اللقاء الأول بين “ح ز ب الله” والسعودية
اللقاء الأول بين “ح ز ب الله” والسعودية
كان لا بدّ لمسار التقارب الإيراني ـ السعودي كأحد نتائج “إتفاق بكين” الموقّع بين الجانبين، أن ينسحب تقارباً على صعيد العلاقة بين الرياض و”حزب الله” ولو بعد حين، يستفيد لبنان حكماً منها، تماماً كما انعكسَ بشكلٍ إيجابي سواء في اليمن عبر مفاوضات تجري مع “الحوثيين” أو في سوريا، حيث يسلك الإنفتاح بين دمشق والرياض طريقه بشكلٍ متدرّج وآخره تعيين الأخيرة سفيراً لها في عاصمة الأمويين بعد انقطاع دام 11 عاماً.
لذلك، شهدنا خلال المرحلة الماضية هدوءاً على الجبهات التقليدية بين السعودية والحزب، أتاحت الفرصة أمام أصدقاء مشتركين بينهما على محاولة “ردم الهوّة” و “خلق مساحة مشتركة” مستفيدين من عدة عوامل إيجابية، أهمها اللحظة السياسية التي أثمرت إتفاقاً تاريخياً بين طهران والرياض. ولأجل ذلك، تمّ اللجوء إلى خاصية الوساطة جوّالة الطابع، بحيث تولى الوسطاء نقل الرسائل الإيجابية على مدى أشهر طويلة.
وفُهم على ضفتي السعوديين و”حزب الله” أنهما لا يمانعان إجراء ترتيبات معينة على العلاقة بينهما، شرط أن تتّسم بالوضوح، وأن تأتي ضمن مسار وتوقيت معينين.
غير أن أياً من التطورات الإيجابية لم تترجم لقاءات على مستوى الجانبين، إذ انحصر التواصل على تبادل رسائل عامة كان يتولى نقلها غالباً وسطاء يصنّفون كأصدقاء مشتركين بين الرياض والحزب، إرتكزت في مرحلة أولى على رجال دين عراقيين يتمتعون بعلاقات وثيقة بقيادة المملكة، وشهدت تطوراً في فترات لاحقة مع دخول رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني طرفاً مؤثراً على المسار، ترافق مع اشتراك شخصيات لبنانية رسمية ضاعفت من حجم الإيجابيات على المسار.
ولكي تسلك الأمور طريقها بسلاسة، كان لا بدّ من مبادرات متبادلة بين الجانبين تدفع المساعي إلى الأمام وتبقيها في منأى عن وسائل الإعلام.
لذلك، عمل “حزب الله” على تخفيض سقف خطابه السياسي في اتجاه المملكة العربية السعودية. ولوحظ خلال الفترة الأخيرة أن الحزب أزال من تصريحاته أي مفردات تشير إلى انتقادات أو تتناول الوضع العام أو الوضع السياسي في المملكة العربية السعودية. وحتى تكون الأمور أكثر هدوءاً، مارس الحزب مَونته على مجموعة كبيرة من الصحافيين والمحلّلين السياسيين والكتّاب والناشطين المؤثرين عبر مواقع التواصل الإجتماعي من أجل تخفيض سقف الخطاب تجاه السعودية.
في المقابل، نجح الطرف العراقي بفتح مسار إيجابي كمقدمة لتوسيع المباحثات تعلق بملف الموقوفين اللبنانيين في المملكة العربية السعودية، وقد نجح على مراحل في التوصل إلى تفاهمات مع المملكة، أفضت إلى “فك الحظر” على سفر موقوفين لبنانيين أخليَ سبيلهم على مراحل ووضعوا قيد الإقامة الجبرية في المملكة، وقد بلغ عددهم لغاية اليوم 7 أشخاص.
في الموازاة، نجحت الوساطات مع المملكة العربية السعودية في إقناعها بفتح النقاش حول الموقوفين اللبنانيين لديها. وقد تمّ التوصل إلى “تخريجة” تتولى فيها الحكومة اللبنانية مراسلة الرياض في شأن هؤلاء مع اقتراح بمناقشة وضعهم، وهذا الإجراء جاء نتيجة للتواصل مع السفير السعودي في بيروت.
