ناقوس خطر يتوسّع في المناطق السنية… تقرير هام لجهاز أمني
“ليبانون ديبايت” – المحرر السياسي
شكّل دخول الجماعة الإسلامية على خط المقاومة والمواجهة مع إسرائيل من جنوب لبنان نقطة تحوّل في مسارها، لا سيّما أنها لم تنخرط بشكل فاعل في هذا العمل من قبل كما أن وجودها في الحياة السياسية اللبنانية كان خجولاً إلى حد كبير في ظل إنفلاش السنية السياسية المعتدلة مع الفترة الحريرية وما سبقها.
لكن غياب الحالة الحريرية وانكفائها عن الساحة, هل أفسح المجال أمام الحالة السنية المتشدّدة والمتمثّلة بالجماعة الإسلامية؟
وإزاء هذا الواقع المستجد دقّ جهاز أمني من ضمن مهامه المتمثّلة برصد تطوّر الحركات السياسية والمسلّحة في لبنان بإعداد تقرير عن وضع الجماعة الإسلامية التي تشكّل امتداداً للأخوان المسلمين في العالم العربي.
النشأة والتأسيس
واستهل التقرير الذي حمل عنوان “تطور الوضع السياسي والشعبي والعسكري لجماعة الاخوان في لبنان (الجماعة الاسلامية) بين الأمس واليوم” بلمحة عامة عن النشأة والتأسيس، فأشار إلى أن الجماعة تأسست في لبنان رسمياً في 18 حزيران 1964 ولكن حضورها الإجتماعي والسياسي كان حاضراً منذ خمسينيات القرن الماضي من خلال تأسيس جماعة عباد الرحمن في بيروت وطرابلس.
تعتبر الجماعة الاسلامية في لبنان امتداداً لجماعة الاخوان المسلمون في الوطن العربي وقد تأكدت صِلات هذا التيار الإسلامي اللبناني بحركة الإخوان المسلمين خلال زيارة المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر حسن الهضيبي إلى لبنان عام 1953، وانعقاد المكتب التنفيذي لقادة جماعة الإخوان المسلمين في بحمدون حيث حضره إضافة إلى الهضيبي من مصر والسباعي من سوريا كل من محمد عمر الداعوق من لبنان الشيخ محمد محمود الصواف من العراق ومحمد عبد الرحمن خليفة من الأردن بالاضافة الى غيرهم من قادة حركة الاخوان المسلمين في العالم العربي.
الحضور السياسي والنيابي
وعن واقع الجماعة على الصعيد السياسي والبرلماني فيوضح التقرير الى أن الجماعة لم تستطع الفوز بمقعد نيابي في لبنان الا في العام 1992، عند إجراء اول انتخابات نيابية بعد انتهاء الحرب اللبنانية، في ذلك العام أجريت أول انتخابات نيابية في لبنان بعد الحرب الأهلية وكان من سمات تلك الإنتخابات انها أجريت تحت نفوذ سلطة الوصاية آنذاك ولم تتجاوز نسبة الاقتراع ال 30% فقط مع مقاطعة كبيرة وخاصة من المسيحيين يومها فاز للجماعة الاسلامية ثلاثة مرشحين ، فتحي يكن في طرابلس وزهير العبيدي في بيروت واسعد هرموش في الضنية.
منذ العام 1996 ومع دخول الحريرية السياسية الى الانتخابات النيابية في لبنان لم تستطع الجماعة الإسلامية الفوز بمقعد نيابي في لبنان، ولم تستطع الجماعة الاسلامية العودة الى المجلس النيابي الا في العام 2009 عندما فاز مرشحها عماد الحوت في بيروت على لائحة المستقبل في حينه.
في العام 2018 خاضت الجماعة الإسلامية الانتخابات النيابية خارج التحالف مع تيار المستقبل فخسر كافة مرشحيها في بيروت وطرابلس وصيدا، إلا أنها جيّرت حوالي 2300 صوت في الشوف لصالح مرشحين مدعومين منها بما يظهر حجم الجماعة في تلك المنطقة.
