بعد فضيحة “ابتزاز” شركة “المشرق”: سلام كفَّ يد شقيقه عن ملف التأمين
تُعدُّ صناعة التأمين في لبنان السند الثاني للمؤسسات الرسمية الضامنة، وربما تكون الوحيدة حاليا تغطي جزءا لا يستهان به من الأمن الصحي والاستشفائي لشريحة كبيرة من اللبنانيين. تلقّت شركات التأمين كمثيلاتها من القطاعات الاقتصادية ضربات موجعة مع انهيار الليرة وضمور الاقتصاد والنمو، فخسرت بذلك جزءا كبيرا من عقود التأمين، ناهيك عن ازمة “كورونا” وتداعياتها على حركة النقل الدولي وخسارة عقود تأمين كثيرة ومهمة على وسائط النقل البحرية والجوية من والى لبنان على مدى ثلاث سنوات.
الى ذلك، يعاني قطاع التأمين من عدم تطوير وتجديد بناه التشريعية والقانونية، وهو وفق العارفين بأمور التأمين يحتاج الى ادارةٍ “منّو وفيه” تمتلك صفتين اساسيتين: الاولى الخبرة والاحتراف، والثانية الاستقلالية عن أي تأثيرات ذات طبيعة سياسية أو مصلحية، لتفادي وقوع فضائح كتلك التي حصلت أخيرا في القطاع حيث فاحت روائح رشى وابتزاز قام بها كل من شقيق وزير الاقتصاد ومستشاره السياسي.
القانون الذي يرعى عمل شركات التأمين في لبنان ينص على انشاء لجنة مراقبة هيئات الضمان، لكنّ المشرّع لسبب لا جواب عنه، ارتأى ان يربط هذه الهيئة بشخص وزير الاقتصاد صاحب الوصاية على قطاع التأمين، ويمنحه صلاحيات واسعة من خلال وضعه نظاماً داخلياً للجنة ينظم عملها ويحدد تفاصيل مهامها وهيكليتها وكيفية ممارستها لهذه المهام… والطامة الكبرى هي الحلول بمفرده مكانها مع كامل الصلاحيات الممنوحة لها في حال انفراط عقدها لسبب أو لآخر. هذا الخلل في قانون التأمين يضع على الدوام مؤسسات ضامنة وفاعلة خدماتيا وانسانيا واقتصاديا في مهب التوجهات والطموحات الشخصية والسياسية للوزير، وهو ما لا يوجد مثيل له في ايّ من القطاعات الاخرى، وهذا ما يحصل اليوم، إذ بسبب تعذّر تعيين رئيس لجنة مراقبة هيئات الضمان، آلت جميع صلاحياتها الى وزير الاقتصاد الذي بات يتمتع بسلطة مطلقة على القطاع جعلت من مستشاريه ومعاونيه “بعلم الوزير أو بغير علمه” يبتزون الشركات على نحو لا يعكس شفافية وحوكمة، لا بل زادت وأجّجت شبهات الفساد وصرف نفوذ أدى الى تدخل القضاء وتوقيف أحد مستشاري الوزير رهن التحقيق وتململ بين أبناء القطاع رغم محاولة ارضائهم وتلميع العلاقة معهم للملمة الفضيحة.
حيال ذلك، اشتدت المطالبة بتعديلات جوهرية على قانون التأمين، وخصوصا البند المتعلق بإنشاء هيئة المراقبة وصلاحياتها عبر منحها استقلالية كاملة كهيئة ناظمة ومراقبة للقطاع وتعديل البنود التي تمنح الوزير الصلاحيات المطلقة.
النائب رازي الحاج أكد لـ”النهار” انه “وفقا للمادة 47 من قانون تنظيم هيئات الضمان، فإن لجنة مراقبة هيئات الضمان ترتبط مباشرة بوزير الاقتصاد، علماً ان العلاقة بين وزراء الاقتصاد وبين هذه اللجنة هي علاقة ملتبسة، كون الوزير يعتبر نفسه مسؤولا عنها بما يخوّله اللجوء الى التوظيف والتنفيعات أو التعيينات”، مشيرا الى أن “هذا المنحى في التعاطي مع اللجنة ليس غريبا عن غالبية الوزراء السابقين”.
واقترح الحاج على لجنة الاقتصاد ان تعمل على تعديل القانون عبر منح اللجنة الاستقلالية على أن تكون خاضعة للمساءلة والمحاسبة، والمراقبة اللاحقة. ويقول: “المادة 47 تعطي وزير الاقتصاد صلاحية التدخل بعمل لجنة مراقبة هيئات الضمان، مع الاخذ في الاعتبار ان الشركات كلها ليست منزّهة وأوضاعها المالية سليمة، لذا فإن القطاع بحاجة الى ورشة تشريعية لإعادة وضعه على السكة الصحيحة، خصوصا ان اللبنانيين ومع تعثّر بقية الجهات الضامنة اصبحوا يعتمدون على قطاع التأمين بكل أنواعه”.
