انتخابات الرئاسة… هل رفع التمديد لقائد الجيش “أسهمه” أم خفضها
منذ الجلسة النيابية التشريعية، التي أفضت إلى التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، بتوافقٍ عريض، كان “التيار الوطني الحر” وحده المستثنى منه، عاد الحديث بقوة عن الاستحقاق الرئاسي المؤجَّل منذ نحو عام وشهرين، والمجمَّد منذ ما قبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في ظلّ حديث متصاعد عن حراك داخليّ وخارجيّ سيتكثّف مطلع العام المقبل، من أجل التوصّل إلى تفاهم وطنيّ يتيح إنجازه في أقرب وقتٍ ممكن.
وقد تكون الجلسة التشريعية، مع كلّ ما أحاط بها من انقسام، كما ما أفرزته من نتيجة، لعبت دورًا أساسيًا في “إنعاش” الاستحقاق الرئاسي، حيث كثر الحديث عن إمكانية “استنساخ” التوافق الذي تمّ على التمديد لقائد الجيش على مستوى الاستحقاق الرئاسي، علمًا أنّ بعض المواقف التي أطلِقت بعد الجلسة عزّزت هذا الاعتقاد، في ضوء الانفتاح الذي أبدته قوى المعارضة على “التوافق” في سبيل انتخاب رئيس للجمهورية.
أبعد من ذلك، ذهب بعض المتابعين للكواليس السياسية لحدّ الحديث عن أنّ جلسة التمديد لقائد الجيش شكّلت “استفتاءً رئاسيًا” لصالحه، في ضوء نسبة الأصوات “المعبّرة” التي حصدها، والتي قد تكون كافية له من أجل الحصول على لقب “الفخامة”، في حال تمّ الاتفاق على تجاوز “تعقيدات” التعديل الدستوري الذي يتطلبه انتخابه من حيث المبدأ، على طريقة ما حصل عند انتخاب الرئيس السابق ميشال سليمان.
إلا أنّ هذه “الفرضية” لا تبدو واقعيّة، أقلّه حتى الآن، باعتبار أنّ من صوّتوا لصالح التمديد لقائد الجيش، ليسوا جميعًا من دعاة انتخابه رئيسًا للجمهورية، وبينهم مؤيدون لمنافسه الأول على الرئاسة، رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، الذي رُصِد للمفارقة اجتماع “ودّي” بينه وبين “القائد”، ما يدفع إلى التساؤل عمّا إذا كانت جلسة التمديد لعون قد رفعت “أسهمه” الرئاسية فعلاً، أم أنها على العكس من ذلك، “خفضتها” إلى الحدّ الأدنى.
صحيح أنّ من بين الأسباب الموجبة لرفض رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل التمديد لقائد الجيش، وفقًا لبعض الأصوات، رغبته في “إزاحته” من المشهد السياسي، وبالتالي سحب اسمه من “البازار الرئاسي”، إلا أنّ المطّلعين على الأجواء السياسية ينفون وجود أيّ “صلة” بين الاستحقاقين، ما يعني أنّ “أسهم” عون لا يفترض أن تتأثر بالتمديد له، كما أنّها لا ينبغي أن تتأثّر بنتائج الطعن الذي يفترض أن يقدّمه “التيار” بقانونية التمديد.
في هذا السياق، يؤكد العارفون أنّ اسم قائد الجيش مطروح منذ ما قبل التمديد، وقد يبقى مطروحًا ما بعده، إلا أنّ حظوظه الفعلية تبقى “مرهونة” بالاتصالات الجارية على خطّ الملف الرئاسي، والتي يفترض أن تتكثّف في الأسابيع القليلة المقبلة، علمًا أنّ هناك من يعتقد أنّ فرصه انخفضت نسبيًا في المرحلة الأخيرة، بنتيجة الحديث عن “خيار ثالث”، يفترض التخلّي عن رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، ولكن أيضًا عنه بوصفه “المرشح الفعلي” للمعارضة.
