سندات خزينة “يوروبوندز” تستحق خلال أيام.. ما مصيرها
تقترب حكومة تصريف الأعمال من مواعيد استحقاقات متتالية لتسديد سندات “يوروبوندز” مستحقة هذا العام، بمجموع يصل إلى مليارين و460 مليون دولار، يتوزَّع بين 22 نيسان الجاري، و4 تشرين الثاني 2024، و3 كانون الأول 2024. كما هناك سندات تستحق خلال العام المقبل أحدها في 26 شباط 2025، وآخر في 12 حزيران 2025.
حتى الآن لا شيء يوحي بأن الحكومة ستتحرّك استنفاراً لتلك الاستحقاقات، إن في أروقة وزارة المال أو في كواليس مصرف لبنان، لدرس الخطوة المفترض اتخاذها في هذا الشأن. الأمر الذي يُثير التساؤل حول ما إذا كانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ستتبنّى قرار “التعثّر عن التسديد” الذي اتخذته حكومة الرئيس حسان دياب، وتستكمل بالتالي غضّ الطرف عن دفع المستحقات المترتبة عليها وتتخلّف عن تسديدها؟! على رغم علمها اليقين بالتداعيات الخطرة التي عكسها هذا القرار المعطوف على فشل سياسة الدعم التي لجأت إليها حكومة دياب والتي كلّفت البنك المركزي أكثر من 50 مليار دولار اقتُطعت من احتياطه بالعملات الأجنبية، من دون أي خطة مدروسة، في حين كان لبنان أحوج ما يكون إلى حفنة من الدولارات في ظل الانهيار الفاقع لعملته الوطنية!
الدولة هي أصلاً في حالة تخلّف، وبالتالي أصبحت كل السندات مستحقة. إذ إن قانون الـ “يوروبوندز” ينصّ على “وجوب أن تسدّد الدولة كامل السندات، القديمة والجديدة، في حال استحقت سندات جديدة. من هنا، يبقى الملف شائكاً في انتظار معالجته انطلاقاً من مبدأ تسديد كامل السندات المستحقة، وإخضاعه لبروتوكول إعادة جدولة المديونية كلها.
في المقابل، هناك 70 مليار دولار للقطاع المصرفي اللبناني في ذمّة الدولة التي لو أقرّت بتحمّل مسؤوليّتها في الفجوة المالية، لكانت عبّدَت الطريق للانطلاق بالخطة الإصلاحية التي تؤدّي إلى انتعاش ملاءة المصارف ورسملة نفسها… والأهمّ استعادة ثقة المودِع. لكن المشكلة منذ خمس سنوات حتى اليوم، أن الحكومة ترفض الاعتراف بمسؤولية الدولة وبدينها المستحِق للمصارف، والذي يشكّل المنطلق الأساس لحل الأزمة القائمة. ولا نزال في الدوامة نفسها منذ خمس سنوات إلى اليوم.
مصدر مصرفي يرى عبر “الديار” أن “الذين يطالبون الدولة بعدم تحمّل مسؤوليّتها في هذا الموضوع، هم أبواق تنطق بلسان مصرفيين في الخارج”، شارحاً أن “في ذمّة الدولة ديون الـ”يوروبوندز” وفي حال قرّرت “تصفير” ديونها في الداخل وبالتالي عدم تحمّل مسؤوليّتها في ردّ الودائع، يصبح في إمكانها ردّ ديونها لحاملي سندات الـ “يوروبوندز” الأجانب، خصوصاً أن هؤلاء المصرفيين الأجانب اشتروا الـ “يوروبوندز” بسعر متدنٍّ ويراهنون اليوم على ارتفاعه في المرحلة المقبلة، وهذا السعر لن يسجّل الارتفاع الكبير المطلوب إلا إذا عمدت الدولة إلى “تصفير” ديونها داخلياً كي تكرّس كامل مداخيلها لتسديد ديونها من سندات الـ “يوروبوندز”… وهذه الأبواق نفسها تهدّد بين الحين والآخر، بأنه في حال لم تنجح الدولة في ذلك، فإن حاملي سندات الـ “يوروبوندز” سيطالبون الدولة بأموالهم لا محالة!”.
