فخ” الـ 10 آلاف جندي لبناني في الجنوب… لأي مصلحة
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
يبدو “حزب الله” مرتاحاً إلى الدور الذي يؤديه الجيش اللبناني في الجنوب، تحديداً جنوب الليطاني. يعبِّر الحزب عن رأيه من دون مواربة. يقول: لا نتعامل مع شركاء في الميدان إنما “أخوة سلاح”.
في المقابل، يتعامل ضباط الجيش وجنوده على الجبهة كأنهم أفراد في نفس معركة الدفاع التي يخوضها الحزب.
يتابع هؤلاء أنشطتهم دونما اكتراث إلى التهديدات الدائمة التي يطلقها العدو. في الآونة الأخيرة زاد العدو من منسوب اعتداءاته على الجيش. قبل فترة، بلغ الأمر حدّ استهداف موكب ضخم يضم كبار القادة العسكريين. في مناسبات كثيرة شوهدَ ضباط وجنود من الجيش يتقدمون الجبهة ويتحركون صوب مواقع أو منازل يتم استهدافها وتكون بالعادة مواقع لمقاومين. في مرات كثيرة عمل عناصر الجيش على انتشال جثامين الشهداء، فكان العدو يعالجهم بقصف ترهيبي. عن الإعتداءات، يقدم ضباط شهادات عن تجاربهم في النجاة من الموت برفقة جنودهم. مرة وإثنتين وثلاثة (وربما أربعة). من جراء إستهدافات كانت تطال مناطق يعملون فيها، كان الإسرائيليون يقومون باستهدافها عن قصد متجاهلين قيام الجيش بالإبلاغ عن نشاطه وفق الآلية المعتمدة مع “اليونيفيل”.
هذا، ولم نسرد أنماط علاقات كرّسها الميدان بين الجيش والمقاومين. يفهم إذاً أن العدو يريد إخافة ضباط الجيش وجنوده. يريد خلق مسافة بينهم وبين المقاومة أو أنه يريد أن يفرض عليهم “نوعاً” من آلية العمل. تماماً وفق ما تسعى إليه بعض الدول، الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبعض العرب.
هؤلاء كلهم، يبدون انزعاجاً شديداً من دور الجيش في الجنوب. هو الإنزعاج الذي عبّر عنه تحديداً خلال زيارة قائد الجيش العماد جوزاف عون الأخيرة إلى باريس، ومرّرت مفرداته بـ”لباقة”. هو الإنزعاج نفسه الذي يعبّر عنه باستمرار بعض “السناتورز” الأميركيين.
وطالما أن هذه الدول، ومعها دول عربية، تبدي انزعاجاً من الدور الذي يلعبه الجيش في الجنوب، يصبح من الطبيعي إذاً أن يعمل هؤلاء على تعديل نظرة الجيش، سواء إلى المقاومة أو إلى المعركة الحالية أو إلى الجنوب ككل. أما ذلك، فلا يمر من خلال “برامج العقوبات” التي تطلق عادة تجاه أنظمة وحكومات، بهدف إجراء تغييرات عميقة على مفاهيم راسخة.
وليس من خلال “وَلدنات” حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، وتهجمه المستمر على الجيش، إنما من خلال التوغل في التدخل في مسار المؤسسة العسكرية، والقيم التي تشكل هويته، وعبر المحاولات الدائمة لإظهار نفسها كـ “حمامة سلام”، تحب الجيش وتريد شد عوده، وتريد له أن يأخذ دوره عند الجبهة، مع الحرص أن لا يكون هذا الدور مواجهاً لإسرائيل.
يُستحضر هنا الحديث الدائم عن رفع عديد جنود الجيش اللبناني في الجنوب بزيادة تبلغ 10 آلاف جندي، بحيث تتولى هذه الدول + دولاً أوروبية أخرى، تغطية نفقات الجنود الجدد والمؤسسة. وبحسب ما هو معلن، الذريعة ترتبط بـ”فرض الأمن في الجنوب”، رغم أن هذا الأمن، كان ممسوكاً منذ ما قبل 8 تشرين الأول 2023 بتكلفة تبلغ أقل من 5000 جندي، وكان الجنوب وقتذاك يصنّف من بين أكثر المناطق أمناً في لبنان.
