العقرب العراقي”… من هو كبير مهربي البشر إلى أوروبا
أجرت مراسلة “بي بي سي” مقابلة في العراق مع برزان مجيد الملقّب بـ”العقرب العراقي”، أحد أخطر مهربي البشر ذائعي الصيت المطلوبين من قبل السلطات في أوروبا، ولاسيما في بريطانيا، حيث اعترف الأخير بأنه لا يعرف الرقم الحقيقي للمهاجرين الذين تمكن من نقلهم الى الدول الأوروبية “ربما 1000، وربما 10000 شخصاً. لا أعرف، فلم أحصهم”.
استهلت المراسلة سو ميتشيل تحقيقها بالتوصيف الآتي: ” أجلس الآن وجهاً لوجه في مركز للتسوق في العراق مع أحد أخطر مهربي البشر ذائعي الصيت المطلوبين من قبل السلطات في أوروبا.اسمه برزان مجيد، وهو مطلوب من قبل الشرطة في عدة دول، من بينها المملكة المتحدة. وأثناء محادثتنا – هنا وفي اليوم التالي في مكتبه – قال إنه لا يعرف عدد المهاجرين الذين نقلهم عبر القنال الإنكليزي”.
وقدّمت للمقابلة بأنها “تأتي تتويجاً لما بدا وكأنه مهمة مستحيلة قبل بضعة أشهر. ولعدة سنوات، سيطر هو وعصابته على جزء كبير من أنشطة تهريب البشر – بالقوارب والشاحنات – عبر القنال الإنكليزي، إذ يحصل المهربون على حوالي 6000 جنيه استرليني مقابل تهريب الشخص الواحد من خلال عبوره على متن أحد القوارب، ومع محاولة ما يقرب من 30000 شخصاً القيام بذلك في 2023، يبدو من الواضح جداً أن هناك فرصة كبيرة لتحقيق ربح هائل”.
تحكي المراسلة: “بدأ اهتمامنا “بالعقرب” عندما التقينا بفتاة صغيرة في أحد مخيمات المهاجرين بالقرب من كاليه في شمال فرنسا. كادت هذه الطفلة أن تموت أثناء محاولتها عبور القنال الإنكليزي في زورق مطاطي.
لم يكن ذلك الزورق صالحا للإبحار، إذ تم شراؤه مستعملاً بثمن زهيد في بلجيكا، كما لم يكن الأشخاص التسعة عشر شخصاً الموجودين على متنه يرتدون سترات نجاة. فمن ذا الذي يدفع بالناس إلى البحر بهذه الطريقة؟ وعندما تنتشل الشرطة في المملكة المتحدة المهاجرين غير الشرعيين، تأخذ السلطات هواتفهم الجوالة وتفتشها. ومنذ عام 2016، يستمر رقم هاتف واحد في الظهور على شاشات تلك الهواتف”.
وخرجت صحافيّة “بي بي سي” سو ميتشل وعامل الإغاثة المتطوع روب لوري في مطاردة مثيرة لأحد أباطرة الجريمة المطلوبين في أوروبا الذي يحمل اسماً حركياً هو “العقرب”، والذي هرَّب آلاف الأشخاص إلى المملكة المتحدة بينما لا يزال فاراً من العدالة. توضح: “أخبرنا مارتن كلارك، أحد كبار المحققين في الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في المملكة المتحدة، بأن الضباط بدأوا يدركون أن كلمة “العقرب” تشير إلى رجل عراقي كردي يُدعى برزان
مجيد.عندما كان في العشرين من عمره سنة 2006، هُرّب مجيد نفسه إلى إنكلترا في الصندوق الخلفي لشاحنة. ورغم عدم حصوله على الإذن بالبقاء في البلاد بعد سنة من تهريبه، ظل لعدة سنوات في المملكة المتحدة – بعضها في السجن بتهمة ارتكاب جرائم تتعلق بالأسلحة والمخدرات. لكنّه في نهاية الأمر رُحل إلى العراق في 2015. وبعد فترة وجيزة، يُرجح أن “ورث” أعمال تهريب البشر من شقيقه الأكبر الذي كان يقضي عقوبة السجن في بلجيكا. وبمرور الوقت، عُرف برزان مجيد باسم حركي وهو “العقرب”.
وفي الفترة من 2016 إلى 2021، سيطرت عصابة “العقرب” على أغلب أنشطة تهريب البشر بين دول أوروبا والمملكة المتحدة.
وأسفرت عملية للشرطة الدولية استمرت لعامين عن إدانة 26 عضواً في هذه العصابة في محاكم في المملكة المتحدة وفرنسا وبلجيكا.
لكن العقرب نفسه لم يُقبض عليه ولا يزال هارباً من العدالة حتى الآن.
وحُكم على مجيد غيابياً أمام محكمة بلجيكية وأدين بـ 121 تهمة تتعلق بتهريب البشر. وفي تشرين الأول سنة 2022، حُكم عليه بالسجن لعشر سنوات وغرامة قدرها 968 ألف يورو.
ومنذ ذلك الحين، لا يزال مكان “العقرب” غير معروف.
وعن طريق أحد معارف روب، وصلت الصحافية إلى رجل إيراني قال إنه تعامل مع “العقرب” عندما كان يحاول عبور القنال الإنكليزي. وكان مجيد قد أخبر ذلك الإيراني أنه يقيم في #تركيا، حيث ينسق أعماله عن بعد.
وفي بلجيكا، جرى تعقّب شقيق مجيد الأكبر، وهو الآن خارج السجن، والذي رجح هو أيضاً أن يكون مجيد في تركيا.
