موفدون غربيّون: نأتي إلى لبنان من أجل الح/ز/ب فقط
تتراكم عدّة مؤشّرات داخلية لا توحي بقرب الانفراج الرئاسي، لكنّها تقدّم صورة عمّا يمكن أن يلي مرحلة انتخاب رئيس الجمهورية التي قد تتوّج مساراً من التحالفات والتموضعات لا تُشبِه حقبة ما قبل غزّة.
تعوّل بعض أطراف الداخل على زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لباريس واجتماعاته مع المسؤولين الفرنسيين لإعادة تحريك طبخة الحلّ في لبنان بدءاً من جنوبه، وهو ما قد يُسهِم بحلحلة الملفّ الرئاسي، خصوصاً بعد التنافس الأميركي-الفرنسي على إدارة الأزمة في لبنان الذي تُرجِم على أكثر من مستوى. إن لناحية مقاربة الملفّ الرئاسي أو الوضع جنوباً والترتيبات العسكرية التي ستلي انتهاء حرب غزة.
لكنّ نقطة التلاقي الفرنسية-الأميركية الأساسية هي الضغط لمنع تدهور الأوضاع على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية. فيما تلحظ مصادر سياسية استنفاراً دبلوماسياً صامتاً بدأ منذ أيام، وتحديداً من جهة أعضاء اللجنة الخماسية (الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، قطر ومصر)، لعدم تحويل الحزب لبنان منصّة مباشرة للردّ على الاعتداء الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق. بما في ذلك رسائل أميركية نُقلت بشكل مباشر إلى الحزب في لبنان.
الرئاسة ثانويّة
تقول مصادر سياسية مطّلعة على الحراك الخارجي المتعلّق بلبنان لـ “أساس”: “منذ بدء الحرب في غزة حتى اليوم لم يأتِ مسؤول غربي إلى لبنان إلا بسبب الحزب، في محاولة لاستطلاع وجهة قراراته في ما يتعلّق بالحرب والوضع جنوباً.
تدريجاً اقتنعت القوى الأساسية في لبنان أنّ الملفّ الرئاسي هو ثانوي في أجندة هذه الدول إلى درجة قول مسؤول دولة مؤثّرة في الملفّ اللبناني أمام مرجعية نيابية: “نحن ننتظر مفاجأة إيجابية منكم بانتخاب رئيس، وسنُفاجِئكم بأنّنا سنصفّق لكم مهما كانت هويّة الرئيس ما دامت غالبية نيابية قد أوصلته إلى الرئاسة. تخيّلوا مثلاً: هل يمكن أن نقف بوجه هذه الأكثرية إذا فعلاً توافقتم على مرشّح ما للرئاسة؟”.
غسل دماغ
إذاً هذا الموقف الغربي، الذي يُقدّم موضوع الحزب وسلاحه في منطقة جنوب الليطاني والترتيبات الأمنية في جنوب لبنان. خاصة لجهة تعزيز انتشار الجيش اللبناني وتقديم حوافز اقتصادية واستغلال فرصة حرب غزة لإقفال ملفّ المناطق الحدودية المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل بضوء أخضر من الأمين العامّ للحزب السيّد حسن نصرالله. يَترك لقوى الداخل بـ “دفشة” حاليّة من سفراء اللجنة الخماسية إبقاء الملفّ الرئاسي “ناشطاً”، حتى لو بالشكل، إلى حين إنجاز الترتيبات الكبرى.
الدليل أنّ أيّاً من سفراء “الخماسية” لم يتحدّث بمنطق الفرض أو الترويج لأسماء بقدر محاولة إجراء عملية “غسل دماغ” للمسؤولين اللبنانيين لإبراز أهمّية التوافق الداخلي أوّلاً لإنجاز انتخاب رئيس الجمهورية.