إذاً ما الداعي الآن لكل هذا الهرج، وما الذي استجد، ولماذا كل هذا الحرص؟ ببساطة ثمة مجموعة نقاط:
1ـ بعدما فشلت بعض الدول في إنشاء “منطقة عازلة” على طول جنوب الليطاني تخلو من عناصر المقاومة، وتتوزع على تخوم الحدود مع العدو، وتضم أبراجاً وتقنيات، إنتقلوا إلى محاولة فرض “فكرة” “المنطقة الآمنة” بالممارسة، أي من خلال إغراقها بالجنود، أو إعطائها صبغة عسكرية واضحة.
2 ـ من خلال رفع عديد جنود الجيش، تريد بعض الدول، بما فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا، إستغلال هذه القضية لاستخدامها في رفع عديد القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان بما يتجاوز الحدّ المسموح به والمدوّن في القرار 1701 الصادر عام 2006. بهذا المعنى، وطالما يراد زيادة عديد الجيش بما يقدّر بـ 10 آلاف جندي، تسعى تلك الدول لزيادة تبلغ 10 آلاف قبعة زرقاء جديدة، أو ما يوازي هذا الرقم. نتحدث عن فكرة “تعديل مهام اليونيفيل ورفع عديده”، الفكرة ذاتها التي فشل تمريرها عبر قرارات مجلس الأمن خلال الأعوام الماضية.
3 ـ في ظل تراجع الحديث عن ملف “الأبراج” التي اقترحتها لندن في السابق كإحدى نتائج التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الجنوب، ودعمتها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، ضمن صيغة تشمل ما يسمّى “إبعاد حزب الله عن الحدود”، ظهرت ورقة جديدة، فرنسية، من غير المعلوم حدود تنسيقها مع الأميركيين، ورثت الإقتراح الفرنسي السابق الذي تولى تقديمه وزير الخارجية ستيفان سيغورنيه، حين زار بيروت وأثار ريبة القوى السياسية، كونه حمل مضامين ومطالب إسرائيلية واضحة.
أما الإقتراح الجديد المعبّر عنه في ما يسمى “ورقة عمل”، يقوم على تنفيذ القرار 1701 على ثلاث مراحل مع إشارة إلى ما سُمّي “تراجع محدود للمقاومة”.
ما يُفهم من مضمون الورقة الفرنسية الجديدة، وما سبق من مساعٍ أميركية وبريطانية، أنها تريد “إغراق الجنوب” بالجنود اللبنانيين وتركيز انتشارهم عند نقاط “تماس حدودية” مع العدو، ما يمكن تفسيره على أنه رغبة دولية في تحويل الجيش إلى “شرطة” أو حرس حدود، ضمن أدبيات عسكرية واضحة يعتقدون أنها ستشكل نقيضاً للمقاومة.
إقتراح كهذا يفترض أن لا يكون مقبولاً، هذا إن لم يكن يستبطن رغبة في التأسيس لـ”فخ” يوقع بين الجيش والمقاومة بعدما تخاويا، لا سيما خلال المرحلة الحالية.
من جهة أخرى، يظهر تمسّك فرنسا في لبنان. ونتيجة لهشاشة الدولة وضعفها، تحاول باريس استغلال كل ذلك في محاولة المحافظة على آخر قلاعها، مقابل خطط واضحة تقوم على إخراجها من مناطق نفوذها التاريخي. لذلك، يلاحظ أن أداء باريس في بيروت في ظل التغييرات الأخيرة، إنتقل من أداء الأدوار التي تصب في الخانة السياسية إلى تبنّي أدوار أمنية واضحة، عطفاً على مسألتين: دورها في ما خص جبهة الجنوب، والتغييرات التي تجريها على شكل فريقها الأمني في بيروت، المحسوب على الإستخبارات الخارجية الفرنسية الممسكة بالملف اللبناني.