في العام 2022 أجريت الانتخابات النيابية على وقع تعليق العمل السياسي للرئيس سعد الحرري وخروج تيار المستقبل لأول مرة من السباق الانتخابي النيابي منذ العام 1996.
في ذلك العام خاضت الجماعة الاسلامية الانتخابات بصورة مباشرة في بيروت وطرابلس والبقاع الغربي والشوف وبصورة غير مباشرة في صيدا وكانت النتيجة فوز مرشح وحيد في بيروت هو النائب عماد الحوت الذي ضاعف الاصوات التي نالها في العام 2018
ويقارن التقرير بين أصوات الجماعة الاسلامية في لبنان بين العام 2018 و 2022، نرى أن أصوات الجماعة الاسلامية قد تضاعفت من 11442 صوتاً الى 22978 صوتاً بين تلك الدورتين، والسبب الرئيسي في ذلك هو خلو الساحة السنية بعد تعليق العمل السياسي للرئيس الحريري وخروج تيار المستقبل من المعادلة السياسية والانتخابية.
الوضع الإسلامي بعد عملية 7 تشرين 2023
ويفرد التقرير جزءاً منه لوضع الجماعة بعد عملية “طوفان الاقصى” التي قامت بها حركة حماس في قطاع غزة حيث يرصد تغير المزاج الشعبي الاسلامي في المنطقة والتعاطف الكبير الذي حدث بعد تلك العملية مع أهالي غزة والفلسطينيين عموماً، ممّا أعطى الجماعات الإسلامية دفعاً كبيراً في المنطقة العربية واخذت الجماعات الاسلامية التي تدور في فلك الاخوان المسلمين نفساً جهادياً كبيراً وأصبحت تشاهد في كل أنحاء وشوراع بيروت وطرابلس وصيدا والاقليم والبقاع ومناطق شبعا والعرقوب صوراً للمتحدث باسم حركة حماس “ابو عبيدة”
ويشير التقرير إلى تنامي حضورهم في المناطق والأحياء الشعبية في بيروت وطرابلس وصيدا والجنوب وحتى في عكار والبقاع فضلاً عن تنامي حضورهم الشعبي والاجتماعي في منطقة إقليم الخروب، واللافت تنامي حضورهم في نقابات المهن الحرة خاصة في شمال لبنان.
أما على المستوى العسكري فيلفت التقرير إلى ما برز في الأشهر الأخيرة من مشاركة “قوات “الفجر” الجناح العسكري للجماعة الاسلامية في إطلاق الصواريخ والقنابل على القوات الإسرائيلية في شمال فلسطين بتمويل وتوجيه مباشر من حزب الله وايران.
ويذكر التقرير بأن “قوات الفجر” هي القوة العسكرية الخاصة بالجماعة الاسلامية التي أنشأت في العام 1982 ابان الاجتياح الاسرائيلي الى لبنان والتي ما لبثت ان تضاءل حضورها حتى اختفى كلياً بعد انتهاء الحرب الاهلية في لبنان.
واعتبر التقرير أن معاودة احياء القوة العسكرية للجماعة الإسلامية يعد خطراً حقيقياً على الشباب المسلم السني في لبنان، مستنداً الى عمليات الابادة الوحشية التي تقوم بها القوات الاسرائيلية في غزة وكمية الاجرام التي تقوم به هناك فمعظم الشباب المسلم في لبنان متعاطف مع الفلسطينيين وان استغلال تلك المشاعر لتجنيدهم في عمليات عسكرية ضد القوات الاسرائيلية لاعادة احياء قوة عسكرية نظامية للجماعة الاسلامية يعتبر ناقوس خطر يجب الانتباه اليه قبل ان يتوسع ويكبر في جميع المناطق السنية في لبنان.
