يفترض أن يكون واجهة البلد التي لا تنام…هل يقتصر العمل في المطار على الدوام النهاري
يعود الزمن بعد كل جولة إلى مطار بيروت، وإلى المكان الذي قُيّض له أن يكون واجهة البلد التي لا تنام، تودّع وتستقبل 24/24 أسوة بموانئ العالم الجوية. فلبنان لا يملك غيره منفذاً يصله بالعالم الخارجي، وشرياناً يضخ سيّاحاً وعائدات تخدم النموّ.
لكن المطار والعاملين فيه ليسوا معزولين عن معاناة البلد، ويصيبهم ما يصيبه. من هنا كان على المطار أن يعاني من إضرابات وتوقف عن العمل وبعض المشاكل التقنية، ليس لغياب إدارته وموظفيه عن متابعة شؤونه، بل لغياب الدولة الجدية التي تملك سلطة تحديث خدماته وإدارته وتحديد حاجته وأكلاف الموارد البشرية التي تؤمن سير أعماله والأمن التقني واللوجستي له.
غياب الدولة اليوم عن وضع حل شامل وجذري لمشكلة بدلات ساعات العمل الإضافية للمئتي موظف في مديرية الطيران المدني الذين يؤمّنون ما يحتاج إليه المطار من خدمات على مدار الساعة، يهدّد باختصار عمل المطار على 8 ساعات عمل يومياً وخلال النهار فقط.
وفيما البلاد تستعد تحت وابل التهديدات العسكرية وسخونة الحدود الجنوبية، بإرادة وعزم لاستقبال ما يمكن من موسم سياحي صيفي، تأتي مشكلة تهديد الفنيين المناوبين في المديرية العامة للطيران المدني من خلال امتناعهم عن العمل خارج الدوام الرسمي نهاراً احتجاجاً على ما سمّوه “عدم القدرة على الاستمرار بالعمل الليلي شبه المجاني”.
هل يصدِّق أحد أن بدل ساعة العمل الإضافي لموظفي مديرية الطيران المدني هي 22.500 ليرة فقط؟ فيما وجب على كل موظف منهم تأمين نحو 100 ساعة عمل ليلي إضافي شهرياً، أي ما يعادل مجموعها بين 25 دولاراً أو 30 دولاراً في الشهر!
بعد التحذير الذي أطلقه الفنيون المناوبون في المديرية العامة للطيران المدني الأسبوع الماضي والذي لم يلقَ آذاناً صاغية وفق ما أوردوه في بيان أصدروه أمس، اتفق الموظفون الفنيون في المصالح (ما عدا الملاحة الجوية) على التوقف عن القيام بالأعمال الليلية بدءاً من 1 أيار المقبل، وذلك حتى تحقيق المطالب.
وتضم مديرية الاستثمار الفني 4 مصالح: مصلحة سلامة الطيران/ مصلحة صيانة الأجهزة الملاحية وأجهزة الإرشاد وأجهزة الاتصالات وأجهزة الإعلان عن الرحلات وأجهزة الهاتف/ مصلحة الاتصالات الجوية/ مصلحة الأرصاد الجوية.
تبدأ ساعة العمل الليلي من 8 مساءً حتى السادسة صباحاً، ويتناوب على العمل الليلي 3 فرق (كل فرقة تعمل 10 أيام، وكل يوم يضم 10 ساعات ليلية أي 100 ساعة شهرياً)، وتؤكد مصادر الموظفين أن “ساعات العمل التي نغطّيها تناهز الـ240 ساعة عمل شهرياً، ولكن الراتب الذي نتقاضاه أصبح على أساس 140 ساعة لا 240 ساعة، أصبحنا نعمل سخرة بما لا يتجاوز 25 أو 30 دولاراً للـ100 ساعة”.
وتشير المصادر الى أنه “لا أحد يمكنه إجبارنا على العمل الليلي، إذ لا قانون ينص على ذلك، حتى المرسوم الجمهوري الذي تم تعييننا على أساسه عام 1997 لا ينص على أننا ملزمون بدوام المناوبة. فنحن في النهاية من ضمن ملاك وزارة الأشغال. وتالياً يُفترض بنا أن نعمل كما يعمل موظفو الوزارة بدوام رسمي نهاري. أما موافقتنا على العمل بدوام ليلي، فكانت على أساس أن البدل “محرز”.
هذا الوضع حدا بعدد لا يستهان به من الموظفين الى ترك العمل والالتحاق بوظائف تؤمن لهم ما يعادل 4 آلاف أو 5 آلاف دولار شهرياً، بما زاد الأعباء على من بقي في العمل.
وإذ أكدت المصادر عدم استحالة زيادة قيمة الساعة الليلية خصوصاً أن “الأموال متوافرة منذ دولرة الرسوم في المطار”، قالت “الموضوع ليس بحاجة الى تشريع بل الى قرار من وزير الأشغال”.
ومنذ إصدار الفنيين المناوبين في المديرية العامة للطيران المدني بيانهم الذي أكدوا فيه التوقف عن القيام بالأعمال الليلية بدءاً من أول أيار المقبل، نشطت الاتصالات على أكثر من صعيد. وعلم أن وزير الأشغال علي حميّة طلب منهم إعداد تصوّر. وتؤكد مصادر متابعة أن العمل يجري حالياً على دراسة مطالب هؤلاء، أي تعديل قيمة الساعة الليلية التي خسرت 60 ضعفاً من قيمتها، لتعود الى قيمتها الأصلية، علماً بأن ساعات العمل الليلية كانت تراوح بين 15 ألف و30 ألف ليرة (أي ما يعادل 10 و20 دولاراً وفق سعر صرف 1500 ليرة).
وكان الفنيون المناوبون أصدروا بياناً أكدوا فيه عدم “القدرة على الاستمرار بالعمل الليلي شبه المجاني”.
ووفق البيان فإن “البدل الشهري للموظف الفني عن 100 ساعة عمل ليلي لا يتعدّى 25 دولاراً أميركياً، وهو ما لا يتناسب مطلقاً مع عشرات السنوات من الخدمة والشهادات والدورات الفنية لدى جميع الموظفين. لذلك نُجدِّد مطلبنا القاضي بتصحيح قيمة بدل ساعة العمل الليلي وبذلك يكون المدخل الصحيح لإعادة التوازن للراتب المتآكل منذ 4 سنوات”.
ولفتوا الى “أننا لسنا حديثي العهد بالعمل في المطار ونحن منذ نحو 26 عاماً ملتزمون تأمين الأعمال الليلية دون توقف وعلى حساب صحتنا، علماً بأن عدد الموظفين ما زال يتناقص مما يزيد من الضغوط والأعباء… وها قد بدأوا يتساقطون شهداء على مذبح العمل الليلي في المطار لعدم قدرتهم على الاهتمام بصحتهم وبشراء العلاج اللازم”.
“النهار”- سلوى بعلبكي