هل عاد نصرالله إلى مفردات التخوين والحديث عن عملاء
عادت حليمة إلى عادتها القديمة”، وتحديداً في الخطاب ما قبل الأخير للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، حينما تحدث عن “العملاء” في الداخل اللبناني على نحو يذكّر بحقبات سابقة، يوم كانت كلماته وخطاباته تحمل عبارات قاسية تجاه بعض القوى السياسية اللبنانية، متهماً إياها بالعمالة للعدو الإسرائيلي، ما ترك حينذاك أجواء سلبية في الداخل عمقت حالة الانقسامات وأدت إلى اغتيالات وسوى ذلك من تطورات.
والسؤال: هل عاد السيد نصرالله إلى خطاباته الاخيرة؟ وهل هو “مزروك” على ضوء ما يحصل في الجنوب وبعد سقوط عدد كبير من قيادات الحزب عبر اغتيالهم بمسيّرات اسرائيلية، لاسيما ان ثمة خبراء ومحللين سياسيين واستراتيجيين، يشيرون إلى أن هناك مخبرين وعملاء لإسرائيل، وإلا كيف يتم الوصول إليهم؟ وبمعنى أوضح، هل أراد طمأنة جمهوره بعدم استعمال الهواتف الخليوية، وهل هو مقدمة لتبرير ما يحصل ورمي الكرة عند شريحة أخرى من اللبنانيين، بعد خطابه الأخير، الذي استعمل فيه عبارة “أسفل السافلين والساقطين” وسواها من مفردات، وهل تتجه الأمور إلى إشعال الساحة السياسية بمساجلات وخلافات وانقسامات وربما أكثر من ذلك؟
في السياق، يقول رئيس حزب الوطنيين الأحرار كميل النائب دوري شمعون لـــ”النهار”، إن السيد حسن نصرالله “مزروك في ظل ما يشهده الجنوب من دمار وسقوط قتلى يومياً للحزب المتورط مع إيران بإشعال الحرب، من دون أي تبرير أو مسوغ قانوني ودستوري وميداني، بمعنى ان هذه الحرب مطلوبة منه إيرانياً لعدم فصل مسار الجنوب عن غزة، لأن طهران هي من أشعلت الحرب في لبنان وتفاوض إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية فيما البلد يدفع فواتير كبيرة، لذلك عاد نصرالله إلى لغته القديمة متهماً إيانا بالعمالة لإسرائيل، وهو يدرك من هم المخبرون والعملاء الذين يرفعون تقارير للعدو الإسرائيلي حول أماكن تواجد الحزب وتقوم إسرائيل بقصفهم، فحوّل المسألة إلى الهاتف ليبرر لبيئته الحاضنة بأن الموبايل هو الذي يؤدي إلى اغتيال هؤلاء القادة، وإن كانت التقنيات الحديثة اليوم لها صلة بذلك، إنما من الطبيعي ثمة عملاء، لكنه صوّب باتجاه شريحة واسعة من اللبنانيين، ليقول هؤلاء هم عملاء إسرائيل ومن يزوّدونها بالأخبار ويقدمون لها كل ما تريد من تقارير استخبارية وسواها، متجاهلاً ما يجري في بيئته التي ترفض الحرب بالمطلق، لكن كلامه الأخير إنما هو هروب إلى الأمام لأنه محشور من إيران ليفعل ما يشاء على الساحة اللبنانية، غير مكترث بالدمار والخراب وتأثير ذلك على القطاعات السياحية والإقتصادية والاجتماعية والتربوية والإنسانية، وهجرة شريحة كبيرة من الجنوبيين إلى مناطق كثيرة في لبنان ومنهم من غادر نهائياً إلى الخارج بسبب الحرب”.
وعن انعكاس كلام السيد وإمكان توسيع الشرخ في الداخل اللبناني بفعل حديثه عن عملاء، يرد شمعون: “من الطبيعي أن يؤثر، لكن على مستوى الإغتيالات يبدو أن السيد “مش فاضي هالأيام” فهو مزروك بالقرار 1701، على خلفية الضغوط الدولية الكبيرة عليه وعلى إيران، ومعلوماتي أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يفاوض الأميركيين على الترسيم البري مع الموفد ٱموس هوكشتاين، كما كانت الحال عند التفاوض البحري، ومن الطبيعي ان حزب الله في الأجواء، بمعنى هناك مفاوضات لبنانية أميركية إسرائيلية، والأمور جارية على قدم وساق في هذا الإطار”.
ويضيف شمعون: “نعم أمين عام حزب الله مزروك على الآخِر، من خلال تمادي إسرائيل في توسيع رقعة قصفها واغتيالاتها لقادة الحزب، وصولاً إلى النبطية وجزين والبقاع الغربي، لذلك “يقطش ويشلح” كما يحلو له ويشاء ويتهمنا بالعملاء، وهذا كلام مردود لأصحابه، لكننا في الوقت عينه نقدّر معاناة أهالي الجنوب ولنا صداقات وعلاقات كثيرة ضمن الطائفة الشيعية الكريمة، ولن ندخل في أي مساجلات وخلافات مع أي طرف في هذه الظروف الصعبة التي يشهدها لبنان، حيث هناك حالة إفلاس إقتصادية ومالية والناس عايفة حالها وتعبانة، لذلك لا مجال للرد على السيد نصرالله الذي يورطنا كل فترة بورطة لا حدود لها ويدمر البلد تنفيذاً للأجندة الإيرانية”.
وفي وقت يرفض نواب ومسؤولون في الحزب الحديث عما قصده السيد نصرالله، يقول أحد نواب الممانعة لـ”النهار”، إن العملاء الذي تحدث عنهم نصرالله، “بيعرفوا حالن ولن نسميهم، وبالتالي كل من لا يقف إلى جانب المقاومة ويدعو إلى وقف هذه الحرب ويهلل لما حصل في غزة والجنوب، فهو عميل، ولن ندخل في أي كلام آخر في هذه المرحلة، لأن الكلمة للميدان في الوقت الحالي، ودائماً في الحروب ثمة عملاء ومخبرون، ولا مجال في هذه في الظروف الاستثنائية لنحاسب ونقيّم من هو العميل ومن هو المخبر، فالحرب لازالت مستمرة وعندما تنتهي قد يقال الكثير عن العملاء والمخبرين”.
إن ما قاله الأمين العام للحزب في خطابه الأخير، يذكّر بالمراحل الماضية، إذ كان لكلامه عن العملاء واتهام شريحة من اللبنانيين بأنها عميلة لإسرائيل، وقْع سيىء ترك ندوباً في العلاقات بين اللبنانيين، خصوصاً أنه في الآونة الأخيرة عادت الأمور أخطر بكثير مما كانت عليه في حقبة 2005، بعد التعرض للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ولمرجعيات سياسية وحزبية، في وقت ثمة من غادر موقعه السيادي إلى “حزب الله”، وهناك خلط أوراق من جديد على صعيد التحالفات، إذ لم يعد فريق 14 آذار موجوداً ولا 8 آذار، بل ثمة غربلة سياسية، لذلك باتت اللعبة مفتوحة على كل الاحتمالات.
“النهار”- وجدي العريضي