موازنة 2024 من عاجزة إلى فائضة… كيف ولماذا
أنهت وزارة المالية العمليات الحسابية لموازنة 2024 بعد التعديلات التي أجرتها لجنة المال والموازنة عليها والتي لم يتمّ عرضها في اجتماع اللجنة الأخير الذي عقد منذ ثلاثة ايام، بل سيتمّ عرضها أمام الهيئة العامة لمجلس النواب المرتقب ان تعقد جلساتها بعد دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لعقدها، أيام الثلثاء والأربعاء والخميس.
وعلمت «نداء الوطن» من مصادر مطلعة أنه «بعد التدقيق الذي اجرته لجنة المال في الايرادات، هناك احتمال أن يصدر قانون موازنة 2024 من دون عجز بل بوفر (فائض) بقيمة 26 ألف مليار ليرة، علماً أن لجنة المال طالبت بالتدقيق في السلفات والقروض والهبات ليبنى على الشيء مقتضاه.
الى ذلك تبيّن لوزارة المال بعد التدقيق في الإيرادات الجمركية والضريبة على القيمة المضافة TVA وضريبة الدخل، أن الأرقام الواردة في مشروع قانون الموازنة المحال من الحكومة غير دقيقة. وتبين أن هناك فائضاً اضافياً ممكناً في الإيرادات بقيمة 43 ألف مليار ليرة. اذ كانت الإيرادات بقيمة 277 ألف مليار ليرة في مشروع قانون الموازنة وباتت بعد التعديلات على بنود الموازنة 320 ألف مليار ليرة لبنانية. وبذلك هناك احتمال ألا يكون هناك عجز في الموازنة بين النفقات والواردات إستناداً الى الحسابات التي أجرتها وزارة المالية اذا تمّ في الهيئة العامة لمجلس النواب الأخذ بأرقام الواردات الجديدة التي أحالتها وزارة المالية.
في هذا السياق، أكّد رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان لـ»نداء الوطن»، أن «الموازنة بصيغتها الحكومية كناية عن اعتمادات عشوائية بلا رؤية اقتصادية، ومن دون الأخذ في الاعتبار تداعيات الانهيار المالي وانعكاساته الاجتماعية على مختلف شرائح المجتمع اللبناني بمؤسساته وافراده وعماله». من هنا، يشير الى أن «السعي لمنع وقوع الكارثة، المتمثلة بصدور الموازنة وفق الصيغة الحكومية، هو واجب نيابي ووطني، لا سيما أن المشروع المحال من الحكومة يضرب الاقتصاد الشرعي ويساهم بتوسيع رقعة غير الشرعي لذلك كانت التعديلات لرفع الضرر».
وتفادياً لصدور الموازنة بمرسوم كما وردت من الحكومة وذلك استناداً الى المادة 86 من الدستور، يجدر عند التئام الهيئة العامة لمجلس النواب ليس فقط تأمين النصاب وهو 65 نائباً بل أن يكون هناك زخم في الحضور من قبل الكتل النيابية التي واكبت إجتماعات لجنة المال والموازنة والتعديلات التي حصلت خلالها على مشروع قانون الموازنة.
وأوضحت النائب غادة ايوب لـ»نداء الوطن» انه «تمّ في لجنة المال والموازنة توحيد معايير احتساب الشطور الضريبية بمضاعفتها 60 مرة والرسوم والغرامات 46 مرّة ووضع سقف للرسوم البلدية والتمييز بين سكني وغير سكني».
وكانت راهنت الحكومة إستناداً الى مصدر في لجنة المال والموازنة على أن «مجلس النواب لن يناقش مشروع موازنة 2024، لذلك أثقلته بالضرائب المستحدثة وزيادة الرسوم والغرامات، وأبقته من دون رؤية اقتصادية ولا اجتماعية، في ضوء رواسب الانهيار المستمر منذ العام 2019. فأحالت الحكومة المشروع في الموعد الدستوري، لا لسبب سوى إتاحة الفرصة لنفسها، في ضوء عدم انعقاد المجلس في ظل الفراغ الرئاسي، بإصدار الموازنة بمرسوم حكومي.
أضاف مصدر اللجنة: «لكن المفاجأة تمثّلت بوضع لجنة المال والموازنة يدها على «الهدية المسمومة» من الحكومة، فضلاً عن عقدها عشرات الجلسات، منذ 9 تشرين الأول 2023، وتدقيقها بما بين يديها. لتجد اللجنة نفسها أمام اعتمادات عشوائية، غير قابلة للتطبيق، واجراءات ضرائبية تعزز الاقتصاد البديل غير الشرعي، وتنعكس سلباً على القطاعين العام والخاص».
وأوضح ان الجلسات الأسبوعية، تحوّلت الى جلستين صباحية ومسائية في أكثر من مرة، وتمكّنت لجنة المال من إدخال تعديلات جوهرية على المشروع الحكومي، لتحوّله الى صيغة أفضل نسبياً، ينتظر تبنيها من قبل الهيئة العامة في الأيام المقبلة، رافضة بشكل أساسي استحداث ضرائب ورسوم جديدة في الوضع الاقتصادي والنقدي المنهار واحتجاز أموال الناس في المصارف. فعجز الموازنة الذي حددته الحكومة بقيمة 17 ألف مليار ليرة، وهمي ودفتري، وسلفات الخزينة التي سمحت الحكومة لنفسها بأخذها، باتت بحد ذاتها موازنة ثانية تحت الطاولة».
