ترحيل الملفات الصعبة يُثقل العام الجديد
تبدو السنة الجديدة وقبل أن تولد، مظلومة بحمل ثقيل وإرث صعب على المستوى الاقتصادي والمالي وما بينهما من معيشي..
نادت الحكومة بالإصلاحات التي يطالب بها المجتمع الدولي ومعه صندوق النقد الدولي لفتح حنفية المساعدات، ومعها أشبَعَنا المجلس النيابي مطالعات حول مشاريع القوانين الإصلاحية التي تخضع للنقاش، ولا تنتهي بقوانين كاملة المواصفات تلزم الجميع بتطبيقها.
لماذا؟ لأن هذه الإصلاحات إن أُقرّت، قد تدين الكثيرين من الجالسين على الكراسي الرسمية منذ عقود.
كل هذه المماطلة على المستويين الحكومي والنيابي، لا شيء يشير إلى أنها ستتحوّل إلى إنجازات وثورة إصلاحية في العام الجديد، لا سيما أن المعنيين يتلطّون وراء الشغور الرئاسي للتنصّل من مهامهم.
ما هي التحديات الاقتصادية العام المقبل؟ إنها كثيرة وتكاد لا تُحصى، بحسب خبير اقتصادي، تحدّث إلى “ليبانون فايلز” مشدداً على ضرورة التخلّي عن المراوحة السياسية التي طبعت العام 2023 لأن المشكلة الأساس في لبنان ليست نقدية ولا مالية بل سياسية بامتياز، عرفت معالجات موضعية لعدد من الملفات المالية والنقدية والاقتصادية جاءت قاصرة لأسباب عدة منها:
-سياسية، منعت الذهاب بعيداً في هذه المعالجات.
-المكلفون بها، إما أنهم يفتقدون إلى الخبرة والدراية وإما أنهم ينفّذون أجندات سياسية، لذا غابت الخروقات من توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي وإقرار قانون الكابيتال كونترول، وخطة التعافي الاقتصادي المالي التي أقرّتها الحكومة في ربع الساعة الأخير قبل استقالتها، وإقرار قانون السرية المصرفية مع تعديلاته، وموازنتي 2023 و 2024، وخطة الطوارئ الوطنية، وصولاً إلى إعادة هيكلة المصارف التي تضرب المصارف والمودعين معاً.
كل هذه المحاولات فشلت حتى الساعة يقول الخبير المالي، فمن الناحية النقدية، وما نشهده من استقرار مالي يأتي بغطاء سياسي، لأن بعض السياسيين يطبِقون على القرار الوطني، فتمّ تثبيت سعر الصرف عبر إسكات المضاربين، ما يجعله استقراراً هشّاً لا يعكس حقيقة الوضع المالي اللبناني ولا مؤشرات البلد الذي يستمر بالانهيار، معتبراً أن توحيد سعر الصرف يكون نتيجة لموازنة مُقَرَّة من جانب الحكومة بالتوازي مع قدرة مصرف لبنان على التدخّل دفاعاً عن السعر المحدد على أن يعكس حقيقة الاقتصاد اللبناني، وهو أمر مستحيل في ظلّ حدود غير مضبوطة، وغياب موازنة فعلية وميزان المدفوعات، متوقّفاً عند جمع “المركزي” مبلغ خمسمئة مليون دولار، يستعد لدفع مبلغ مماثل شهرياً لتغطية الزيادة على الرواتب التي أقرّتها الحكومة، ويختم الخبير كلامه لموقعنا بالقول إن العام المقبل سيكون امتداداً للعام الحالي تغيب فيه الحلول الجذرية بانتظار أن تقرر الطبقة السياسية السير بها، أما سعر الصرف فيبقى مبهماً.
ويذهب خبير مالي ثانٍ إلى تعداد التحديات الكثيرة وهي: الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، والقوانين المطروحة ولم تُقر بعد، وعلى رأس اللائحة الموازنات وهي في نظر صندوق النقد قوانين إصلاحية. ويضيف أن التحدي الكبير في موازنة العام 2023 العجز البالغ 43 تريليون ليرة وكيفية تغطيته، وفي موازنة 2024 هناك صراع كبير بين المجلس النيابي والحكومة التي تأمل بعدم إقرارها كي تصدرها بمرسوم إشتراعي وهي مثقلة بالضرائب التي ألغت لجنة المال والموازنة جزءاً كبيراً منها بالإضافة إلى عجز يترواح بين 40 و50 تريليون ليرة إذاً التحدي المالي كبير جداً بحثاً عن تأمين التمويل.
وهنا نستذكر وقف الدولة سداد ديونها ما يعني عجزها عن الاستدانة من الخارج والداخل، بالإضافة إلى أن حاكم البنك المركزي بالإنائبة وسيم منصوري قد أعلن منذ اللحظة الأولى لتوليه مهامه أنه سيوقف تمويل الدولة، فمن أين ستأتي الحكومة بتمويل العجزين الآنفي الذكر.
ثم تأتي قوانين إعادة هيكلة المصارف، الكابيتال كونترول، السرية المصرفية واعتراف الدولة بدينها وكيفية إعادة أموال المودعين، كلها أمور عالقة، وتشكل تحديات لأن أي عملية انطلاق للاقتصاد اللبناني يجب أن تسلك هذا المسار، هذا بالإضافة إلى كيفية عزل الاقتصاد عن السياسة فإذا انخرط لبنان بالحرب على غزة تختلف التحديات، وعلى رأسها كيفية تأمين المواد الغذائية وقد سمعنا تحذيرات فرنسية شديدة اللهجة.
ويضيف أن القوانين الإصلاحية إن لم تُقر، سترتدّ سلباً علينا لأن القطاع المصرفي قطاع أساسي وجوهري وهو المدخل الوحيد للنمو الاقتصادي المستدام ولأنه قادر على استيعاب الاقتصاد الكاش لتتمكن الدولة من تحصيل الضرائب.
وعن منصة بلومبيرغ يقول الخبير إن تحرير الليرة عبر المنصة يطرح سؤالاً: كيف سيتم تحرير الليرة وهم عاجزون عن تغطية النفقات؟ ويرى أن الدولة ستواصل العمل عبر المنصة لتقول إنها تسيطر على سعر صرف الدولار.
وعلى هذه الخلاصات من أهل الاختصاص يبقى السؤال: ما الذي ينتظرنا مع مطلع العام الجديد؟
جاكلين بولس – ليبانون فايلز