ماذا يتوقّع اللاجئون في لبنان من تداعيات على مساعي “شطب” الأونروا
كان بديهياً أن يتوقع معنيون كثُر مزيداً من التأزّم والوضع المأساوي في مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بعد أن كشفت الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا إلى دول أوروبية أخرى مانحة أنها قررت قطع شرايين الدعم المالي عن أهم وكالة لغوث وتشغيل لهؤلاء اللاجئين أنشأتها المنظّمة الدولية في نهاية عقد الأربعينيات، وكالة “الأونروا”، لاعتبارين أساسيين هما:
– التخفيف من وطأة جريمة طرد الفلسطينيين من أرضهم وموطنهم.
– تقديم أنواع من الرعايات المتنوعة (إغاثية وطبّية وتعليمية…) لمئات آلاف اللاجئين في دول الشتات ومنهم لبنان الذي استقبل نحو مئتي ألف لاجئ في عام 1948 الذي يُعرف بـ”عام النكبة”، وغالبيتهم ممّا يُعرف الآن بالشمال الإسرائيلي أي منطقة الجليل الأعلى.
الذريعة التي اعتمدتها هذه الدول واستندت إليها لاتخاذ هذا الإجراء الصعب الذي تعي تماماً تداعياته البالغة السلبية تمثّلت في تورّط عدد من العاملين في هذه الوكالة بالهجوم المباغت الذي نفّذته مجموعات من حركة “حماس” على غلاف غزة الذي يشكّل خط دفاع حصيناً عن العمق الإسرائيلي صبيحة 7 أكتوبر، أي إنه جزء من عقاب جماعي يُتّخذ بحق ملايين اللاجئين المستفيدين من تقديمات هذه الوكالة بجريرة أن بعض العاملين في الوكالة قد شاركوا في تلك العملية التي قلبت الأوضاع والمعادلات رأساً على عقب وأشعلت فتيل توتر لم يخبُ حتى الآن رغم مضيّ ما يقارب أربعة أشهر عليه.
وحسب إحصاءات رسمية فإن عدد المستفيدين من تقديمات الأونروا في لبنان يقارب 300 ألف لاجئ هم عملياً كل المسجّلين في سجلّات مفوضية الأونروا في بيروت وفي سجلّات المديرية العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين في وزارة الداخلية.
وكلا السجلين (في الأونروا والداخلية) يشمل عملياً كل اللاجئين الفلسطينيين الذين دخلوا الأراضي اللبنانية عبر الحدود الجنوبية في عام النكبة (1948) ووُزّعوا لاحقاً وفق حسابات وإجراءات على عدد من مخيّمات الإيواء في كل الجغرافيا اللبنانية أي من الجنوب (مخيّمات الرشيدية والبص والبرج الشمالي صور) وعين الحلوة والمية ومية (صيدا) مروراً ببيروت صبرا وشاتيلا ومار الياس والداعوق والضاحية الجنوبية أي برج البراجنة، والمتن ضبية، والبقاع مخيّم الجليل بالقرب من بعلبك، وصولاً إلى الشمال حيث مخيّما نهر البارد والبداوي، إلى مخيّمات أخرى أزيلت لاحقاً فضلاً عن تجمّعات أخرى صغيرة الحجم ومستجدّة لاحقاً.
واللافت أن اللاجئ والوكالة (الأونروا) صارا صنوين وارتبط وجود أحدهما بالآخر على مدار الساعة، ففي كل مخيم أو تجمّع سكاني للاجئين مكتب للوكالة يراجعه اللاجئون على مدار الساعة لشؤون تتصل بالإغاثة والاستشفاء والتعليم وتقديمات أخرى عينيّة. وعلى رغم أن اللاجئين ومنظّماتهم يرفعون الصوت منذ أعوام احتجاجاً على تقليص تقديمات هذه الوكالة منتقدين تراجع أدائها، كانوا يبدون حرصاً منقطع النظير على بقاء هذه الوكالة ورفض أي مساس بها انطلاقاً من اعتبارين:
الأول أنها تلبّي احتياجات أساسية للاجئين في مجالات حيوية.
الثاني أن وجودها وديموتها هو بحدّ ذاته شاهد أممي على المظلومية اللاحقة باللاجئ الفلسطيني المقتلع من أرضه وجذوره ودليل على ثبات حقوقهم المشروعة مهما طال الزمن وفي مقدّمه حق العودة.
