نهاية “زمن السلام”… طبول ال*ح*ر*و*ب تُقرع
وصلت النُخب في الغرب إلى اقتناع منطقي ومرعب في آن مفاده أنّ «زمن السلام» ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي بالنسبة إلى بلدانها انتهى، ودقّت ساعة التحضير لحروب بدأت تُقرع طبولها. دخل العالم بأسره في مرحلة من «الفوضى» مع اهتزاز أُسس النظام الدولي وتحدّي «القوى المتمرّدة» الصاعدة «ضابط ايقاعه»، أي الولايات المتحدة الأميركية، ما يُهدّد بتفجّر المزيد من الأزمات وتسعيرها، واندلاع حروب جديدة قد تنزلق معها المعمورة إلى آتون حرب عالمية ثالثة.
الانقسامات الجيوسياسية تُكبّل مجلس الأمن الدولي المولج نظريّاً حفظ السلام العالمي، وتالياً ترفع احتمالات تدهور البيئات الأمنية أكثر فأكثر في القارات السبع. بعد الغزو الروسي لأوكرانيا و»حرب غزة» وتصاعد حدّة التوترات وانتقال «عدوى» النزاعات على المسرح الدولي، عَلا الإنفاق العسكري عالميّاً 9 في المئة العام الماضي ليصل إلى رقم قياسي بلغ 2200 مليار دولار، وفق المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية الذي يتوقع زيادة إضافية هذا العام.
تكثر التحليلات وحتّى المعطيات التي تؤشّر إلى «عقد ساخن» ينتظرنا، في وقت يخوض فيه حوالى 90 ألف جندي من دول حلف «الناتو» مناورات «المُدافع الصامد 24» الضخمة التي انطلقت في 24 كانون الثاني وتستمرّ حتّى أواخر أيّار، لاستعراض «عضلات» الحلف وقدرته على تحريك قواته عبر الأطلسي وسرعة استجابته أي طارئ في جناحه الشرقي الملتصق بـ»الدب الروسي»، المُصمّم على تأمين مصالحه وتحقيق غاياته في «مداه الحيوي» شرق أوروبا، أياً تكن الكلفة البشرية والمادية باهظة.
يصبّ الكثير من التصريحات لمسؤولين غربيين في هذه الخانة، كتلك التي جاءت على لسان رئيس المكتب الإستوني للاستخبارات الخارجية كاوبو روسين الثلثاء الماضي، حين اعتبر أنّ «روسيا اختارت مسار مواجهة بعيدة المدى مع الغرب برمّته»، متوقّعاً أنّ يواجه «الناتو» خلال العقد المقبل «جيشاً هائلاً». وكان لافتاً تزامن كلامه مع اعتماد موسكو تكتيكاً ترهيبيّاً ضد جيرانها بوضعها رئيسة الوزراء الإستونية كايا كالاس ومعها مسؤولين من دول البلطيق على «لائحة المطلوبين»!
فجّر القائد الأعلى للقوات المسلّحة السويدية ميكايل بيدن مخاوف محلّية كانت خامدة لوقت طويل، عندما عرض مشاهد مخيفة الشهر الماضي لمنازل محترقة ومدمّرة في أوكرانيا، وسأل: «هل تعتقدون أن هذه يُمكن أن تكون السويد؟»، مطالباً مواطنيه بالاستعداد نفسيّاً للحرب. لقد أثارت هذه التعليقات مع أخرى لمسؤولين بريطانيين انتباه خبراء أمنيين، معتبرين أنّها تُجسّد واقعاً سوداويّاً جديداً يفرض على الغرب التعامل مع تحدّياته الخطرة بكلّ حنكة وحزم.
طفت على السطح المخاوف البريطانية عن منحى المعضلات الدولية بشكل واضح وصريح مع إطلاق المدير العام لجهاز الاستخبارات الداخلية (MI5) كين ماكالوم تحذيراً في تشرين الأوّل الفائت من ازدياد التصرّفات العدوانية للدول الاستبدادية، مشيراً إلى «عالم مختلف عن العالم الذي عشنا فيه منذ نهاية الحرب الباردة». كما تحدّث وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس منتصف الشهر الماضي عن عام حاسم تقف معه المملكة المتحدة وحلفاؤها أمام «مفترق طرق»، لأنّ «عصر مكاسب السلام قد انتهى!».
ومع اقتراب الذكرى السنوية الثانية للغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط، تُوّجت هذه التصريحات البريطانية الصادمة والواقعية، بدعوة معبّرة للغاية لرئيس الأركان البريطاني باتريك ساندرز في 24 كانون الثاني لـ»تعبئة الأمة بكاملها» وتدريب «جيش من المواطنين» وتجهيزه، لكي «نكون قادرين على القتال والانتصار بصدقية في الحروب». وشدّد على ضرورة «وضع مجتمعاتنا» على «أهبّة الاستعداد للحرب»، فيما برز كلام مشابه لرئيس الأركان الألماني كارستن بروير السبت الماضي أكد فيه أهمية أن تكون قواته مؤهّلة «لخوض حرب» في غضون 5 سنوات.
إنطلاقاً من منطقة إيسيكيبو الغنية بالنفط التابعة لغويانا وتُطالب بها فنزويلا، مروراً بالبلقان وشرق أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط والقوقاز، وصولاً إلى أقصى شرق آسيا، حيث يقف كلّ من بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي وشبه الجزيرة الكورية فوق فوهة بركان معرّض للإنفجار في أي لحظة لتطال حممه الحارقة البشرية جمعاء، ترتسم «خطوط المواجهة» وتتفاعل، لتُحدّد بالحديد والنار والدماء مصير النظام الدولي وموازين القوى فيه.
جوزف حبيب -نداء الوطن