طلاق بين معراب واليرزة
ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
ليست جريمة قتل منسّق “القوات اللبنانية” في جبيل باسكال سليمان، الحالة الوحيدة التي كشفت عن وجود “فجوة” بين معراب و اليرزة ممثلةً بقيادة الجيش، كما أنها لن تكون الأخيرة في ظل بروز تغييرات واضحة في مقاربة “القيادة” للمسألة السياسية برمتها، بالاضافة إلى سلوك معراب الأخير.
كان من بين الأسباب التي أملت على معراب دعم التمديد لقائد الجيش العماد جوزاف عون الخريف الماضي، أنها رأت فيه نداً ل”حزب الله”. وبخلاف صحة هذا التوصيف من عدمه، إشتغلت معراب على محاولة إظهار نفسها أنها “عرّاب” التمديد للقائد، وقد وجدت الفرصة سانحةً لتحسين صورتها بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية، كما أنها تضع لعون قدماً في بعبدا، وستغدو غداً شريكةً للعهد. في مجال آخر كانت معراب ترى أن القائد يمثل عملياً، مشروعاً أميركياً – عربياً، وبالتالي إن هذا المشروع سينقله إلى بعبدا في لحظة ما. ولو أنه لم يكن، لما حظيَ بدعم من قبل الطرفين. وبالمناسبة، إعتقدت معراب أن جوزاف عون سيمثل خصماً سياسياً فاعلاً للحزب متى بلغ بعبدا، وإنه منذ الآن “يشتغل ضده”، وسيكون غداً رأس حربة في مواجهته، لذا من الضروري الإستثمار فيه. وكان في عقل معراب، أن دعم جوزاف عون، سيعود عليها بمكاسب سبق أن راهنت على تحصيلها وعجزت عنها زمن دعمها ترشيح العماد ميشال عون.
بناءً عليه بنت رهانها السياسي، ما يعني أن الفكرة برمتها لم تكن شغفاً بشخص قائد الجيش وإنما رغبة في الإستثمار لا أكثر.
لكن وقبل أن يُطفىء عون شمعة انتصاف ولايته الممدّدة بدعم “قواتي” واضح، بدأت الأخيرة تميل صوب إجراء “تحول عكسي” على موقفها من ترشيح قائد الجيش لرئاسة الجمهورية.
فرض ذلك جملة من الأسباب. في البداية، رأت أن “القائد” لم يذهب خلال ولايته الممددّة لزيادة منسوب التشنّج مع الحزب ربطاً بما يجري في الجنوب، رغم أن الاجواء كانت مؤاتية بالفعل. بدلاً من ذلك، تحولت قيادة الجيش صوب تعزيز التنسيق مع الحزب، تاركةً المجال مفتوحاً لوصول الإمدادات إليه. وفي البلدات التي شهدت “حساسية” تجاه حركة الحزب العسكرية، كان الجيش أقرب إلى الحزب منه إلى السكان. ولا يخفى عن قيادة “القوات” توجيهها إتهامات داخلية لقيادة الجيش بأنها تقدم تسهيلات ل”حزب الله”، حالية ومستقبلية، من خلال الشروط التي تضعها كدافع لزيادة المهام في الجنوب مع التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
من جهة ثانية، بدا أن قائد الجيش ليس في وارد المضي بتشكيلات “إنتقامية” في المؤسسة على غرار تلك التي شملت قوى الأمن الداخلي، وببساطة، لأنه لا يريد التفريط بوحدة المؤسسة العسكرية. هنا كان في بال “القوات” أن “قبض” ثمن دعمها التمديد وتوفير غطاء مسيحي، سيكون مردوده “ضرب الضباط” المقربين من الحزب مقابل “تعزيز وضع” آخرين مقربين منها، وكل ذلك يهدف لزيادة غلّتها السياسة بحصة غير معهودة في الجيش، وهو ما لم يحصل.
كل ذلك شكل دافعاً لتحول قواتي. عندما هبّت رياح “الخماسية” صوب الخيار الثالث، كانت معراب أسرع من تلقف الخبر. بدأت تنفيذ “تكويعة” أخذت في شكلٍ واضح بعداً إنتقامياً من قيادة الجيش، عبر تقصّد التلميح إلى كونها خرجت عن دعم قائد الجيش الوصول إلى بعبدا، وأنها أصبحت تميل صوب “الخيار الثالث”، وإنها هذه المرة لن تقدم “الغطاء المسيحي” لأي كان من دون ضمانات.
وكتعبيرٍ عن توجهها الجديد، أطلقت معراب مع تكشّف جريمة قتل سليمان، مواقف عبرت عن مضمونها نظرتها الأساسية بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية. ذهبت صوب التشكيك برواية الجيش والتحريض عليه في شأن التحقيقات التي قامت بها مديرية المخابرات، وصولاً لاتهامه علناً بالتآمر والإنصياع الى رغبة “حزب الله”، وهو ما دفع البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى التدخل فوراً لمحاولة رأب الصدع بين الطرفين، من خلال إبداء ثقته برواية الجيش خلال عظته أثناء تشييع سليمان في جبيل، علّ ذلك يؤدي الى ردم الهوة، وفي شأن آخر إلى “تهذيب” خطاب معراب. وكما ينقل زوار دائمون لبكركي، فإن البطريرك “غير راغب في خلق مساحة تشنج بين معراب وقيادة الجيش”، وإنه بصفته راغباً بوصول قائد الجيش إلى رئاسة الجمهورية، يعتبر “القوات” طرفاً أساسياً مساهماً في ذلك. ولا بدّ من وجود علاقة سوية بين الطرفين تخدم هذه النظرية”، ما قاد الأوساط إلى الإعتقاد أن بكركي ستبدأ مسار “تصحيح” العلاقة بين اليرزة ومعراب.