هذه خفايا “ضربة الغازية”.. ماذا أرادت إسرائيل منها
القصف الذي طال منطقة الغازية، أمس الإثنين، لم يكن متوقعاً بتاتاً، لاسيما أنه طال مرافق صناعية معروفة وذلك خلافاً لما أعلنه الجيش الإسرائيلي عن أن الضربة طالت مرافق عسكرية تابعة لـ”حزب الله”.
“ضخامة الضربة” جاءت لتُؤكد إشارتين أساسيتين، الأولى هي أنّ الإستهدافات الإسرائيلية خرجت فعلاً عن نطاق خط المواجهة عند الحدود، ما يعني أن إسرائيل نقلت الجبهة إلى العمق اللبناني. أما الإشارة الثانية فترتبط بمسعى إسرائيل التأثير على “حزب الله” من خلال الضربات المتفرقة، ودفعه إلى مجالات أكثر خطورة قد تؤسس لحرب شاملة.
ماذا تُخفي ضربات الغازية؟
أولاً، ما تظهره “ضربة الغازية” هو أن إسرائيل تسعى لإطلاق أي ذريعة لقصف أي هدفٍ داخل لبنان ونسبه إلى “حزب الله”. المسألة هذه خطيرة، والأمر القائم هنا يعني أن إسرائيل قد تُبرر قصف أماكن سكنية أخرى عبر القول إنها خاضعة للحزب أو تضمّ مسؤولين فيه.
مصادر معنية بالشؤون العسكريّة قالت إنّ خفايا ضربة الغازية الأساسية ترتبط بإستهداف بيئة “حزب الله” بشكل خاص، وتضيف: “إذا نظرنا قليلاً في العمق، سنرى أن إسرائيل لم تستهدف مدينة صيدا.. القصف طال الغازية التي تمثل ثقلاً أساسياً لحركة أمل وحزب الله. وعليه، فإن الضربة هناك تطال البيئة الحاضنة لهذين الحزبين، وبالتالي فإن الهدف الأسرائيلي غير المباشر هدفه خلق حالة من التململ داخل الطائفة الشيعية والذهاب نحو إحداث بلبلة ضد الحزب عبر الضغط عليه شعبياً باتجاه الذهاب إلى التسوية التي تنهي الإستهدافات وتوقف التوتر”.
المصادر تقول أيضاً إنّ المسعى الأساس من لجوء إسرائيل لتصعيد الضربات هو القول للمستوطنين الإسرائيليين إن جيشهم قادر على التعمق أكثر داخل لبنان، في حين أن الهدف المُضمر يرتبط بمحاولة جر “حزب الله” إلى مواجهة شاملة، يكون الأخير هو البادئ بها. هنا، تقول المصادر: “إسرائيل تعلم جداً أن حزب الله لا يتساهل مع جرائم قصف المدنيين أو المناطق السكنية، ولهذا فإن الذهاب نحو إستهداف نقاط معينة ضمن تلك المناطق التي تمثل خطوطاً حمراء بالنسبة للحزب، قد يدفع الأخير نحو المضي أكثر في خيار إسداء ضربات موجهة ضد إسرائيل. عندها، قد تعتبر الأخيرة أنّ أي ضربة موجعة تطالها ومرتبطة بهجوم ما ضد لبنان، بمثابة مقدمة لشنّ هجمات ضد الحزب في عمق الجنوب وأبعد”… ولكن، كيف يتصرف “حزب الله” مع هذا “الإستدراج الإسرائيلي”؟
المصادر المعنية بالشؤون العسكرية تقول إن الحزب يميّز بين المعركة والجريمة، وتضيف: “حينما يُعلن الحزب عن عملية ما، يوضح أسبابها وعما إذا كانت مرتبطة بحادثة ما. فعلى سبيل المثال، هناك عمليات عديدة ينفذها الحزب ويعلن عنها بشكل عادي، علماً أنها قد تكون قوية جداً ومؤثرة ميدانياً. هنا، قد لا يربطُ الحزب تلك العمليات بأي حادثة قد حصلت كي لا يستغلها الإسرائيلي ويعتبرها رداً حاسماً وقوياً من الحزب على أمر ما قد حصل، وبالتالي اعتباره إعلان حرب. في المقابل، هناك عمليات قد ينفذها الحزب وتكون عادية من الناحية التدميرية، لكنها تحملُ أبعاداً تقنية أو عسكرية من العيار الثقيل. حينها، يمكن أن يربط الحزب تلك العمليات بالإنتقام لجريمة ما قد حصلت مثلما فعل إثر ضربة النبطية الأسبوع الماضي”.
بحسب المصادر، فإن الحزب ومن خلال هذه الخطوات، تمكن من سحب البساط من تحت إسرائيل، وأفهَم الأميركيين أنه لا يريد المواجهة في المنطقة. كذلك، يكون “حزب الله” قد جنّب نفسه معركة طاحنة رغم الإستهدافات، وهو الأمر الذي تتركز المساعي لإستمراره حتى الوصول إلى تسوية معقولة تُنهي التوتر القائم.
“نقل النزوح” إلى الداخل
الأمر الأبعد في “ضربة الغازية” هي أنها جاءت في منطقة حيوية، وما يظهر أيضاً في خفاياها هو أن هناك محاولة إسرائيلية فعلية لزرع الخوف في نفوس المناطق الداخلية في لبنان. هنا، فإن إسرائيل أرادت “نقل النزوح” إلى المناطق الأبعد داخل لبنان، ما يعني أن النازحين لن يكونوا فقط ضمن المنطقة الحدودية، بل أيضاً في العمق اللبناني.
المثال الأكبر على ذلك هو ما حصل أمس في الغازية. بعد الضربة، حصلت موجة نزوحٍ لسكان المنطقة والقرى والبلدات المجاورة وذلك خوفاً من حصول غارات جديدة. اللافت أيضاً هو أن هناك أماكن تابعة لـ”الحزب” بات اعتبارها خطراً على السكان، وبالتالي تم تجنبها فوراً من قبل المواطنين.
كل ذلك، يكشف عن تبدلات فعلية لم نكن نشهدها من قبل، فإسرائيل أرادت أن تؤسس لتوتر شامل في لبنان تحت إطار الضربات المحدودة. في الأشهر الماضية، كانت الأمور محصورة بالحدود فقط، بينما باقي المناطق اللبنانية كانت تراقب من بعيد. أما اليوم، فبات الجميع منخرطاً بالمواجهة، وأصبحت كل سيناريوهات الإستهدافات مطروحة.
المسألة هذه ولشدة خطورتها، قد تستفيد منها إسرائيل “إعلامياً” للقول أمام المستوطنين إن محاولات تهجير اللبنانيين في الداخل باتت قائمة، وأن التوتر انتقل إلى مناطق تبعد عن الحدود 60 كيلومتراً، وهذا أمر لم يحصل منذ 18 عاماً، أي من حرب تمّوز عام 2006.