وبناءً على ذلك، فإن السؤال المطروح: “لماذا فجأة تعلن الولايات المتحدة ومعها دول المحور الغربي “حرب وجود” على هذه الوكالة وتوقف كل أشكال المنح المقدَّمة لها والتي تمثل شريان الحياة لها والرافد الأساس لأداء المهمة الموكلة إليها منذ إنشائها؟”، وهل الأمر فعلاً مرتبط بالحجّة المعلَنة لهذا الإجراء وحدها، أم وراء الأكمة ما وراءها؟
يؤكد الكاتب والباحث الفلسطيني حلمي موسى أن “ضيق إسرائيل من هذه الوكالة لا يعود إلى ما تؤدّيه من وظيفة معيشية وصحية ورعائية للاجئين الفلسطينيين، بل لخصوصيتها السياسية. ورغم أن هذه الوكالة فقدت منذ اتفاقات أوسلو على الأقل الكثير من استقلاليتها وصارت أكثر خضوعاً للرقابة الأميركية، لكن إسرائيل غير راضية عنها. ويعود سبب انعدام الرضى هذا لمبدأ إنشائها أصلاً، فهي هيئة أممية مختصّة برعاية اللاجئين الفلسطينيين، وبذا تختلف عن كل وكالات الأمم المتحدة الأخرى”. ويخلص موسى: “كلما ظهر تحرّك نحو تسوية سياسة عادت “الأونروا” لتحتل مركز صدارة سلباً وإيجاباً”.
ويتوقّع أحد قادة العمل الفلسطيني في لبنان الكاتب والباحث مروان عبد العال في تصريح لـ”النهار” أن يكون لقرار تجميد دول مانحة أساسية منحها للأونروا تأثيرات بالغة السلبية على وضع اللاجئين في لبنان إن لم يُتراجَع عنه، إذ إن مساعدات هذه الوكالة وتقديماتها المتنوعة تشكل جزءاً أساسياً من المعيشة اليومية لهؤلاء اللاجئين. لذا فهو بمثابة حكم إعدام بحق اللاجئ الفلسطيني أينما كان، ولا يمكن للضمير العالمي أن يتحمّل تبعاته وارتداداته.
ولكن عبد العال يتوقع في المقابل أن تتراجع هذه الدول عن قراراتها تلك على غرار ما فعلته فرنسا أخيراً، لأن مثل هذا الإجراء هو جزء من الضغط السياسي الثقيل والمتضاعف على الفلسطينيين بعد أحداث 7 أكتوبر.
وفي كل الأحوال، يضيف عبد العال أن المسألة هي أولاً وأخيراً مسألة استهداف سياسي لأن ما حصل بعد هجوم 7 أكتوبر هو “انتصار وتعويم للسردية الفلسطينية التاريخية” بما لا يقبل مجالاً للشك، لذا كان المطلوب شطب دور الأونروا كشاهد حيّ على صدق هذه السردية من خلال تغيير هوية هذه الوكالة ودورها ومهماتها.
أضاف: “نعتقد أن سعي الساعين لإبطال هوية الأونروا الأساسية قد انطلق بزخم منذ عقود عدة تحت ذريعة عنوانها العريض أنه لم يعد هناك حاجة إليها لأنه لم يعد هناك لاجئون يُفترض العناية بهم، فهؤلاء إما غادروا المخيمات أو اندمجوا في مجتمعات أخرى ومن بقي منهم جزء من “منظومة إرهاب” يحرّم التواصل معها”. وردّاً على سؤال قال عبد العال: “ما لمسناه أن الجهود الرامية إلى إنهاء الأونروا قد تضاعفت وتكثّفت بعد سريان الحديث عن “صفقة القرن” أو طروحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للتطبيع”.
ويذكر عبد العال: “إن جزءاً من محاولات الإنهاء تلك قد برز بجلاء عندما أتى إلينا من يعرض نقل صلاحيات ومهمات الأونروا إلى المفوضية العامة الدولية لشؤون اللاجئين في العالم، وهي التي تهتم بكل اللاجئين في العالم وتسجّلهم على لوائح انتظار أقصاها أربع سنوات قبل أن تجد دول إيواء لهم فتنتهي علاقتها بهم، فيما “الأونروا” قد أنشأتها المنظمة الدولية حصراً لرعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين ما داموا في بلاد الشتات. لذا فإن قضية اللجوء تبقى ما دامت الوكالة باقية. أما إذا انتهت هذه الوكالة لسبب أو لآخر فمعناها بالدرجة الأولى أن يسقط حق العودة وكل الحقوق الأخرى للاجئين المنصوص عليها في قرارات ذات صلة وفي مقدمها القرار 194 والقرار 242.
وخلص عبد العال: “إن كنا لم نلحظ إلى الآن أي تغيير في مهمات الأونروا وتقديماتها المقلّصة أصلاً على المشمولين بخدماتها، فإننا صرنا على حذر وخشية وتحسّب من مفاعيل التوجّهات الأميركية المكشوفة والمعلنة والمستورة لوأد الأونروا ولو تدريجاً.
لذا فإننا ندعو المعنيين في لبنان إلى رفع الصوت معنا تنديداً بالإجراءات الأخيرة ودعوةً إلى إبطالها والحفاظ على دور الوكالة وأنشطتها لكي نواجه معاً أي محاولات للتوطين وشطب الحق الفلسطيني بالعودة”.
“النهار”- ابراهيم بيرم