استياء مصرفي من مصرف لبنان: تعاميمه “تخنقنا
فتح السير بالتعديلات الجديدة التي أقرّها المجلس المركزي لمصرف لبنان على التعميم 166 وتمديد 158، باب التباين في وجهات النظر، وأظهر للمرة الأولى منذ عقود عدم وحدة الرؤية والأولويات بين “المركزي” والمصارف، وهما اللذان جهدا منذ بدء الأزمة، لإشهار الحد المقبول من التوافق والتعاون ووحدة الأهداف لتمرير المرحلة.
إن كانت “القلة بتولد النقار” لكن يبدو أن كيلاً كان “ملجوماً” قد طفح على ضفتي العلاقة بين الجانبين، يخاف المراقب لدقة الوضعين السياسي والعسكري، أن تتحول “رمّانة” التعديلات إلى كباش مصرفي – مصرفي غير ذي جدوى، ولا يخدم أهداف ومرامي كليهما، في المحافظة على الاستقرار النقدي والمالي النسبي، المكتسب منذ نحو عام ونيف.
تجاهر مصادر مصرفية بأن لديها غماراً من العتب على قرارات مصرف لبنان، وتستغرب تغييبها عن دائرة التشاور حول قرارات تعنيها وملزمة لها. وتعجب من قرارات أصدرها مصرف لبنان سابقاً، تعتبرها مجحفة بحق المصارف، تتعلق بوقف تسديد فوائد بالليرة، وإبدال فوائد كان يدفعها بالدولار “الفريش” بالدولار غير النقدي.
وتتساءل المصادر حول كيفية وصوابية تعديل تعاميم تزيد من الأعباء على ميزانياتها، أو مراعاة قدرتها على تلبية مفاعيل تلك التعديلات، أو الموجودات النقدية للمؤسسات المصرفية الصغرى، وتوافر السيولة الكافية لديها من عدمه.
بيد أن زاوية الرؤية على ضفة “المركزي”، تختلف وتتعارض مع الامتعاض المصرفي، وتنحو باتجاه أخذ العلم بالعتب وإعادة تدويره مردوداً باتجاه المصارف. وتؤكد المصادر عينها أن القرارات والتعاميم لديه، لا تصدر أو تُعدَّل دون دراسة قانونية، أو مالية واقتصادية وافية، أو دون احتساب دقيق لقدرة مصارف لبنان وإداراتها على تنفيذها، إما من خلال المتوافر لديها من “كاش” في خزائنها، أو من موجوداتها وودائعها في الخارج وعائداتها.
وتبدي المصادر استغرابها “زعل” المصارف من توسيع مروحة إفادة المودعين من التعديلات على التعميم 166، وادّعائها ارتفاع ثقل الأعباء، ويذكّرها بأن “المركزي” يسدّد نصف أعباء تلك التعاميم من احتياطاته، فيما تتولى المصارف النصف الآخر، وتالياً لا تتحمّل الوزر بمفردها بل مناصفة معه.
وفي تفاصيل العتب المصرفي، تؤكد مصادر مصرفية أن بعض المصارف تعاني أصلاً من تلبية موجبات التعميم 158 نظراً الى تعذر تأمين السيولة المطلوبة، فكيف الحال مع تمديد التعميمين وزيادة عدد المستفيدين، فيما “المركزي” توقف عن تسديد الفوائد التي كان يدفعها لقاء تجميد قسم من الودائع لديه. فنسبة الفوائد التي كان يسدّدها المركزي للمصارف تُقدَّر بـ6%، ولكن بعد الأزمة أصبح يسدّدها مناصفة بين الدولار والليرة اللبنانية، ثم خفضها الى 3% تسدد مناصفة بين الدولار واللبناني على 15 ألف ليرة، وفي شباط الماضي أصدر تعميماً بوقف تسديد الفوائد بالليرة وأبقى على نسبة الـ1.5% بالدولار، وأخيراً أصدر تعميماً بأن هذه النسبة يسدّدها بالدولار غير النقدي. وإن كان هدف مصرف لبنان هو تجنيب الضغط على الدولار والمحافظة على استقرار سعر الصرف، تستغرب المصادر عدم مبادرته الى تسديد هذه الفوائد بالدولار، علماً بأنه عندما كان المركزي يسدّد الفوائد مناصفة بين الدولار والليرة كان يسهم بذلك بتغطية نصف المبلغ الذي كانت تدفعه المصارف للمودعين لزوم تطبيق التعاميم وخصوصاً التعميم 158.
