اخبار محلية

بين الإشاعات والوقائع.. هل اتُخِذ قرار ال*ح*ر*ب الواسعة ضدّ لبنان

صحيح أنّ الحديث عن سيناريوهات الحرب الواسعة أو الشاملة ضدّ لبنان بدأ عمليًا منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، أي في اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى، قبل أن يتصاعد تدريجيًا على وقع الحراك الدولي المكثّف إزاء لبنان، حيث حمل الكثير من الموفدين الدوليين معهم تحذيرات جدّية من إمكانية انزلاق الوضع في أيّ لحظة، إلا أنّ الأجواء التي سادت في الأيام القليلة الماضية أوحت بأنّ هذه الحرب باتت فعليًا “قاب قوسين أو أدنى”.


لم يأتِ هذا الانطباع من فراغ، فهو ترافق مع تسريبات كثيرة، خصوصًا في الصحافة الإسرائيلية، انطلقت من الحديث عن مناورات عسكرية يجريها الجيش الإسرائيلي، تحاكي حربًا متكاملة مع “حزب الله”، ووصلت إلى الحد عن تبديل ألوية بين جبهتي غزة والشمال، فضلاً عن تحشيدات عسكرية مكثّفة على الحدود مع لبنان، استعدادًا للحرب التي بدأ الكثير من الإسرائيليين يقولون إنّ “لا بدّ منها” في نهاية المطاف، عاجلاً أم آجلاً.

لكنّ الحديث عن الحرب لم يقتصر على التسريبات الصحافية حول الحشود العسكرية، بل امتدّ إلى المنصّات الافتراضية، حيث وجدت الإشاعات “ساحتها المثالية”، بدءًا من الحديث عن نداءات إسرائيلية “عاجلة” لإخلاء مناطق جنوبية واسعة من سكّانها، وصولاً إلى “التكهّن” بأنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيعلن “بدء الحرب” في كلمة متلفزة مجدولة له، فهل اتُخِذ قرار الحرب الواسعة ضدّ لبنان فعلاً؟ وهل أضحت هذه الحرب “حتميّة”؟!
 
إشاعات وتسريبات
 
قد تكون كمية الإشاعات التي تمّ تداولها في الأيام الأخيرة حول الحرب على غزة معبّرة، لدرجة إعلان القوى الأمنية توقيف عدد من الأشخاص فبركوا رسائل صوتيّة ونصّية ونشروها على نطاق واسع، من دون التثبّت من صحّتها، ما أحدث حالة من الهلع، علمًا أنّ هذه الإشاعات إن دلّت على شيء، فعلى جو من التوتر المتصاعد في المناطق الجنوبية من إمكانية توسّع الحرب، لتشمل مناطق من خارج دائرة الاشتباكات الحاليّة.
 
ولعلّ استباق كلمة نتنياهو قبل أيام، للقول إنّه سيطلق خلالها “صافرة انطلاق” الحرب مع لبنان، شكّل ذروة هذه الإشاعات، وقد حصل الأمر نفسه سابقًا مع خطاب للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله، ولو أنّ هذه الإشاعات تبدو مخالفة للمنطق، إذ من غير الواقعي الاعتقاد بأنّ حربًا يمكن أن تُعلَن من خلال خطاب سياسي، بل إنّ العكس هو الصحيح، والذي أثبتته التجارب التاريخية، حيث تأتي المؤتمرات والخطابات بعد نشوب الحرب وليس قبلها.
 

 
لكنّ هذه الإشاعات، وإن أحدثت بلبلة، لا تأتي من فراغ برأي كثيرين، إذ ثمّة الكثير من الأجواء الإعلامية والسياسية التي توحي بأنّ الحرب باتت فعلاً أقرب من أيّ وقت مضى، وهو ما تعزّزه تهديدات المسؤولين الإسرائيليين المتزايدة، فضلاً عن تسريبات الصحافة الإسرائيلية التي تكثّفت في الأيام الأخيرة، والتي تصبّ بمجملها في خانة أنّ الحرب مع لبنان قد تصبح “ضرورة”، خصوصًا في ظلّ الضغط الناجم عن تهجير سكان المستوطنات الشمالية المتواصل.
 
خطر “الحرب” قائم
 
لا يعني ما تقدّم أنّ الأمر لا يعدو كونه “إشاعات”، وأنّ خطر توسّع الحرب غير قائم على الأرض فعليًا، حتى لو كان “حزب الله” مثلاً يضع التهديدات الإسرائيلية، كما التسريبات الصحافية، في إطار “الحرب النفسية” مع العدو، والضغط الذي يمارسه الإسرائيلي منذ اليوم الأول، في محاولة ربما لـ”ابتزاز” الحزب، ودفعه للقبول ببعض الأمور، أو بالحدّ الأدنى بتهدئة الجبهة الجنوبية، وبالتالي فصلها عن الجبهة الأساسيّة في قطاع غزة.
 
مع ذلك، يقول العارفون إنّ كل الاحتمالات تبقى واردة على الساحة اللبنانية، في ظلّ العديد من وجهات النظر، بينها من يقول إنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي بات مستقبله السياسيّ على المحكّ بعد حرب غزة، وصل إلى مرحلة يشعر فيها أنّه لن يخسر شيئًا إذا ما فتحت الجبهة اللبنانية على مصراعيها، بل يبحث عن “أيّ إنجاز” يحقّقه، ولو كيفما كان، يعوّض من خلاله عن الإخفاق الذي مني به في قطاع غزة.

من أين أتى فيروس كورونا؟ نظريات مزيفة لا يجب أن تؤمن بها
BRAINBERRIES

 
لكنّ العارفين يعتبرون أنّ توسّع الحرب مع لبنان لا يزال يصطدم بسلسلة من العوائق، من بينها إدراك الإسرائيلي أن ما ينتظره في لبنان لن يكون بسيطًا، بل إنّ حرب غزة قد تصبح بمثابة “نزهة” إذا ما قورنت مع أيّ حرب ضدّ “حزب الله”، ولكن من بينها أيضًا، عدم وجود موافقة أميركية، ولو ضمنية، على مثل هذه الحرب، خصوصًا على أعتاب الانتخابات الأميركية، وشعور الإدارة الحالية أنّ التوتر في الشرق الأوسط لا يحقّق المصالح المنشودة.
 
تتفاوت التكهّنات والتقديرات إذًا، بين من يعتقد أنّ الحرب ضدّ لبنان “حتمية”، وإنّ الإسرائيلي ينتظر “استراحة” بالحدّ الأدنى في غزة، ليباشر عملية “انتقامية” في الداخل اللبناني، ومن يؤكد أنّ القرار بالذهاب لمثل هذه الحرب لم يُتّخَذ بعد، وأنّ كل التهويل الذي يمارسه الإسرائيلي هو على العكس لتفادي هذا السيناريو. وبين الاحتمالين، يبقى المطلوب التأهّب لبنانيًا لمواجهة كل الاحتمالات، بالحد الأدنى من التضامن الوطني، وهنا بيت القصيد!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى