زوبعة في كأس النبيذ اللبناني.. وغضب كاثوليكي
لم يمر القرار رقم 43 الذي أقره مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة المنعقدة يوم 26 نيسان الماضي، والقاضي بإلغاء التفويض المعطى لمدير عام وزارة الزراعة، المهندس لويس لحود، “لتمثيل لبنان في المحافل الدولية والمحلية المعنية بقطاع النبيذ والعرق والمنتتجات الكحولية الأخرى”، من دون ردود فعل “كاثوليكية”، تمددت تردداتها بين أكبر مدن لبنان الكاثوليكية، زحلة، وآخر قرية كاثوليكية على حدود لبنان الشمالية الشرقية. فإلغاء التفويض تم بناء لاقتراح وزير الصناعة جورج بوشيكيان، صاحب سابقة وضع مدير عام وزارته الكاثوليكي أيضاً داني جدعون بالتصرف، والتي أثارت سابقاً زوبعة اعتراضات مشابهة في فنجان الطائفة الكاثوليكية. وهذا ما اعتبره راعي أبرشية الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكييين الكاثوليك المطران ابراهيم ابراهيم “تطاولاً مستمراً على المدراء العامين من الطائفة الكاثوليكية”، معتبراً “أن تطبيق المعايير بصورة كيدية وانتقائية لا يؤدي سوى إلى المزيد من الإشكاليات”. فيما عبّر راعي الأبرشية الكاثوليكية في القاع -كما جاء في الوكالة الوطنية للأنباء- عن “ألمه لما تتعرض له طائفة الكاثوليك من إنتهاك”. لتتوالى ردود الفعل في عطلة الأعياد على المستوى السياسي، وأبرزها لوزير العمل السابق، سليم جريصاتي، الذي وصف إلغاء التفويض بـ”النهم” على المواقع التي تخص الطائفة الكاثوليكية، مدرجاً إياه “في خانة تسديد أثمان سياسية”، فيما حذرت هيئة زحلة في التيار الوطني الحر من أن “استمرار التعاطي الكيدي مع أبناء زحلة سيؤدي بمرتكبيه مهما علا شأنهم لعواقب وخيمة”. وكان موقف مشابه للنائب السابق سيزار المعلوف، قبل أن يعلق المدير “المستهدف” من كاتدرائية سيدة النجاة على الأمر، واضعاً ما جرى “في إطار الظلم الذي تعرض له خلال عمله الإداري على مدى سنوات”.
وزير الزراعة لا يقرب “المنكر”
بدا الحكي مع بوشيكيان وعنه في المقابل، كي يسمع وزير الزراعة عباس الحاج حسن. فوزارة الزراعة كما عبر المعترضون “هي المعني الأول بالقطاع”، وقد فُوّضت مسؤولياته منذ سنة 2018 للحود، لسبب هُمس حينها أنه يتعلق بالقيم الدينية لوزير الزراعة الشيعي الذي لا يمكنه رعاية “المنكر”، حتى ولو كان ذلك في إطار صلاحيات رسمية منوطة به في بلد متعدد الإنتماءات. هذا في وقت أكدت مصادر مطلعة على مجريات النقاش الذي دار في مجلس الوزراء، على التوافق الذي ساد بين وزير الزراعة والصناعة الحاليين لإنهاء التفويض، بما سمح بصدور القرار بصيغة طلبت “عدم حصر تمثيل القطاع الكحولي في المحافل والمؤتمرات الدولية والمحلية بوزارة الزراعة، باعتبار أن النبيذ وغيره من المشروبات الكحولية هي صناعة أسوة بباقي المنتجات الصناعية. وبالتالي، حفظ حق وزارة الصناعة لهذه الجهة، وفقاً لما تنص عليه القوانين والأنظمة المرعية الإجراء”. وقد طلب القرار “من وزيري الزراعة والصناعة وضع تصور مشترك ينظم عملية تمثيل لبنان في هذه المحافل، وينظم مسألة توقيع الملفات اللازمة، وإصدار القرارات التنظيمية والقواعد الفنية وغيرها من الصلاحيات التي أناطها القانون بكل من وزارتي الزراعة والصناعة”.