وذكّر التقرير بعدد عناصر الجماعة الذين سقطوا على يد القوات الاسرائيلية وهم 7 عناصر من قوات “فجر” موزعين على الشكل التالي : مقاتل من صيدا، مقاتل من البقاع مقاتل من بيروت، مقاتل من الاقليم، مقاتل من الجنوب ومقاتلين من عكار، وفي جنازة هذين المقاتلين من عكار شارك المئات من المشيعين في بلدتهم “ببنين” العكارية من بينهم عشرات المسلحين الملثمين المدججين بالسلاج والعتاد وهذه اول مرة يكون هنالك ظهور مسلح علني لفصيل عسكري سني في لبنان من بعد الحرب الاهلية التي انتهت في العام 1992.
الإنتخابات النيابية 2026 على وقع التمدد الإسلامي وخلو الساحة السنية في لبنان
ويستشرف التقرير على ضوء ما عرضه أن الانتخابات النيابية المنوي تنظيمها في العام 2026 ستكون مفصلية تماماً على الساحة السنية خاصة وانها ستكون الانتخابات الثانية التي ستقام بغياب المكون السياسي السني الاكبر في البلاد، حيث سيكون وقع الغياب اكبر بكثيروستكون نتائج الانتخابات مختلفة كلياً عن سابقاتها.
وستتشكل في الانتخابات النيابية المقبلة كتل ناخبة جديدة مختلفة عن الكتل السابقة وسيكون هنالك توزيع جديد للمقترعين على القوى الناشئة في الانتخابات المقبلة.
أبرز تلك الكتل ستكون الكتلة الناخبة الاسلامية خاصة اذا استطاع القيمون على التيارات الاسلامية وبالاخص الجماعة الاسلامية الحصول على تمويل انتخابي وازن لمعركتهم المقبلة، فالجو السياسي مؤاة جداً لصعود تلك التيارات السياسية الاسلامية خاصة ان جميع الشخصيات السياسية المنفردة لم تستطع ملء الفراغ الذي تركه خروج الرئيس سعد الحريري، فحتى ألد اخصام الحريري السياسيين لم يستطيعوا تعبئة الفراغ بعد خروجه وان ارقام الانتخابات الاخيرة تدل جيداً على ذلك، فنسبة تصويت المقترعين من الطائفة السنية تراجعت من 44.54% الى 38.33% في العام 2022 ، كما ان مجمل النواب الـ 27 من الطائفة السنية لم يحصلوا الا على 36.5% فقط من اصوات السنة وان باقي الاصوات ذهبت الى مرشحين من غير الطائفة السنية.
وللمفارقة أن أكثر مرشحين حصلوا على أصوات في دوائرهم هم مرشحو جميعة “المشاريع الاسلامية” في بيروت حيث حصلوا على 12.2% من أصوات السنة في بيروت و 2.3% من مجمل المقترعين من السنة في لبنان بينما معدل حصول المرشح المنفرد لم يتجاوز ال 1.4% من مجموع المقترعين من السنة في لبنان، بينما حصل مرشح الجماعة الاسلامية في بيروت عماد الحوت على 1.5% من مجموع المقترعين من السنة في لبنان و 7.6% من اصوات السنة في بيروت.
في انتخابات 2026 ستكون الغلبة للتيارات والجماعات الاسلامية المنظمة التي تستطيع جذب اكبر عدد ممكن من الناخبين على وقع معارك غزة والشحن الطائفي والمذهبي والعقائدي الجاري حالياً والذي سيمتد حكماً لغاية بدء الحملات الانتخابية للعام 2026.
ويخلص التقرير إلى أنه إذا كان مرشحو الجماعة الاسلامية قد استطاعوا مضاعفة اصواتهم في العام 2022 بالرغم من تراجع نسبة التصويت السني بنحو 6% عن العام 2018 ، فان انتخابات 2026 ستكون مختلفة كلياً للجماعة الاسلامية التي ستستطيع مع بعض التمويل الجدي جذب الناخبين السنة وستستطيع مضاعفة اصواتها مجدداً لتحصد نواباً في كل من بيروت وطرابلس وصيدا والاقليم وحتى البقاع والعرقوب لتشكل كتلة نيابية لا تقل عن 6 الى 8 نواب في المجلس النيابي المقبل.