اخبار دولية

أكبر مقبرة للصحافيّين

تحول قطاع غزة الفلسطيني إلى «أكبر مقبرة للصحافيين»، وفق منظمات دولية وثقت وقائع قتل الصحافيين والإعلاميين في القطاع منذ بدء العدوان الإسرائيلي في 7 تشرين الأول الماضي.

المحكمة الجنائية الدولية أفادت، خلال الأسبوع الماضي، بأنها تحقق في جرائم محتملة بحق صحافيين في الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» في غزة. وكانت منظمة «مراسلون بلا حدود» قد أعلنت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أنها تقدّمت بشكوى لدى المحكمة الجنائية الدولية ومقرها في لاهاي. تطرقت فيها إلى «جرائم حرب على خلفية مقتل صحافيين إبان تغطيتهم الإعلامية للنزاع»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ما يُذكر أن منظمة «مراسلون بلا حدود»، ذكرت، الشهر الماضي، أن «قطاع غزة هو مقبرة الصحافيين، حيث تتعمد قوات الاحتلال الإسرائيلي خنق عملهم وقتلهم، وممارسة مختلف الطرق لإعاقتهم في الميدان، وتقطع الإنترنت عنهم، وترسل رسائل التهديدات لهم، وتمنع الصحافيين الأجانب من الدخول إلى القطاع». وبالفعل رصد «الاتحاد الدولي للصحافيين» (IFJ) في تقريره الصادر يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي «مقتل 120 صحافياً وعاملاً في مجال الإعلام، من بينهم 11 امرأة في عام 2023، على مستوى العالم». وفي منطقة الشرق الأوسط وحدها، رصد «الاتحاد» مقتل 75 فلسطينياً، و4 إسرائيليين، و3 لبنانيين نتيجة الحرب في غزة، كما قُتل 3 إعلاميين في سوريا. وفي تقرير آخر لـ«الاتحاد» بتاريخ 24 يناير (كانون الثاني) الجاري، رفع العدد إلى 90 صحافياً فلسطينياً. وفي حين وثّقت «لجنة حماية الصحافيين»، ومقرها نيويورك، مقتل 83 صحافياً وإعلامياً على الأقل، بينهم 76 فلسطينياً، و4 إسرائيليين، و3 لبنانيين، أوضحت اللجنة أيضاً أن 16 صحافياً أصيبوا بجروح، وجرى الإبلاغ عن اختفاء 3 صحافيين واعتقال 25 صحافياً.

من جهة ثانية، ترتفع الأرقام قليلاً في تقديرات «نقابة الصحافيين الفلسطينيين» التي تشير إلى مقتل 11 صحافياً جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كما أكد أمين سر النقابة عاهد فروانة، أن الاحتلال الإسرائيلي «ارتكب فضائع وجرائم بحق الصحافيين، الذين أصبحوا هدفاً لنيرانه». أيضاً، تشير إحصائيات فلسطينية إلى أن 220 صحافياً يعملون في مناطق قطاع غزة استهدفتهم طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، وهجّرت عائلاتهم، ضمن الحرب المستمرة التي تشنها القوات الإسرائيلي المحتلة. وتابع فروانة أن «النقابة رفعت عدة دعاوى قضائية لملاحقة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه بحق الصحافيين»، لافتاً إلى أنه «قتل نحو 8 في المائة من إجمالي عدد العاملين في قطاع الإعلام في قطاع غزة».

في هذا السياق، وخلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الصحافي والمدرب الأردني، خالد القضاة، نائب رئيس شعبة الاتصال في جامعة الدول العربية لشؤون الحريات الصحافية والسلامة المهنية، إن «إسرائيل تمارس عملاً مُمنهجاً في استهداف الصحافيين، لا سيما أولئك الذين يعلنون دعمهم لغزة، أو يعملون في وسائل إعلام أعلنت دعمها لفلسطين، وكذلك يستهدف الصحافيين الذين يذهبون إلى أماكن لا تريد تل أبيب أن يذهبوا إليها… أو يغطي قصصاً إنسانية تثير تعاطف الرأي العام الدولي مع القضية الفلسطينية».