وتعد تركيا نقطة انطلاق مهمة بالنسبة لمعظم المهاجرين المتجهين إلى المملكة المتحدة. ونظرًا لقوانين الهجرة الخاصة بها، فمن السهل نسبياً الحصول على تأشيرة لدخول البلاد من أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط.
وقادت روب معلومة إلى مقهى في إسطنبول يرتاده مهربو البشر، قيل أن برزان مجيد شوهد هناك في الفترة الأخيرة.
لكن التحقق الأولي من تلك المعلومة لم يسر على ما يرام. ولدى سؤال مدير المقهى عما إذا كان بإمكانه تقديم معلومات عن هذا النوع من التجارة – هدأ المقهى.
وبعد قليل، مر رجل من أمام الطاولة وفتح سترته ليُظهر أنه يحمل سلاحًا نارياً. كان ذلك تذكيراً بأن روب والصحافية يتعاملان مع أشخاص خطرين.
رغم ذلك، أسفرت محطتهما التالية عن نتائج واعدة أكثر. فقد وصلتهما معلومة تفيد أن مجيد قد أودع في الفترة الأخيرة مبلغ 200 ألف يورو لدى إحدى شركات الصرافة على بعد بضعة شوارع. فذهبا إلى هناك وتركا رقم هاتف، وتلقى رون مكالمة على هاتفه في منتصف الليلة التالية.
أشار معرف الاتصال أثناء المكالمة إلى أن “الرقم محجوب”، وكان هناك شخص على الجانب الآخر يزعم أنه مجيد.
كان الوقت متأخراً جداً وكان الاتصال غير متوقع على الإطلاق. كما لم يكن هناك وقت لتسجيل بداية المكالمة. يتذكر روب الصوت الذي جاء على الطرف الآخر من الخط، والذي قال: “سمعت أنك تبحث عني”. فقلت له: “من أنت؟ العقرب؟” فرد: “ها، هل تريد أن تناديني بهذا الاسم؟ حسناً”.
لم تكن هناك طريقة للتأكد من أن من كان يحدثه هو برزان مجيد بالفعل، وفق قوله، لكن التفاصيل التي قدمها كانت تتفق مع كل ما لديه من معلومات عنه. وقال إنه كان يعيش في نوتنغهام حتى عام 2015 عندما تم رُحل إلى العراق، لكنه نفى تورطه في تجارة تهريب البشر.
وأثناء الحديث، احتج قائلا: “هذا ليس صحيحا، إنها وسائل الإعلام فقط”، في إشارة إلى تورطه في هذه الأنشطة غير الشرعية.
استمر الخط في الانقطاع. وعلى الرغم من الطريقة المهذبة التي طرحت بها الأسئلة، لم يقل أي شيء يمكن الاستدلال منه على مكانه.
وفي لقاء ثان مع العقرب، نفى تورطه بالتهريب وأشار إلى أنه مسؤول المال فقط.
وقال: “يجب أن تكون هناك (حتى تكون مهرباً)، وحتى الآن لم أكن هناك من قبل”.
وأضاف أنه “مسؤول المال فحسب”.
كما أظهر تعاطفاً واضحاً مع من غرق من المهاجرين أثناء رحلات تهريب البشر.
وقال: “تموت عندما يكتب الله لك ذلك، لكن في بعض الأحيان يكون ذلك بسبب أخطاءك. فالله لا يقول أبدًا: اصعد إلى القارب”.
وفي لقاء ثالث نفى مرة أخرى أنه العقل المدبر الذي يدير منظمة إجرامية. وقال إن أعضاء العصابة الآخرين حاولوا توريطه. كما بدا عليه الشعور بالمرارة عندما قال أن مهربين آخرين حصلوا على جوازات سفر بريطانية وواصلوا تجارتهم.
وقال “العقرب”: “في ثلاثة أيام فقط، هرّب شخص واحد مابين 170 و 180 شخصاً من تركيا إلى إيطاليا، ولا يزال يحمل جواز سفر بريطاني!”.
وأضاف: “أريد أن أذهب إلى بلد آخر حتى أعمل، لكني لا أستطيع”.
وعندما ضغطت عليه الصحافية بشأن مسؤوليته عن وفيات المهاجرين، كرر ما قاله عبر الهاتف؛ وهو أنه أخذ المال وحجز الأماكن فحسب.
فبالنسبة له، المهرب هو الشخص الذي يحمل الأشخاص على القوارب والشاحنات وينقلهم بنفسه: “لم أضع أحداً في قارب ولم أقتل أحداً أبداً”.
انتهت المحادثة، لكن “العقرب” دعا روب لرؤية شركة الصرافة الذي كان يعمل فيها في السليمانية.
كان مكتباً صغيراً، وكانت هناك بعض الكتابة باللغة العربية على النافذة وعدد من أرقام الهواتف المحمولة. وقدم إلى الشركة بعض الأشخاص الذين سددوا رسوم المرور. وقال روب إنه أثناء وجوده هناك رأى رجلاً يحمل صندوقًا مليئًا بالنقود.
وتحدث عن كيفية دخوله هذا المجال في 2016 عندما كان عدة آلاف من الأشخاص يستعدون للتوجه إلى أوروبا.
وقال “العقرب”: “لم يجبرهم أحد. لقد كانت إرادتهم. كانوا يتوسلون إلى المهربين قائلين: نرجوكم، من فضلكم افعلوا هذا من أجلنا. وفي بعض الأحيان يقول المهربون: سوف نساعدهم لوجه الله”. ومن ثم يشتكون ويقولون: “يا هذا، يا ذاك… لا، هذا غير صحيح”.