ولفت الى أن “كل الاحتمالات مفتوحة أمام لجنة الاقتصاد والتجارة والصناعة والتخطيط، إذ من خلال متابعتها لهذا الملف يمكن أن تصل الى توصية بتشكيل لجنة تحقيق برلمانية أو لجنة تقصّي حقائق، أو يمكنها احالة الملف على القضاء”. ولكن برأي الحاج ولئلا تتكرر هذه “التجربة”، ولكي يكون القطاع منتظما، يجب تحديث القانون، كاشفا أن ثمة توجهاً لرئيس لجنة الاقتصاد النائب فريد البستاني الى “تشكيل لجنة فرعية للعمل على تطوير القانون الذي يناهز عمره الخمسين عاما”.
وإذ فضّل عدم الدخول في تفاصيل ملف شركة “المشرق” و”الابتزاز” الذي تعرضت له كون الملف أصبح بين ايدي القضاء، قال الحاج: “في حال لم يتوصل القضاء الى حسم هذا الملف، فأنا كنائب أمارس دوري البرلماني، سأتوجه بسؤال الى الحكومة حول الموضوع”.
وكانت لجنة الاقتصاد تابعت الاسبوع الماضي موضوع شركات التأمين، واستمعت خلال الجلسة التي عقدتها الى وزير الاقتصاد أمين سلام والنائب السابق الكسندر ماطوسيان في شأن ملف شركة “المشرق” الذي اصبح في عهدة القضاء، فيما أكد النائب بستاني أن ثمة “تحضيرا للتشريع مستقبلا”، لافتا الى ان المشكلة هي في التعيينات التي تتضمن محسوبيات. وأضاف ان الوزير سلام بادر بعد الجلسة التي عُقدت معه الى معالجة امور عدة في الوزارة، لا سيما ما يتعلق بهيئة الرقابة والتأمين. وأشارت المعلومات الى أن وزير الاقتصاد كفَّ يد شقيقه عن متابعة ملف قطاع التأمين، وتسلّم هو شخصيا متابعة الملف واصلاح العلاقة مع شركات التأمين. في المقابل يسعى الوزير سلام، مع تعذّر تعيين رئيس للجنة في مجلس الوزراء، الى ايلاء المهمة الى أحد اعضاء اللجنة ريثما يصار الى تعيين رئيس أصيل لها.
عجز مالي
ليس خافيا أن بعض شركات التأمين تعاني عجزا ماليا، ومنها شركة “المشرق” التي شاء حظها العاثر أن يقع ملفها بين يديّ شقيق الوزير ومستشار الوزير كون وزير الاقتصاد منحهما الثقة الكاملة والصلاحيات بالتدخل في عمل لجنة الرقابة. القضية بدأت بعد رفض مستشار الوزير اعطاء الشركة “براءة ذمة” على خلفية العجز المالي الذي تعاني منه والذي قدّرته مصادر متابعة بنحو 8.5 ملايين دولار، وتاليا عجزها عن سحب بوالص المؤمّنين لديها، وهو ما ينطبق على الكثير من شركات التأمين التي دفعت مبالغ من دون أن تفصح عن ذلك.
ووفق المعلومات فإن شقيق الوزير ومستشاره فادي تميم عرضا على الشركة دفع كفالة مصرفية بقيمة 250 ألف دولار أميركي لتمكين الشركة من زيادة رأسمالها، وفرض عليها دفع 250 الف دولار كبدل أتعاب له كمستشار مالي، مع خبراء سيستعين بهم لإنجاز المهمة. وتؤكد المعلومات أن الشركة وافقت فعلا على دفع 100 ألف دولار دفعة أولى، لكنها امتنعت عن دفع بقية المبلغ، فهدد مستشار الوزير بعدم اعطائها “براءة ذمة” وهو ما حصل فعلا. ولكن بعد قرار النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم بتوقيف تميم، استرجعت الشركة الـ100 ألف دولار أميركي.
وأشارت المصادر الى أن ديون الشركات لا تزال تُحتسب على سعر صرف 15 الف ليرة، ولكن بدءا من 1/1/2024 سيتم احتسابها على سعر 89 الفا و500 ليرة، بما سيزيد الاعباء المالية للشركات، لافتة الى ان انفجار المرفأ أنقذ بعض الشركات التي كانت تقبض من شركات في الخارج “فريش دولار” وتعمد الى تسديد المبالغ للمتضررين على سعر صرف 15 الف ليرة، بما جعلها تربح اموالا طائلة عمدت الى تهريبها الى الخارج.
“النهار”- سلوى بعلبكي