النبيذ صناعة أم زراعة؟
بدا واضحا على متن الأسباب الموجبة التي حددها القرار بالمقابل، اعتراض وزير الصناعة على النتائج التي انتهى إليها التفويض، لما شكّله من إقصاء لوزارة الصناعة عن مهمة تعتبر في صلب مهماتها. علماً أن النبيذ كما سائر الصناعات الكحولية كما ذكر القرار “هي منتجات صناعية غذائية، تخضع لصلاحية وزارة الصناعة من حيث الترخيص بمعاملها، والرقابة عليها، والقضايا المتعلقة باستيرادها وتصديرها، ومن حيث الاهتمام بتصريف المنتجات الصناعية الوطنية في الأسواق الخارجية، وتمثيل قطاع الصناعة ومنتجاته في الخارج، وفي المحافل والمؤتمرات الدولية، إلى جانب الصلاحية المناطة بوزارة الزراعة من حيث المواد الزراعية لهذه المنتجات من عنب وغيره”.
هذه الأسباب الموجبة في المقابل لم تصل إلى مسامع من اعترضوا على قرار الحكومة الأخير، على رغم تمسكهم بتطبيق القانون 216\2000 المتعلق بإنتاج وصناعة وتسويق النبيذ اللبناني. فصوفة الوزير بوشيكيان الحمراء في تعاطيه مع المدراء العامين “الكاثوليك تحديداً” بدت دافعاً أساسياً لمحاولة مجابهته فوراً. وعليه، تؤكد أوساط بوشيكيان بأن أي من المعترضين لم يتواصل معه لسؤاله عن الأسباب التي دفعته لاقتراح إنهاء التفويض. في وقت نفت الأوساط أي خلفيات سياسية أو طائفية للاقتراح الذي تقدم به، مذكرة بأن الوزير بوشيكيان لو كان يستهدف المدراء العامين من الطائفة الكاثوليكية لما عيّن إبنة زحلة الكاثوليكية المهندسة شانتال عقل مديراً عاماً بالتكليف في وزارته، فيما هو لم يتعرض وفقاً للمصادر “لصلاحيات لحود، الذي تقع تحت مسؤوليته في وزارة الزراعة 11 مديرية يمكنه توظيف كفاءاته فيها”، داعية إلى “الابتعاد عن شخصنة الملف، والنظر إلى الصورة الأوسع التي تتحقق من خلالها مصلحة القطاع، بما يتطلبه من تضافر في جهود الوزارات للحفاظ على مكتسباته”.
جهود لحود الملحوظة
تضع المصادر عينها القرار، “في إطار توضيح صلاحيات الوزارات للانطلاق بعمل إصلاحي للمرحلة المقبلة”. متحدثة عن ما تسبب به التفويض من تعطيل للجنة الإستشارية التي تشكلت بموجب القانون 216\2000، لتحصر صلاحياتها كلها بيد لحود، على رغم المطالبة المتكررة من قبل مدير عام وزارة الصناعة (الموضوع بالتصرف) داني جدعون، بتقاسم المسؤوليات، وفقاً لما تؤكده المصادر.
قد لا تنصف لحود الاعتراضات الطائفية والسياسية التي تسقط جهوده المبذولة في القطاع، لتتحدث عن ضياع مكتسبات “الطائفة الكاثوليكية”، تماما كما تبدو دوافع تفويضه الملف منذ البداية مجحفة بحقه. فمدير عام الزراعة أظهر منذ ما قبل صدور قرار التفويض حماسة شديدة لهذا القطاع، وكان حضوره ومشاركته وتشجيعه ورعايته الدائمة لنشاطاته، الصورة التي عكست الأهمية التي يوليها لبنان للمنتوجات الكحولية وفتح الأسواق لها، خصوصاً من خلال الانفتاح على أيام عالمية للنبيذ اللبناني.
هذا في وقت يمكن ترجمة سحب هذا التفويض منه، في قراءة موضوعية، بأنه يشكل حصاداً لنتائج الجهود التي بذلها، وخصوصاً على صعيد إنشاء المعهد الوطني للكرمة والنبيذ، الذي احتفل في العام الماضي بمقر منحته له وزارة الزراعة بالذات. وبالتالي، يفترض في حال تطبيق القانون 216\2000 أن يكون لحود أوّل المرحبين بنقل الصلاحيات التي مُنحت له في اللجنة الاستشارية التي تألفت لتطبيق القانون إلى هذا المعهد. خصوصاً أن بعض مهمات المعهد شبيهة لتلك التي حددها القانون للجنة الاستشارية.