بالأرقام أشار المصدر النيابي الى أن «احتياطي الموازنة، أي المبالغ المخصصة لتغطية النفقات المتوقعة من دون انقطاع وكذلك لتلبية النفقات غير المتوقعة، وصل إلى مستوى خيالي في مشروع الموازنة المحال من الحكومة (78000 مليار ليرة لبنانية أو 871 مليون دولار، أي نسبة 35% من النفقات). وخصصت لجنة المال والموازنة جزءاً كبيراً من أموال الاحتياط لنفقات محددة، بما في ذلك تمويل تسوية رواتب القطاع العام، التي تعادل 7 أضعاف قيمتها وفق سعر الصرف السابق. ناهيك عن 20 ألف مليار ليرة لبنانية (223.5 مليون دولار وفق سعر السوق الحالي)، والتي يمكن استخدامها لتمويل «مكافآت الإنتاجية»، من بين تعديلات أخرى».
في ما يتعلق بسلف الخزينة، رفضت لجنة المال والموازنة، استناداً دائماً الى المصدر عينه، «تمويل سداد عشرات آلاف المليارات المقابلة لسلف الخزينة الممنوحة في العام 2023، وكذلك عامي 2022 و2021. وسجّلت الحكومة ما مجموعه 3500 مليار ليرة لبنانية (ما يعادل 40 مليون دولار) في سلف ليتم سدادها. واكتشفت اللجنة بعد التدقيق ما يقارب الـ10 أضعاف إضافية، جرى توزيعها على العديد من الإدارات والمؤسسات. ووصل المبلغ الذي اعترفت به السلطة التنفيذية الى حدود 80 ألف مليار ليرة، ما يوازي 900 مليون دولار. وهذه النفقات لا تتضمن خدمة الدين، نظراً لأن البلاد في حال تخلّف عن سداد الدين ولم تقم حتى الآن بإعادة هيكلة ديونها».
بينما مطار بيروت يغرق بالسيول والفيضانات، وجدت اللجنة كما أوضح المصدر أن «الحكومة حددت لصيانة المطار 3 مليارات ليرة فقط، بينما وزارة الأشغال تطالب بـ 250 مليار ليرة. وبينما مرضى السرطان يرفعون الصوت لفقدان الدواء، وجدت اللجنة أن الحكومة لم ترصد ضمن اعتمادات وزارة الصحة أي مبلغ لتأمين دواء السرطان. بينما الحاجة تصل الى 12 ألف مليار ليرة. فعلّقت بند الدواء وطلبت آلية واضحة بين وزارتي الصحة والمال ومصرف لبنان، تؤمّن الخدمة للمرضى من دون انقطاع».
الإصلاحات التي أقرّتها اللجنة
إضافة الى ذلك، تمكنّت لجنة المال والموازنة كما أكدت مصادرها من إقرار إصلاحات يمكن اختصار أبرزها بالتالي:
1 – رفض تشريع فوضى الانفاق من خارج اعتمادات الموازنة او الاعتمادات الاستثنائية.
2 – رفض امكان الدين من دون سقف ومن دون العودة الى مجلس النواب.
3 – رفض الصلاحيات الاستنسابية للقروض المدعومة من مصرف لبنان (من أموال المودعين والتي منحت للمحظيين والنافذين).
4 – إلغاء سلسلة اجراءات تهرّب الاستثمارات وتضغط على المواطن وتطال رواتبه وأجوره.
5 – إلغاء أو تعديل العديد من الضرائب والرسوم التي سعت الحكومة الى فرضها في مشروع الموازنة. وألغت على سبيل المثال الضرائب التي فرضت على دخل اللبنانيين غير المقيمين في لبنان ولكن لديهم أنشطة في البلاد.
6 – إلغاء التدابير القسرية، على غرار إحالة المكلّفين الذين لم يعلنوا عن دخلهم للسلطات الضريبية الى المدعي العام المالي أو حجز أصولهم.
7 – وضع حد أقصى للرسوم التي كانت محتسبة على سعر صرف 1507,5. يتم الآن ضربها بعامل 46 مرة للرسوم و60 مرة لضريبة الدخل (أما الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية فيتم تحصيلها منذ أشهر وفق سعر السوق). علماً أن سعر الصرف الثابت منذ أشهر والبالغ 89500 ليرة، يعادل 60 مرة سعر الصرف القديم، الذي استبدل بسعر 15 ألف ليرة بحسب ما أقره مصرف لبنان في الأول من شباط 2023.
في المحصلة، تؤكد لجنة المال إستناداً الى الكتل المواكبة للإجتماعات انها تمكنت من اخراج مشروع الموازنة أفضل مما تسلّمته، تاركة الكرة في ملعب مجلس النواب بكتله ونوابه، للسير بهذه التعديلات، معتبرين أن تأمين انتظام المالية العامة وفق الدستور والقوانين المرعية الاجراء، وتأمين الايرادات للدولة، من دون أن يكون ذلك من جيوب المواطنين.
باتريسيا جلاد – نداء الوطن