حتى إنّ الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، الذي لم يحدّد موعداً بعد للقدوم مجدّداً إلى لبنان. لم يتطرّق في زياراته الثلاث السابقة إلى بيروت (منذ بدء حرب غزة) إلى ملفّ الرئاسة إلا ضمن إطار العموميّات الدبلوماسية، مركّزاً في سياق تسويقه للتسوية الأمنيّة-الحدودية على احتمال تنفيذ إسرائيل لتهديدها بفصل غزة عن جنوب لبنان إذا بقي الحزب متمترساً بمواقعه القتالية في المناطق الحدودية.
لكن ما هي آخر أخبار حراك الداخل؟
باختصار، نواب كتلة الاعتدال لم يستسلموا بعد. وسيلتقون منتصف الشهر الحالي للمرّة الثانية سفراء اللجنة الخماسية، الذين بدورهم سيستأنفون حراكهم بعد عيد الفطر، إذ سيلتقي عدد منهم قوى سياسية وعلى رأسها النائب باسيل وكتلة نواب الحزب برئاسة النائب محمد رعد.
برّي-باسيل
هذه الجلبة الرئاسية المحدودة، التي لم يُعرف هل السيد نصرالله سيتطرّق إليها في خطابه يوم الجمعة. تترافق مع سلسلة مؤشّرات داخلية يمكن أن تكون لها تأثيراتها المباشرة في المرحلة التي ستواكب انتخاب رئيس الجمهورية وما يليه:
1- الحراك الصامت على خطّ تقليص مساحات التباعد بين “التيار الوطني الحر” و”حركة أمل”. هو معطى يَربطه كثر بجلسة انتخاب الرئيس أوّلاً، حيث لا تزال قوى عدّة تراهن على فصل المسار الرئاسي بين الحزب وحليفه الرئيس نبيه بري وصولاً إلى نسج ترتيبات سياسية تقرّب جبران باسيل أكثر من عين التينة.
2-اعتراف نائب من مجموعة الـ 13 (سابقاً) لـ “أساس” بأنّ كتلة التغييريين لم تعد مؤثّرة في أيّ استحقاق، خصوصاً الرئاسة. وإذا كان ثمّة من تأثير فهو يترجم على شاكلة “دعم أصوات” يأتي من نواب مستقلّين وتغييريين لمصلحة الكتل الكبرى المقرّرة في الرئاسة وغيرها.
3- اجتماعات بكركي “المعلّبة والشكليّة والمنخفضة مستوى التمثيل الذي لا يتلاءم مع العناوين المصيرية المطروحة”. والثانية بضربة قاضية من سمير جعجع أطاحت بـ “طبخة البحص”، كما وَصفها. مع العلم أنّ ممثّلي “القوات” و”الكتائب” دخلوا قاعة الاجتماعات في بكركي بلافتة “نزع سلاح الحزب قبل الجلوس إلى الطاولة”. بدا لافتاً في هذا السياق عجز بكركي عن لمّ شمل مُمثّلين من الصفّ الثالث لدى الأحزاب المسيحية. فكيف بحوار يَجمع قياداتها حول طاولةٍ واحدة؟
4- تأكيدات من جانبَي الحزب وباسيل أنّ تفاهم مار مخايل صار خلف ظهر “الحليفين” (سابقاً)، ولا إمكانية لإعادة إحيائه إلا وفق تفاهمات ظرفية “على القطعة” لن تكون رئاسة الجمهورية على ما يبدو من ضمنها.
قد يكون فكّ الارتباط مكلفاً للجانبين، لكنّ “قمّته” تجلّت في دعوة باسيل، مُتلحّفاً عباءة بكركي، إلى “إعداد خطة لمواجهة عملية إقصاء المسيحيين”، قاصداً حليف مار مخايل أوّلاً الذي يغطّي، من موقع “التحالف” مع ميشال عون وباسيل، ممارسات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ويتحدّى المسيحيين بالتمسّك بترشيح سليمان فرنجية. لكنّ ما يُسمَع على مقلب الحزب ليس أقلّ أهمّية ومعنى: “دائماً في الاستحقاقات المهمّة يحاول باسيل رفع سعره. المشكلة إذا كان هناك فعلاً من يريد أن يشتري”.
ملاك عقيل – اساس ميديا