اللجنة الاستشارية والمعهد
فوفقاً للمادة 17 من قانون تنظيم قطاع النبيذ تتألف اللجنة الإستشارية في وزارة الزراعة لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، من كل من وزير الزراعة رئيساً، ومن نواب للرئيس هم كل من مدير عام الوزارة ، مدير عام مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية أو من ينتدب عنه، ممثل عن وزارة الصناعة، وعن وزارة الاقتصاد والتجارة، وعن مؤسسة المقاييس والمواصفات. أما الأعضاء فينتدبون من اختصاصيين في القطاع، ومن أصحاب الكروم، ومن المكتب الدولي للكرمة، وأصحاب الخمارات.
وحدد القانون أيضاً مهمة هذه اللجنة الاستشارية بدراسة واقتراح كل ما يتعلق بتتنمية القطاع وتطويره، وتوجيه الإرشادات، والمباشرة بمسح جغرافي ونوعي وعددي للكرمة، دراسة ترابط الكرمة ونوعيتها بالنبيذ المنتج وأنواعه، دراسة الانعكاسات الجغرافية والترابية والمناخية والغذائية والكيميائية على الكرمة ومختلف أنواعها، ونتائج هذه الانعكاسات على مختلف أنواع الخمرة.
لتخلص هذه المادة إلى اعتبار اللجنة ملغاة عند إنشاء المعهد الوطني للكرمة والنبيذ ومباشرته مهامه وصلاحياته.
بدا لافتاً على متن القرار 43 الصادر عن مجلس الوزراء في المقابل، الدور الأوسع الذي حاول أن يمنحه لهذا المعهد، مذكراً بالموجبات القانونية وبالمرسوم 596\2000 الذي استحدث المعهد، وأناط به كل ما يتعلق بتنمية القطاع وتطويره، والتنسيق مع المنظمة الدولية للكرمة من دون التعرض لصلاحية وزارة الصناعة.
في بداية العام الماضي افتتح المقر العام للمعهد في منطقة الحازمية، وقد كان تقدمة من وزارة الزراعة تسهيلاً للإنطلاق بعمله، بعدما أكد لحود في كلمة ألقاها بالمناسبة القناعة بالدور المرجعي الذي سيمارسه المعهد في المستقبل القريب.
هذا في وقت عرّف رئيس مجلس إدارة المعهد، ظافر الشاوي، عنه “بكونه مؤسسة خاصة ذات منفعة عامة، ويشكل إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث يتألف مجلس إدارته من ستة ممثلين عن القطاع الخاص، خمسة منهم يمثلون منتجي النبيذ وواحد يمثل منتجي الكرمة المعدة لانتاج النبيذ، وثلاثة ممثلين عن الإدارات المعنية من القطاع العام وهي الزراعة والصناعة والاقتصاد والتجارة. أما مهام المعهد فتتلخص بدراسة واقتراح كل ما يتعلق بتنمية وتطوير وتنظيم قطاع الكرمة والنبيذ في لبنان، بما فيه المسح الجغرافي والانعكاسات المناخية والقواعد الفنية والسياسة التسويقية وتسمية المنشأ وغيرها”.
المفارقة التي يمكن التوقف عندها أيضا هي أن الشاوي الذي يتولى صلاحيات المعهد حتى نهاية هذا العام، هو من أبناء الطائفة الكاثوليكية، ولكن هذه ليست أهمية الشخص في الموقع، إنما لكونه رئيس مجلس إدارة “شاتو كساره”، أقدم الخمور اللبنانية التي روت “المدن” قصتها، وبالتالي هو من المخضرمين في المهنة التي شكّل صمودها في الأزمات، وسلوكها طريق النهضة حتى في أصعب الظروف، نموذجاً عن العزيمة التي يتمتع بها القطاع الخاص في تخطي كافة الظروف، وسعيه لشق طريقه تصاعدياً بما يعزز قدراته التنافسية في مختلف بلدان العالم، لتبقى عينه دائماً على تضافر جهود الوزارات في تقديم الرعايات المطلوبة، وتطبيق القوانين التي تحمي إنتاجاته من الغش ومن المنافسات غير الشرعية، بدلاً من تناتش صلاحيات وإنجازات لا فضل لهم فيها بالأساس.