وأضاف القضاة أن «وسائل الإعلام الغربية التي انحازت في البداية لإسرائيل، وجدتها نفسها مضّطرة مع تصاعد الهجمة الشرسة على غزة، وكثرة الضحايا من المدنيين إلى تعديل لهجتها لتغدو أكثر اتزاناً… ثم إن استهداف الصحافيين في غزة جعل وسائل الإعلام ملزمة بالدفاع عن المهنة وحق الصحافيين في تغطية الأحداث».

ومن جانب ثانٍ، لفت القضاة إلى «دور المنظمات الدولية في توثيق الجرائم الإسرائيلية ضد الصحافيين، بهدف تقديمها للمحكمة الجنائية الدولية»، فقال: «هناك تفاوت في أعداد القتلى بنسبة تصل إلى 20 في المائة، وذلك نتيجة اختلاف معايير الحصر؛ إذ عمدت نقابة الصحافيين الفلسطينيين إلى تسجيل كل حادثة قتل تتعلق بالعاملين في إدارات الإعلام الحكومية، سواءً كان قتلاً في العمل أو في المنزل، في حين اعتمد الاتحاد الدولي للصحافيين أسلوباً آخر… فسجّل فقط مَن قتل في أثناء تأدية عمل صحافي أو بسبب عمل إعلامي». ويرى القضاة أن «هذا التباين في الأرقام ربما يضعف الملاحقة القضائية لإسرائيل». لكنه، في الوقت نفسه، يرى أن «تقديرات الاتحاد الدولي للصحافيين ربما تكون الأدق كونها ربطت الحصر بالقتل بسبب المهنة»، مشيراً إلى أن «شعبة الاتصال في جامعة الدول العربية استحدثت مساراً جديداً يُعنى بالسلامة المهنية للأطقم الصحافية العربية المتصل عملها بتغطية الأحداث الميدانية من نزاعات وحروب وكوارث طبيعية». وأردف: «المسار قدم في البداية استناداً لاغتيال شيرين أبو عاقلة والتغطية الصحافية المرتبطة بالزلازل التي وقعت في سوريا ومحيط مراكش في المغرب وفيضانات درنة بليبيا، إلا أنه لم يرق لحجم هول الاستهداف الهمجي الممنهج الذي مارسته إسرائيل بحق الصحافيين في قطاع غزة». وهذا ما استلزم – على حد تعبير القضاة – «إعادة صياغة الخُطة لحماية الصحافيين العرب بما يتناسب مع حجم هذه الغطرسة والاستهداف الممنهج».

حقاً، شهدت الفترة الأخيرة مقتل اثنين من صحافيي قناة «الجزيرة» القطرية، هما مصطفى ثريا، الذي يعمل أيضاً مصوّر فيديو متعاوناً مع «وكالة الصحافة الفرنسية»، وحمزة نجل مراسل «الجزيرة» وائل الدحدوح، بينما كانا في طريقهما لتأدية عملهما في القطاع. وغداة مقتل الصحافيين، ثريا والدحدوح، أعربت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان»، عن «قلقها الكبير إزاء الحصيلة المرتفعة للصحافيين الذين قتلوا في قطاع غزة». وشدّدت «المفوضية» في رسالة على منصة «إكس»، على أن حالات قتل الصحافيين «يجب أن تخضع لتحقيق شامل ومستقل لضمان الاحترام الصارم للقانون الدولي، ويجب أن تخضع الانتهاكات للملاحقة القضائية». كذلك أدان «اتحاد إذاعات الدول العربية» من مقره في تونس، بقوة، مقتل ثريا والدحدوح، وانتقد «منع الصحافيين الدوليين من دخول قطاع غزة المحاصر والاستهداف المتعمد للطواقم الإعلامية العاملة هناك… الذي يرمي العدو من خلاله إلى طمس الحقيقة وصرف أنظار العالم عما يحدث».

