فن - منوعات

“الأبيض” أسوأ من الدهون والعدو اللدود للصّحة… أعداد “قصّار القامة” بين الأطفال الى تصاعد

تعتبر الأوضاع المالية القاسية، من العوامل المؤثرة بشكل كبير في صحة الأطفال، حيث ان نقص الغذاء يعطّل بقوة التقدم والازدهار الطبيعي للجسم، ويؤدي الى ما يعرف بـ “تقزم الأطفال”، الذي يعيق نمو العظام بشكل عام. وقصر القامة الشديد هو حالة طبية تتسم بارتفاع غير طبيعي في نسبة طول الانسان بالنسبة للعمر، فقد يصبح الشخص أقل طولاً من المعدل المتوقع لعمره. لذلك فان تطورات هذا الوضع المحتملة متنوعة، وقد تتضمن الجوانب الوراثية والغدية والتغذوية، وفي بعض الحالات فإن سببها لا يُعرَف بوضوح.

آراء الخبراء مخيفة!

وفي هذا المجال قال اختصاصي التغذية طه مريود لـ “الديار”: “تعد السكريات والدهون الزائدة جزءا من نظام غذائي غير صحي، وإذا كانت هذه الأطعمة هي الوحيدة المتاحة للأطفال، فإنها ستؤدي بالتأكيد إلى كوارث صحية مثل القزامة”.

من جانبها، كشفت المتخصصة في الأمراض النفسية غنوة يونس لـ “الديار” عن “ان العديد من الأطفال يعانون من مشكلات نفسية وجسدية، بسبب سوء التغذية الذي يؤدي الى الإصابة بالتقزم، الناتج من ظروف الفقر التي يعيشونها. لذلك يقاسي هؤلاء من قلة الثقة بالنفس والعجز، وفقدان التركيز وسوء الأداء الأكاديمي، الى جانب صعوبات في التكيف مع المدرسة، وبالتالي عرضة للغياب والتسرّب الدراسي بسبب التنمر من قبل زملائهم”.

في عيون الاهل غصّة!

على خط مواز، عشرات الأطفال أصيبوا بالتقزم نتيجة لقلة الغذاء واستهلاك وجبات فقيرة بالمغذيات. وفي هذا السياق، قالت ميريام وهي والدة لثلاثة أطفال لـ “الديار”: “بسبب ضيق احوالي المالية، أجبر على تقديم الطعام الرخيص لأسرتي، الذي غالبا ما يكون ثريا بالسكريات والدهون، وهذا أثر سلبا في نموهم وقد ابتُلي اثنان منهم بمرض قصر القامة الشديد”.

اما غادة وهي أم لطفلين فأوضحت بأسى قائلة: “أواجه صعوبات مالية كبيرة بعد ان فقدت وظيفتي بسبب الأزمة الاقتصادية، ومع ارتفاع أسعار المواد الغذائية لا سيما البروتينات، لم أعد قادرة على توفير وجبات غذائية صحية لأطفالي، مما أدى إلى تقزم ابنتي الصغيرة إيمان”.

وتحدث بشير عن مأساته بوجع وهو والد لـ 4 أطفال قائلا: “أعمل بدوام كامل والأجر زهيد من اجل تلبية احتياجات اولادي الضرورية، بعد ان أصبحت تكاليف المعيشة باهظة جدا. ومع من ذلك تعتمد عائلتي بشكل رئيسي على الأطعمة القليلة المترفة بالسكريات، مما أدى إلى تقزم ابني الصغير آدام، واخاف جدا على صغاري لان الظروف الحياتية تزداد سوءا يوما بعد آخر”.

وقالت لينا وهي والدة لـ 3 أطفال: “أواجه صعوبات في تأمين الطعام الكافي لعيالي بسبب البطالة والظروف الاقتصادية الصعبة، لذلك اضطررتُ الى التخفيف من الوجبات الرئيسية والاتكال بشكل أساسي على المأكولات الفقيرة بالعناصر الغذائية، مما تسبب  بتقزم ابني الأكبر بسام”.

دراسات تؤكد ضرر “الأبيض”!

الى جانب كل ما تقدم، هناك بعض الدراسات التي تشير إلى أن الاستهلاك المفرط للسكر يمكن أن يؤثر في نمو الأطفال ويسبب قصر القامة، واحدة من بين هذه الدراسات نشرت في مجلة “The American Journal of Clinical Nutrition” عام 2016، ووجدت صلة بين تناول السكر وارتفاع معدلات هرمون النمو في الدم، مما قد يؤدي في النهاية إلى تأثير سلبي في نمو الطفل. ومع ذلك، لا يزال هذا الموضوع يحتاج إلى مزيد من البحوث لتحديد العلاقة الدقيقة بين السكر وقصر القامة.
 
