اخبار محلية

آل الحريري بين السياسة والزعامة وتعاقب الأجيال

بالرغم من أن رفيق الحريري قد وافق على ترشّح شقيقته، بهية، للانتخابات النيابية في مدينة صيدا، عن دائرة الجنوب عام 1992، لكنه لم يكن يرغب أو يفكر أو يخطط لأن تتحول عائلته إلى عائلة سياسية، أو أن ينخرط أحد من أولاده بالعمل السياسي المباشر، وتولي مسؤولية منصب رسمي في لبنان.

ربما خطر على باله أنه إذا ما أراد التخفف والراحة والخروج يوماً ما من رئاسة الحكومة، بسبب تغير وتبدل الظروف من حوله، أن يرشِّح أحد المقربين منه أو المحسوبين عليه، لشغل الكرسي الثالثة (رئاسة الحكومة) بتكليف ورغبة ومتابعة منه. لكنه كان يستبعد أن تتحول عائلته بأغلبها إلى العمل السياسي في لبنان.

حين شكل حكومته الأولى في عهد الرئيس الياس الهراوي، سأله أحد الأصدقاء ماذا تريد أن يقول الناس عنك؟ فأجابه أريد أن يقولوا عني إني رياض الصلح الثاني. لكني في كل الأحوال لن أدعهم ينسوني، وسيبقون يتحدثون عني طوال خمسين سنة بعد خروجي من رئاسة الحكومة.

الذي جرى بعد ذلك تخطى تخطيط الحريري وتفكيره. الرجل سيبقى في ذاكرة اللبنانيبن لأكثر مما قصد هو. إذ أنه تحول لأيقونة من الأيقونات والرموز اللبنانية الوطنية والإسلامية. فضريحه بات في وسط ساحة الشهداء، ساحة المدينة، التي نجح في إعادة إعمارها، حيث يرقد إلى جانبه شهداء مسلمون ومسيحيون، وعلى مقربة من مسجد محمد الأمين التاريخي والمرتجى عند المسلمين في وسط بيروت منذ الاستقلال.

مرد هذا الكلام الآن، ما انتهت إليه عائلة المحاسب والمدرس الخصوصي في مادة الحساب لبعض التلاميذ في العربية السعودية، ومن ثم المقاول الكبير والملياردير، أي الشهيد رفيق الحريري، والذي تحولت عائلته، من دون تخطيط أو دفع منه إلى عائلة سياسية أساسية في لبنان، وعلى مستوى أهل الجماعة والسنّة في هذا البلد.

في ذكرى اغتياله الأخيرة التي مرت في شباط الماضي، زار نجله ووريثه سعد الحريري بيروت. وقدم عرضاً إعلامياً، واستثارة شعبية، للقول إني بالرغم من تعليق العمل السياسي ما زلت الرقم الصعب على الساحة الإسلامية السنّية.

دلت التطورات في السنتين الماضيتين، أن الفراغ الذي تركه اعتكاف سعد الحريري، بالرغم من كل الأخطاء التي ارتكبها والثغرات التي خلفها، وبغض النظر عن أسبابه في الاعتكاف، لم ينجح أحد في تعبئة ما ولده من فراغ، والحلول مكانه.

الأمر لم يعد يقتصر على سعد الحريري فقط، المُعلِّق لعمله السياسي. بل على عائلته وعلى إرث رفيق الحريري كاملاً، ومشروعه السياسي والاقتصادي، ورؤيته لمستقبل لبنان، وحضوره في الساحة الإسلامية والبيئة المذهبية التي يمثلها.

من تابع الوقائع التي رافقت وفاة المرحوم الحاج مصطفى الحريري، زوج النائبة السابقة بهية الحريري، بين مجدليون، حيث منزل العائلة في مدينة صيدا، ومن ثم في بيروت التي أقيمت التعازي فيها في بيت الوسط، لأدرك أن العائلة باتت تشكل نقطة استقطاب أساسية ورئيسية لدى أهل السنّة والجماعة وباقي الطوائف والأطراف في لبنان.

كانت حشود المواطنين، من صيدا وباقي المناطق في مجدليون كثيفة ومزدحمة. لدرجة أنه كان يتطلب الوصول لتقديم التعازي نحو ساعة انتظار أمضاها البعض، إلى حيث وقف أفراد العائلة لتقبل التعازي.

الحال نفسها ظهرت في بيروت في بيت الوسط، وقد يكون نقل التعازي من مسجد محمد الأمين إلى بيت الوسط في اللحظة الأخيرة، خطوة المقصود منها إظهار الاهتمام من حول العائلة وباتجاه سعد الحريري، في تكرار لمشهدية 14 شباط الماضي.

كانت الحشود الشعبية، والوفود السياسية المحلية والأجنبية منها، دالة لجهة تحول العائلة إلى نقطة استقطاب شعبية، تبحث عن زعيم مفقود موعود، في لحظة أزمة سياسية وطنية وإسلامية ومفترقات أساسية مقبلة.

عملياً، كرست الظروف والأحداث عائلة الحريري، عبر التطورات التي حدثت خلال السنوات الماضية، وخصوصاً الأيام الماضية، تحولها إلى عائلة سياسية أساسية إلى جانب عائلات المدن التقليدية الإسلامية السنية التي عرفها لبنان. بل وباتت في مقدمتها.

إبان الاستقلال الأول عام 1943، كان رجال الصف الأول والثاني من العائلات الإسلامية المدينية، هم نجوم الاستقلال وأبطاله من الجانب الإسلامي، من رياض الصلح إلى عبد الحميد كرامي وصائب سلام خلفاً لأبو علي سلام.

أما الآن، وكما هو ظاهر، فإن عائلة الحريري قد تقدمت صفوف العائلات المدينية الإسلامية السنية، خلال إنجاز الاستقلال الثاني، والذي تحقق نتيجة سفك دماء رفيق الحريري.

العائلات السياسية، المدينية السابقة، توارثت المناصب والمراكز من الجيل الأول إلى الجيل الثاني وصولاً إلى الجيل الثالث.

بعد عبد الحميد كرامي، تولى المسؤولية نجله رشيد. ومن ثم عمر ووصل الدور في العائلة إلى الجيل الثالث. الذي يمثله على سبيل المثال الآن النائب فيصل كرامي.

حدث الأمر تكراراً مع آل سلام. فبعد الجد المؤسس وباني دار المصيطبة أبو علي، تولى الزعامة رجل الاستقلال نجله صائب، ومن ثم بالأمس القريب نجله تمام، الذي يمثل الجيل الثالث أيضاً.

بعد عمر طويل، ونتيجة لتجربة والده وتجربته المعروفة، تُرى إذا ما سئل سعد الحريري، عن تولي أحد أنجاله العمل السياسي أو أحد المناصب في تيار المستقبل، ماذا سيكون جوابه؟   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com