«لجنة حماية الصحافيين» تقول من جهتها إن «الحرب في غزة ألحقت خسائر فادحة بالصحافيين». وللعلم، تقوم «اللجنة» بالتحقيق في جميع التقارير المتعلقة بمقتل الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام أو إصابتهم أو فقدهم خلال الحرب، التي أدت إلى الحقبة «الأكثر دموية» للصحافيين منذ أن بدأت «اللجنة» بجمع البيانات في عام 1992.

هذا، وشدّد شريف منصور، منسق برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «لجنة حماية الصحافيين»، في تقرير على موقع المنظمة، على أن «الصحافيين هم مدنيون يقومون بعمل مهم في أوقات الأزمات، ويجب ألا يتم استهدافهم من قبل الأطراف المتحاربة».

أما وكيل نقابة الصحافيين المصرية، محمد سعد عبد الحفيظ، فيرى أن «إسرائيل منذ اليوم الأول للعدوان على غزة، عمدت إلى استهداف الصحافيين الذين كانوا يوثقون جرائمها ضد المدنيين، لا سيما أن ذلك أثر على سمعة تل أبيب لدى الرأي العام العالمي، حيث كانت تروّج لنفسها باعتبارها الضحية وواحة الديمقراطية». وأضاف عبد الحفيظ لـ«الشرق الأوسط» أن «كل الجرائم الإسرائيلية في غزة باتت متاحة في بث مباشر على الهواء، وسقطت السردية الإسرائيلية التي اعتمدت المظلومية منذ الهولوكوست (المحرقة النازية) لتظهر أمام العالم (بوصفها) دولةً تمارس إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني»، وتابع: «أصبح الصحافي والإعلامي هدفاً لنيران إسرائيل؛ إذ استهدفت الصحافيين في منازلهم وسياراتهم ومنعت وصول المساعدات الطبية للمصابين منهم».

في الواقع، إن إسرائيل برّرت وتبرّر دائماً حالات قتل الصحافيين، ولقد زعم الجيش الإسرائيلي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، رداً على قتل حمزة الدحدوح ومصطفى الثريا، أنه «أصاب إرهابياً كان يقود جهازاً طائراً يشكل تهديداً للقوات». وأضاف أنه «على عِلم بمعلومات مفادها أن مشتبهاً بهما آخرَين كانا في المركبة نفسها أصيبا خلال الضربة».

غير أن عبد الحفيظ انتقد صراحةً مواقف المنظمات المعنية بحماية حقوق الصحافيين، ووصفها بأنها «مواقف باهتة وضعيفة ولا ترقى للحدث». ومن ثم قال إن «تلك المنظمات لم تتحرك إلا في وقت متأخر… ولا توجد حتى الآن ملاحقة قضائية حقيقية لإسرائيل أو بيانات شديدة اللهجة ضد قادتها»، بل إنه حتى تحقيق المحكمة الجنائية الدولية لم يُفتح سوى الفترة الأخيرة بعد ثلاثة أشهر من الحرب. ثم لفت إلى أن «نقابة الصحافيين المصرية أرسلت طوال الأسابيع الثلاثة الأولى من الحرب مناشدات عدة للمنظمات والمؤسسات الدولية للتحرك ووقف الانتهاكات بحق الصحافيين، ولكن من دون استجابة». واستطرد عبد الحفيظ قائلاً إن «منظمات حماية الصحافيين الدولية بمقدورها أن ترفع صوتها بشأن ما يتعرّض له العاملون في المهنة من استهداف في قطاع غزة، وأن تحرّك دعوات قضائية ضدهم سواء أمام المحاكم الدولية أو المحلية، وأن تجعل قادة إسرائيل يشعرون بالتهديد والملاحقة في أي دولة بسبب جرائمهم»، لكنه رجح ألا يحدث أي من هذا في ظل «نظام دولي يكيل بمكيالين»، على حد تعبيره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى