دار الفتوى تُنكّل بالمعارضين: بـ”التأديب” جئناكم
تواصل دار الفتوى في إجراءاتها العقابيّة ضد مُعارضي التمديد لمفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان، وآخرها توقيف القاضي
قضاة المحاكم الشرعيّة السنيّة أمام خيارين: الخضوع لـ«أولياء الأمر» أو التنكيل. هذا ما حصل مع القاضي الشرعي الشيخ هُمام الشعّار الذي تبلّغ رسمياً من رئيس المحاكم الشيخ محمّد عسّاف بوقفه عن العمل كقاضٍ شرعي في بعبدا لمدة عشرة أيام إلى حين البت في شكوى التفتيش ضده، وانتداب القاضي الشرعي الشيخ وائل شبارو مكانه. وقبل أن يُصدر القاضي المُنتدب للقيام بمهام التفتيش داخل المحكمة الشرعيّة إيّاد البردان قرار التوقيف، كان الخبر قد سُرِّب وانتشر داخل أروقة المحكمة منذ نحو أسبوع. وهو ما أراده البردان على ما يبدو، علماً أن الأخير يُعدّ من الدائرة الضيّقة لمفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان الذي عيّنه مرتين متتاليتين عضواً في «المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى»، كما أنه أحد «مهندسي» التمديد للمفتي. وتؤكد مصادر متابعة أنه منذ تعيينه في منصبه، انصبّ اهتمامه على إيجاد أي ثغرة لـ «تصفية الحسابات» مع مُعارضي المفتي، وعلى رأسهم من تقدّموا بمراجعة أمام مجلس شورى الدّولة للطعن في التمديد لدريان. ومن بين هؤلاء الشّعار الذي تمكّن البردان، بعد «نبش الملفات»، من العثور على خطأ عرضي وقع فيه عام 2022 عندما نسب في أحد المحاضر كلاماً إلى الزوج بدلاً من الزوجة في دعوى إقرار طلاق بعد أن تحوّلت إلى دعوى رجائيّة عند إقرار الزوج. هذا الالتباس استدعى تعديلاً للقرار في اليوم التالي، بعد مُطالبة وكيلة الزوجة بالتصحيح، وعندما لجأ وكيل الدفاع عن الزوج إلى الطعن في المحكمة العُليا قامت بتغريمه «لسوء النيّة»، فعاد وتقدّم بشكوى إلى التفتيش. إلا أن القاضي سامي صدقي الذي كان منتدباً للقيام بمهام التفتيش عندما حدثت هذه الواقعة، لم يرَ في الشكوى أي اشتباه أو ارتياب.
غير أن هذا لم يكن رأي البردان الذي عمد على مدى الأسابيع الماضية إلى استدعاء الموظفين واستجوابهم في هذا الملف قبل الاتصال بالشعار للاستماع إليه، فرفض الأخير استدعاءه بطريقة غير رسمية وأبلغ بردان أن في الاستدعاء مخالفة جوهرية لكوْن الشعار أعلى منه بـ3 درجات، علماً أنّ 7 قضاة من أصل 27 قاضياً شرعياً هم أعلى من المفتش بدرجات!
رغم ذلك، أصرّ البردان على الاستدعاء، ما دفع الشعار إلى رفع كتاب إلى رئيس الحكومة عبر رئيس المحاكم السنيّة يُبلغه فيه بهذا الإشكال ويطلب منه انتداب قاضٍ أعلى درجة للاستماع إليه. غير أن المفاجأة أنّ «القيادة الدينيّة» لم تنتظر بتّ ميقاتي في الطّلب، إذ بدأ التداول بين القضاة منذ أكثر من أسبوع عن نيّة البردان إصدار قرار بإحالة الشعار إلى التأديب.
ولفتت المصادر إلى أن الهدف من نبش قضية مرّت على التفتيش سابقاً يهدف إلى «التشهير» بالشعار لإضعاف موقفه في شأن الطعن بالتمديد للمفتي، وفي سياق الضغط عليه لسحب المراجعة من أمام «الشورى» وفق مقايضة: سحب التمديد مقابل سحب التأديب!
وليست حادثة الشعار سابقة أولى بعدما تحوّلت الإجراءات التعسفية إلى سياسة مُتّبعة لـ«ترويض» المُعارضين. فقبل نحو سنة، عندما «تمرّد» القاضي وائل شبارو على «الجُزر السياسيّة» واحتكم إلى القانون في إصدار حُكمه في الإخبار المقدّم ضد مجلس أُمناء وقف البر والإحسان، تلقّى سيْلاً من الاتهامات علناً وسراً ثم ضُمّنت في قرارٍ قضائي، وأُدخلت تغييرات على مهامه في المحكمة بهدف كفّ يده عن الملف. عندها أصدر شبارو بياناً نفى فيه كلّ ما تعرّض له، منوّهاً برئيس المحاكم الشيخ محمّد عسّاف، فعادت المياه إلى مجاريها، وعاد شبارو إلى «أحضان» دريان ومساعديه.
الأمر نفسه تكرّر أيضاً مع القاضي الشرعي الشيخ عبد العزيز الشافعي الذي يُعد، في نظر دار الفتوى، شريكاً للشعار في «جريمة» الطعن. وهو صاحب «سجلّ حافل» بـ«التمرّد» على «القيادة الدينيّة»، منذ كان الشيخ محمّد رشيد قبّاني في سدّة الإفتاء وبعد انتخاب دريان خلفاً له. و«مشكلة» الشافعي بالنسبة إلى مُعارضيه، هي صعوبة «كمشه» في مخالفة إداريّة أو قانونيّة أو حتّى ارتهانٍ سياسي بما يُمكن تحويله إلى «مضبطة اتّهام».
وكان الشافعي «نجم المُعارضين» لدريان خلال الأشهر الماضية؛ فقد «تجرّأ» على الترشّح في وجه المرشحين الذين حظوا برضى دار الفتوى في انتخابات «المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى» في دورته الأخيرة، وكان اسمه مُدرجاً على الـ«Black list» التي وزّعتها «عائشة بكّار»، كما «تجرّأ» على نشر رأيه القانوني على مجموعات على «واتساب» بشأن ملف وقف البر والإحسان، وحاجَّ المستشار القاضي عبد الرحمن الحلو بالقانون. وهو، أيضاً، ممّن وقّعوا مراجعة الطعن في التمديد أمام مجلس شورى الدّولة، وكان تقدّم سابقاً بدعوى عزل المفتي قباني ومحاسبته في شأن تبديد أموال وقف العُلماء. ولمّا لم تنفع ضغوط دريان في ثنيه عن الطعن في التمديد، حوّل القاضي المعروف بابتعاده عن «الصالونات» السياسية والإعلامية والدينيّة، إلى مجلس التأديب بسبب نشره رأيه المخالف لرأي الحلو في ملف البر والإحسان، ولو لم يكن القرار يحتاج إلى توقيع من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي رفض تمريره، لكان تمّ «التخلّص» منه.
لينا فخر الدين – الأخبار