الحكومة تخطط لإعادة النازحين.. ولكل نازح خططه لعدم العودة
فعلاً، ضاق لبنان باللبنانيين والنازحين السوريين على حدٍّ سواء، لا سيما في ظلّ المعاناة من الانهيار المعيشي والاقتصادي في البلدَين جاريّ الجغرافية.
فالسوري نزح باتجاهنا هرباً من الموت بسبب الحرب الأهلية والتشلّع الذي أصاب سوريا منذ ثلاثة عشر عاماً، ووجد في لبنان ملاذاً آمناً من الموت والتشرّد وتطبيق القوانين التي لا يمكن له مخالفتها في أي بقعة أخرى أو بلد آخر في العالم.
لبنان ضاق بالنازحين لأسباب كثيرة لا يتسّع المجال لتعدادها، لعل أبرزها الخسائر التي تكبّدها منذ بدء اللجوء باتجاه أراضيه وعدم تنظيم هذا اللجوء، كما فعلت تركيا والأردن عبر حصره بمخيمات حدودية تسهّل العودة عندما يستتب الأمن في الداخل السوري، وتحول دون الانفلاش الفوضوي الذي حصل في لبنان. عدم اعتماد المخيمات على الحدود لاستضافة الإخوة السوريين، أسس للمأزق الراهن من خلال جهل السلطة اللبنانية بأعدادهم الفعلية، وبعدم إحصاء ولاداتهم وتزايدهم المطّرد، وعدم تحديد النازحين من غير النازحين بالإضافة إلى استحواذهم على سوق العمل في غالبية القطاعات اللبنانية من المحال التجارية إلى المطاعم والفنادق والزراعة وقطاع البناء انتهاء بفتح مؤسسات تجارية خاصة تنافس المؤسسات اللبنانية وتلحق بها ضرراً كبيراً في عز الانهيار المعيشي وارتفاع نسبة البطالة بين اللبنانيين.
كل ذلك يحصل على مرأى ومسمع من العالم، لا سيما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الرافضين لعودة النازحين إلى ديارهم في الوقت الراهن والرافضين أيضاً لمبدأ توطينهم في بلد ثالث.
هذه العقد لم تكن وحدها السبب الذي دفع بلبنان وبصدور اللبنانيين لأن تضيق بالسوريين، بل تكاثر الجريمة والسرقة والتشليح والخطف وشبكات ترويج المخدرات والدعارة وغالبية أبطالها سوريون، حتى بات اللبناني يخشى سلوك الكثير من الطرقات المشبوهة والخطرة بطريق المطار على سبيل المثال لا الحصر، وجاءت جريمة خطف وقتل منسق القوات اللبنانية في جبيل باسكال سليمان وبعده المواطن ياسر الكوكاش في العزونية وقبلهما السبعيني نزيه الترك في الاشرفيه… وكلها جرائم سبقتها عبارة “بهدف السرقة”.
الأحزاب والقوى اللبنانية التي رحّبت بالهاربين مما أسمته “بطش النظام السوري” عادت لتنقلب على هذا الترحيب والاحتضان وترى فيه خطراً وجودياً على لبنان الهوية والكيان، وباتت تستعجل العودة من دون أن تقيم وزناً للغرب الرافض هذه العودة مشترطاً أن تكون “آمنة” وفقاً لمعايير يحددها هو، وبلغ الأمر أن يبلغ أحد المسؤولين الاوروبيين الوزير هيكتور حجار بأن النازحين السوريين سيبقون في لبنان كما الفلسطينيين، مع فرض تقديم تسهيلات لهم من الحكومة اللبنانية.
هذه الحكومة تتحدث اليوم عن خطة لإعادتهم مستندة إلى انتفاضة قبرصية بوجه قوارب الهجرة غير الشرعية التي تنطلق من لبنان لتغرق الجزيرة بموجة من النازحين غير القانونيين. وبغض النظر عن آراء الحكومة والاحزاب اللبنانية، هل استمع أحدكم إلى آراء النازحين في ما خص العودة؟ بالطبع لا.
اجتمع بعضهم في محل لبيع الخضار صاحبه سوري، وبدأوا الحديث عن توقيف أحد زملائهم من قبل عناصر بلدية جونيه لعدم حيازته أوراقاً ثبوتية وإقامة في لبنان، وبعد تسليمه إلى الفرقة الرابعة في الجيش السوري التي تتولى أمن الحدود مع لبنان، طلب إليه بعض عناصرها مبلغ 450 دولاراً لتسهيل عودته إلى الأراضي اللبنانية، فتواصل مع أقربائه في عمشيت الذين حوّلوا له المبلغ المطلوب، وعاد إلى ربعنا بسلام. ويقول ياسر “أفكر بالسفر إلى قبرص مع أطفالي وزوجتي، ومنها إلى أوروبا، لن أعود إلى سوريا لأخدم في الجيش النظامي أو في جيش المعارضة في ظلّ فقدان فرص العمل وتراجع المستوى المعيشي”، فيما يخبر عمر أن “شقيقه بات في كاليفورنيا حيث يحصل أولاده على التعليم ويعمل هو كسائق جرافة براتب جيد”.
وقصة كنعان لا تختلف في التبريرات عن الآخرين فهو عاد ليفتح مطعماً صغيراً ليجد نفسه عرضة لطالبي الخوّات، فأقفل المطعم وعاد أدراجه” إلى حيث لا ضرائب ولا خوات”.
لكل نازح سوري قصته الخاصة وأسبابه التي تحول دون عودته، أو تدفعه للحلم ببلد آخر حتى ولو كان لبنان المنهار، ومع كل القصص الكثيرة هل يمكن أن نعرف كيف ستواجه عين حكومتنا المخرز الغربي الرافض لعودة النازحين؟