من جملة الأمور التي صُنّفت كعوامل ضاعفت من الأجواء الإيجابية، الرسائل التي حملها زوار تقليديون للسفير وليد بخاري تتعلق بنظرة الشيعة عامة إلى العلاقة مع المملكة. وهذه أتت رداً على مواقف أخرى سبق أن عبّر عنها البخاري في مجالسه، إذ كان يشدّد على دور ومكانة الطائفة الشيعية في لبنان، وإن السعودية تحرص على العلاقة معها وعلى عروبة هذا المكوّن. في المقابل، كان سبق لمسؤولين في الحزب أن أبدوا حرصاً على ترتيب العلاقة مع السعودية خلال مرحلة معينة. وفي “عزّ” الإشتباك مع الرياض، كان هؤلاء يعلنون في مجالسهم أنهم على استعداد للحديث مع السعوديين. على هذا الأساس، وجدت الوساطات “بيئة مؤاتية”.
في الشكل، كان واضحاً أن الترتيبات تسلك مسارها بهدوء. ما بقيَ ارتبط في التوقيت المثالي لتدشين المسار بلقاء يعقد بين الجانبين بعد فترة انقطاع طويلة. وفهم أن السعوديين غير مستعجلين إجراء لقاءات أو أنهم لا يمانعون حصول لقاء، لكنهم يفضلون أن تفرض الأحداث تحديد توقيت أي لقاء مفترض، وأنهم لا يفضلون تحديد مواعيد مسبقة ولا يرغبون في إجراء لقاءات سرية ويفضلون مكاناً محايداً، حيث لا إجراءات بروتوكولية فيه.
في المقابل، أراد “حزب الله” لأي لقاء محتمل أن يحصل في أجواء عامة وأن يسهم في كسر الجليد. وسط ذلك، حضرت حادثة مصرع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان بتحطم طائرة من خارج روزنامة المواعيد، وكأفضل مناسبة ممكنة لجمع الطرفين تحت عنوان تقديم التعزية بالراحلين في مقرّ السفارة الإيرانية في بيروت على شكل أوحى بأنه لقاء يغلب عليه طابع الصدفة بطريقة أبقت الطرفين وبشكلٍ مدروس بعيدين عن أي إحراج.
عملياً، لم يكن السفير السعودي وليد بخاري بعيداً عن جوّ أن “حزب الله” كلّف قيادياً بارزاً فيه، وهو مسؤول ملف العلاقات الدولية السيد عمار الموسوي تمثيله بشكل دائم وطيلة فترة تقبّل التعازي في مقر السفارة الإيرانية. كما أن الحزب، كان في جوّ أن السفير البخاري سيحضر شخصياً لأجل تقديم العزاء. ويفترض أيضاً أن يكون الطرف الإيراني على علم بالموعد الذي حدّده السفير السعودي، وقد يكون وجد فيه “أفضل فرصة” لإنجاز عنصر بقيَ عالقاً ضمن التقارب بين الحزب والسعوديين.
أحياناً بعض الإجراءات البروتوكولية لها أن تجيب عن الكثير من الأسئلة. فلا يعقل أن يتمّ اختيار كرسي لجلوس السفير يقع تماماً إلى جانب الكرسي الذي يجلس عليه ممثل “حزب الله”، وأن يأخذ الطرفان أطراف الحديث ويتبادلان الإبتسامات، أو أن يخرج السفير السعودي من إحراج الإجتماع مع فصيل مصنّف “إرهابياً” على قوائم المملكة، ومن دون أن تنال خطوة كهذه بركة الديوان الملكي والسلطات في الرياض.
نظرياً، مثل اللقاء الأول بين البخاري كممثل عن المملكة السعودية وعمار الموسوي كممثل عن الحزب، مناسبة لكسر الجليد، وغالباً لن يكون الأخير وسيستتبع بلقاءات أخرى بعدما تمّت إزالة حواجز اساسية.
عبدالله قمح