدونها عندما يسجّلون العدّادات على ورق، وفي أوان تسجيل الأرقام على الكومبيوتر داخل مؤسّسة كهرباء لبنان. وبالتالي، يتوجب ممارسة الرقابة في أكثر من مكان. فالخطأ قد يكون على مستوى أن الجابي كتب رقم العدّاد على ورق بشكل غير صحيح، أو عند إدخاله (رقم العدّاد) الى الكومبيوتر في المؤسّسة”.
وأضاف: “في أوان المراجعة، يتوجّب أن ينظروا أولاً الى الورقة والجدول الذي لديهم، للاطلاع على دقّة رقم العدّاد، وما هو مكتوب على الفاتورة، ومتوسّط الاستهلاك الفعلي، وذلك من أجل التأكُّد ممّا إذا كان يوجد ما يستدعي التصحيح. فعلى سبيل المثال، لنفترض أن مستوى استهلاك منزل معيّن هو 90 أو 120 كيلووات مثلاً، بموازاة متوسّط مكتوب لديهم بـ 300 كيلووات مثلاً، فهذا يعني أنه يوجد ما يتوجّب مراجعته وتصحيحه”.
لا رقابة
رداً على سؤال حول ما إذا كان يتوجّب على الإنسان في لبنان أن يكون مواطناً، وموظّفاً في مؤسّسة الكهرباء، وجابياً للفواتير، في وقت واحد، أجاب بيضون:”مع الأسف، نعم طبعاً. فالدولة غير مسؤولة، وهذا هو الموجود”.
وختم: “يتوجب على المواطن أن يكون لجوجاً، مع التحلّي بالصّبر والوقت ليتمكّن من القيام بكل تلك المهام، وأن يحسب الفارق بين كلفة المراجعة على مستوى المواصلات، واحتمال التنقُّل لأكثر من مرّة لمراجعة أخطاء في فاتورة واحدة مثلاً. فنحن نعيش بحالة من الفوضى وانعدام الرقابة”.