ويكرّس هذا الاعتقاد أنّ القوى الإقليمية التي سبق أن “تبنّت” اسم عون كمرشح “توافقي” للرئاسة، تراجعت بصورة أو بأخرى عن هذا الطرح، بنتيجة “الفيتو” الذي رفعه “التيار الوطني الحر”، ومن خلفه “حزب الله”، وخير دليل على ذلك، ما تسرّب عن أسماء أخرى طرحتها هذه الجهات على المعنيّين بالاستحقاق الرئاسي في الداخل، ولو من باب “جسّ النبض”، تمهيدًا لاستكمال المشاورات في هذا الشأن، مطلع العام المقبل.
إلا أنّ التطور “النوعي” الذي طرأ في الأيام الأخيرة، وتمثّل باللقاء الذي جمع بين فرنجية وعون، من شأنه أن “يخلط الأوراق” من جديد، خصوصًا أنّ الأجواء “الودّية” التي طبعته، فسّرها كثيرون على أنّها قد تمهّد لـ”تسوية ما” تفضي إلى انسحاب أحدهما لصالح الآخر، علمًا أنّ ما نُقِل عن فرنجية قد لا يكون بعيدًا عن هذا الجو، لجهة تأكيده مضيّه في ترشحه، ولكن عدم نيّته على “عرقلة” أي توافق، كما فعل الرئيس السابق ميشال عون.
وبانتظار نضوج هذه المعطيات، واتضاح معالمها، يقول العارفون إنّ ما حقّقته جلسة التمديد قد يكون أنّها “تركت” اسم العماد جوزيف عون في “البازار”، من دون أن ترفع أسهمه أو تخفضها بالضرورة، لكن الأكيد أنّها لم تشكّل “استفتاءً رئاسيًا” لصالحه، لأنّ ظروف مثل هذا الاستفتاء لم تتوافر، ولا سيما أنّ الكثير من القوى التي صوّتت للتمديد له، فعلت ذلك تحت عنوان “منع الفراغ في قيادة الجيش”، بمعزل عن الموقف من شخص عون بالتحديد.
مع ذلك، ثمّة من يعتقد أنّ جلسة التمديد “فعلت فعلها” على مستوى عودة الحديث عن الانتخابات الرئاسية بقوة، إذ ثمّة من يعتقد أنّ “التوافق” الذي تمّ على التمديد لعون، يمكن أن يترجم “توافقًا مماثلاً” لإنهاء الفراغ في قصر بعبدا، وهو ما بدأت بعض القوى في المعارضة بالتمهيد له، من خلال الحديث عن انفتاحها على “التوافق مع الفريق الآخر”، مع ما يتطلّبه ذلك من “تخلّي” هذا الفريق عن مرشحه، أي رئيس تيار “المردة”.
ثمّة من يقرأ كلّ هذه المعطيات على أنها “تمهّد” عمليًا للدفع بترشيح قائد الجيش إلى الأمام، ولا سيما أنّ “التوافق” الذي يريد البعض “استنساخه” هو الذي يجمع “الأضداد” باستثناء “التيار الوطني الحر”، الذي يعرف القاصي والداني أنّه من يرفض انتخاب عون رئيسًا، ولو أنّ هناك من يسأل عمّا إذا كان موقف “حزب الله” سيتّسم بالليونة نفسها في هذه الحالة، أم أنّ “تضامنه” مع باسيل سيمنع الذهاب إلى مثل هذا “السيناريو”.
لعلّ الثابت أن كل الاحتمالات والخيارات تبقى واردة، لكنّ التحدّي الحقيقي يبقى في وجود إرادة حقيقية بإنجاز الاستحقاق الرئاسي في وقت قريب، ولا سيما أنّ هناك من لا يزال يعتقد أنّ هذا الاستحقاق سيبقى “منسيًا” إلى حين انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، وما قد يتبعها لبنانيًا، من أجل “توظيف” النتائج على خط الاستحقاق الرئاسي، وهو احتمال قد يتغلّب في المضمون على الرهان على حراك إقليميّ أو دوليّ، لن يستطيع فرض رئيس على اللبنانيين!.