…”لو كانت المصارف قادرة على ردّ الودائع إلى أصحابها لما تردّدت في ذلك” يؤكد المصدر، مُقِرّاً بأن “كل ما استطاعت المصارف فعله هو “الصمود” تجنّباً لانهيار كامل كاد محتَّماً بفعل النيات المبيّتة للقضاء على القطاع وبالتالي على أي أمل في استرداد الودائع”.
ويعتبر أن “الحدّ الذي وصلت إليه أوضاع المصارف لم يعد محمولاً في مواجهة مطالبة مصرف لبنان الدائمة لها بردّ الأموال بالدولار الـ “فريش” في حين أنها لا تملك أي مدخول به”، ويُضيف: إذا أردنا العودة بعض الخطوات إلى الوراء، لوَجدنا أن الدولة هي مَن أنفقت أموال المودِعين، ثم عادت وتلكّأت عن إصدار قوانين تمنع أصحاب القروض عن تسديدها للمصارف بغير العملة التي استدانوا بها، الأمر الذي ضاعف خسائر المودِعين أنفسهم. إذ هناك 40 في المئة من الودائع تشكّل مجموع القروض الممنوحة للقطاع الخاص، وتم تسديدها بالـ “لولار” الذي لا يفي أي حاجة.
استثمار المرافق العامة… لا بيعها والجدير الإشارة إليه، بحسب المصدر، أن “مطالبة المصارف بتحمّل الدولة مسؤوليتها في الفجوة المالية، لا تعني الإسراع في ردّ كامل أموال المودِعين اليوم قبل الغد، إنما عليها التعجيل في تحسين أدائها وتعزيز مداخيلها وبالتالي النظر في المكامن المتاحة لاستثمار أملاكها العامة. أما الاحتجاج بأن تلك الأملاك العامة هي للأجيال القادمة، فالتوضيح الواجب هنا أن المطلوب ليس بيعها بل استثمارها، علماً أن الأجيال القادمة هجرت لبنان للأسف! لذلك المطلوب الحفاظ على بقاء هذه الأجيال في لبنان عبر إعطائهم الأمل في ردّ الودائع وتحسين أداء الدولة ودورها في الوقوف إلى جانب مواطنيها وتثبيتهم في وطنهم”.
وليس بعيداً، يعتبر المصدر أن “القوانين التي تعدّها الحكومة تقضي على المصارف وتُمحيها من الوجود، إذ يطالبونها بردّ الودائع وهي غير قادرة على التسليف التزاماً بتعميم مصرف لبنان القاضي بمنع المصارف إعطاء أي قرض من الودائع بالدولار الـ “فريش” المودَعة لديها، وذلك في ظل غياب الاستثمارات وانعدام المداخيل وغيرها. وبذلك تصبح المصارف “مشروع تصفية”، إذ إنها طوال السنوات الخمس الفائتة عمدت في كل مرة احتاجت فيها الى المال، إلى بيع جزء من عقاراتها وسندات “يوروبوند”، وصرف موظفين، وإقفال فروع…”.
لقد حان الوقت، “كي تبادر الدولة إلى تحمّل مسؤوليّتها ولا سيما في تفعيل مرافقها العامة وتحديداً قطاع الكهرباء والاتصالات والمرفأ والجمارك، كي تصبح فاعلة وتدرّ لها الأرباح المطلوبة تعزيزاً لواردات الخزينة العامة بما يَضمن ردّ أموال المودِعين” وفق المصدر.
لا تزال الحكومة كما مجلس النواب، يناوران في ملف استرداد الودائع، ربما ترقباً لخرقٍ ما يُحدث فجوة في جدار الوضع الاقتصادي والمالي المتفاقم على فوهة بركان أمني مهدَّد بالانفجار في أي ساعة… فلننتظر جلاء النيات لنشهَد على خطة تردّ الودائع إلى أصحابها من دون أن تقضي على ما تبقى من القطاع المصرفي ومستقبله كي يبقى للاقتصاد ما يقيه شرّ الانهيار المحتَّم…
ميريام بلعة – الديار