الامتحانات ثابتة بوجه سيناريوات التشكيك والتخويف
تتواصل التحضيرات في وزارة التربية لإجراء الامتحانات الرسمية للشهادة الثانوية وفق البرنامج المعدل أو الصيغة التي أعلنها وزير التربية عباس الحلبي بالإبقاء على إجراء امتحانات موحدة لكل تلامذة لبنان، وعدم سلخ الجنوب تربويا عن باقي المناطق اللبنانية، وبالتالي عدم التسبب بتمييز أو نظرة دونية للشهادة التي سيحملها المرشحون في المناطق الحدودية. واستناداً إلى هذا القرار اتخذت اجراءات استثنائية باعتماد مواد اختيارية مختلفة عن العام الماضي.
تدل الاستعدادات في التربية على أن الامتحانات ثابتة، وتوثقها الأعمال الادارية وتحضيرات اللجان الفاحصة، والتعاميم المتعلقة بلجان المراقبين، وذلك على الرغم من وجود ثغرات يجري العمل على حلها ومعالجة المستعصي منها. ثمة إصرار من وزير االتربية على اجراء الامتحانات للحفاظ على مستوى الشهادة، ولذا يعمل بعد إعلان البرنامج، على تسريع الوتيرة وانجاز كل ما يتعلق بالامتحانات تنظيمياً وادارياً ولوجستياً، ليس من باب التخوف من تعطيلها انما لمزيد من توفير الحصانة لها وإجراءها في شكل نزيه. ووفق المعلومات يتابع الحلبي أعمال اللجان الفاحصة وكل ما له علاقة بالامتحانات لتسيير العمل وصولاً إلى إجراء الاستحقاق وفق رؤية موحدة وبجهوزية كاملة.
لا شك في أن جدول الامتحانات الجديد للشهادة الثانوية يحتاج إلى عمل وتدقيق في ما يتعلق بالاستثناءات التي تختلف عن العام الماضي، حيث تقرر في فرع الاجتماع والاقتصاد اعتماد مجموعتين من المواد الاختيارية، لكن المشكلة تبقى في التشويش على الامتحانات وإثارة شكوك بإجرائها تحت عنوان أن الوضع في الجنوب يمكن أن يتطور وبالتالي سينسحب الأمر على كل لبنان. وهذا التشويش مرده إلى التدخل السياسي الذي حدث بعد اعلان البرنامج الأول للامتحانات بلا مواد اختيارية والذي ياخذ بالاعتبار أوضاع التلامذة في مدارس القرى الحدودية.
التركيز على اجراء امتحانات نزيهة وباقل الخسائر وفق التعديلات التي قررها الحلبي بعد الجدل السياسي والطائفي، وجاءت بمثابة تسوية بـ”منزلة بين المنزلتين”، يشكل أولوية لدى التربية، فإذا واصلت المكاتب التربوية للأحزاب تدخلاتها في الاستحقاق التربوي، سيؤدي ذلك إلى مزيد من التشكيك بإجرائها. ولذا هناك حسم في موعد الامتحانات بلا أي تعديلات إضافية، وذلك على الرغم من أن تلامذة القرى الحدودية لم يستكملوا المناهج حتى بعد التحاق قسم كبير منهم بالمدارس البديلة والطارئة، والتلامذة الذين درسوا عبر التعليم عن بعد في 24 مدرسة حدودية لم يتمكنوا من استلحاق كل ما تتطلبه الامتحانات حتى مع “الاختيارية”.
التدخل السياسي يستمر بالضغط على التربية باشكال مختلفة. الأمر يتعلق بالجنوب تحديداً، وإن كان قرار إجراء الامتحانات وتحديد طبيعتها يعود إلى وزارة التربية حصراً كونها المرجعية في هذا الشأن. وها هي اليوم تعلو أصوات مديري المدارس في القرى الحدودية بأن هناك مشكلة ستواجه تلامذتهم في امتحانات الشهادة الثانوية، وهي تتعارض مع ما قدمته أطراف سياسية ونواب طالبوا بامتحانات موحدة. لكن أوضاع هؤلاء التلامذة الصعبة كان يستدعي إقرار تسهيلات بمعزل عن الجدل والمكابرة حول عزل الجنوب عن لبنان.
المهم في ملف الامتحانات هو تحصينها وإخراجها من دائرة الانقسامات في البلاد. فوزير التربية حريص على منع اي تداعيات سلبية على العملية التعليمية ورفض الضغوط على القرار التربوي ومحاولات مصادرته.
الامتحانات لا تسير بمشيئة المرجعيات السياسية والطائفية، إذ يحق لوزير التربية أن يقرر وحده في آلية الامتحانات، إن كان بتعديل على باريم التصحيح لتلامذة الحدود أو بإجراءات أخرى، طالما أنه قرر وقف النزيف الذي يدمر الشهادة الرسمية.
فلتكن الامتحانات خارج سيناريوات التشكيك والتخويف من الحرب والمصالح الضيقة ولتؤسس استعادة الكفاءة التعليمية. فالتربية هي التي تقرر وجهتها، بعيداً من الانقسامات والاصطفافات.
“النهار”- ابراهيم حيدر