في الوقت عينه، انتهت دراسة أجراها المجلس الوطني للبحوث العلمية إلى تسجيل ارتفاع في نسب “التقزم” أو قصر القامة بالنسبة إلى العمر، بحسب تعريف منظمة الصحة العالمية، بين أطفال لبنان الذين هم دون سن الـ 5 سنوات، بسبب قلة او انعدام التغذية. وتجدر الإشارة الى أن هذا التصاعد لم يسجل خلال الأزمة فحسب، بل بدأت المشكلة تتكشّف منذ أعوام ثم تكاثرت تدريجاً، حتى بلغت أعلى مستوياتها مؤخرا.

وتبين للمجلس الذي تناول في الدراسة التي أعدها سنوات عديدة وصولاً إلى مرحلة الأزمة، في محافظات بيروت وجبل لبنان، “أنه في الاعوام المنصرمة كانت معدلات “التقزم” مقبولة بالمقارنة مع دول العالم، وتقارب الـ 6.4%، ثم تضاعفت في منتصف الأزمة لتبلغ 8.3%. وتوصل الى ان الحالة تعاظمت خطورة فعلاً مع استفحال الأزمة، حتى بلغت نسبة “التقزم” بين الأطفال 12%، أي ضعف ما كانت عليه سابقاً”.

أصناف مجهولة المصدر عِلّة!

من جهتها، أوضحت اختصاصية التغذية كريستال باشي لـ “الديار” ان “المأكولات الرخيصة التي يشتريها الناس مصدرها غير واضح او موافق عليها من لجان عالمية، وتنتشر في الأسواق المحلية في ظل غياب الرقابة على سلامة الغذاء من قبل الأجهزة المختصة والوزارات المعنية. وأكثر من ذلك، يوجد مواد ممنوع بيعها عالميا، لكنها للأسف تسوق في متاجرنا بأسعار زهيدة جدا. وإذا أردنا تفنيد هذه الأنواع ما بين المصادر الموثوق بها والعلامات التجارية الموثوق بها وحتى تلك الهجينة غير المعروفة، فان المخاطر في هذه المرحلة تكمن في الإضافات الاصطناعية التي منُعت وحُظرت كليا، لكن لا تزال تضاف الى أصناف من السكاكر و “البون بون”، وبعض الدول تستخدمها بغية ارسالها الى دول العالم الثالث. ما يعني ان معايير جودة وسلامة الغذاء غير موجودة في المنتجات التي يروج لها في لبنان، وبالتالي تباع بثمن بخس”.

اضافت “تبين ان الاصباغ التي تعطي الألوان الجذابة للسكاكر مثل الأحمر والاخضر والأورانج والبنفسجي مسرطنة، وهناك العديد من السلع التي تم سحبها من الأسواق العالمية، بعد ان ثبت ان هذه المواد المستعملة مسرطنة، وكأننا بهذه الطريقة نشتري الامراض لأطفالنا”.

مجموعة امراض خطرة!

وتابعت: “يرتبط السكر الأبيض او المصنع الموجود في اغلبية الحلويات التي يشتريها الاهل لأولادهم، بأكثر من 27 مرضا وهذا مثبت علميا، مثل: السمنة التي تؤدي الى الإصابة بمشكلات صحية كثيرة، ويضاعف الوزن الزائد من خطر الإصابة بأمراض القلب ويقلل من صحة الشرايين، الى جانب الإصابة بداء السكري من النمط الثاني، وارتفاع ضغط الدم وتراكم الدهون التي تشمع الكبد، بالإضافة الى حصول مشكلات بالأسنان واللثة والتهابات بالجسم عموما”.

واستكملت “يؤدي استهلاكه أيضا الى الشيخوخة المبكرة للخلايا، ويعتبر غذاء أساسيا للخلايا السرطانية، وينتج منه الشعور بالكآبة وتقلب المزاج ودقات قلب سريعة وارق، وهذا يؤثر في نمو الأطفال. وتشير بعض الدراسات الى علاقة السكر بالذاكرة، حيث يزيد من خطر الإصابة بالخرف ونشاف في شرايين الدماغ”.

ندى عبد الرزاق – الديار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com