وتعتبر المصادر أن “المركزي” بقراراته هذه “يخنق” المصارف، خصوصاً أن لا موارد متاحة لديها لتسديد الأموال للمودعين بموجب التعميمين 158 و166، فيما مصرف لبنان يتقاضى أكثر من 500 مليون دولار فريش من إيداعه ربع ودائع المصارف (10 مليارات دولار) في الخارج، وتالياً لا يضيره أن يسدّد نسبة من هذه الفوائد للمصارف، فيما يحتجز أكثر من 90% من ودائعها، بدل الضغط عليها بالتزامات تجاه المودعين من دون أن يعطيها حقها الشرعي.
ولا يخفي انزعاج المصارف الكبير من هذه التدابير التي تكبّلها وتزيد الالتزامات عليها، وخصوصاً تلك التي لا تملك مصادر تمويلية يمكن أن تستقطب من خلالها دولارات فريش، متخوّفة من أن يكون الهدف “إحراج المصارف لإخراجها”.
وتؤكد المصادر أن “منصوري الآتي من خلفية قانونية وحقوقية، يدرك جيداً أنه لا يحق له اتخاذ قرار منفرد بخفض نسبة الفوائد الى حد عدم القدرة على قبضها عملياً، من دون إشراك المصارف”. وتنقل عن غالبية المصارف استياءها من “التدابير غير القانونية التي يتخذها الحاكم بالإنابة انطلاقاً من اعتباره أن المصارف ضعيفة حالياً ولا يمكنها التمرّد على قراراته وتدابيره”.
وبالأرقام تُقدّر كلفة التعميم 158 على المصارف بأكثر من 40 مليون دولار شهرياً، فيما كلفة الـ166 تقدَّر بنحو 10 ملايين دولار ويمكن أن تزيد بين مليون ومليونين دولار شهرياً مع التعديلات الجديدة، أي إن التكلفة على المصارف تناهز 50 مليون دولار شهرياً أي نحو 600 مليون دولار سنوياً. ولكن إذا عاد “المركزي” عن قراره بعدم تسديد الفوائد للمصارف عن الودائع المجمدة لديها والتي تقدر بنحو 500 مليون دولار، وهي حق لها، فسيكون في مقدور المصارف كافة الالتزام بالتعاميم.
من جانبها تقرّ مصادر مصرف لبنان بأن الوضع عموماً غير مريح، ولكن غالبية المصارف وضعها جيد ويمكن أن تلبّي مستلزمات التعميمين 158 و166 خصوصاً أن عدد المستفيدين الجدد ليس كبيراً. وتقول “المصارف تعطي وفق التعميم 166 مبلغ 150 دولاراً شهرياً للمودعين وهو رقم معيب، ولكن على الرغم من ذلك يرضى هؤلاء ومن بينهم أصحاب ودائع تُقدَّر بـ500 ألف دولار وأكثر. وإن كان هذا الأمر يزعج فعلاً بعض أصحاب المصارف، فليساعدوا “المركزي” في الضغط على السياسيين لإقرار القوانين العالقة. أما أن يرتاحوا على وضعهم ويتركوا “المركزي” والمودعين يتخبطون فهذا أمر غير مقبول”.
ولكن حجّة المصارف أن مصرف لبنان يجمّد ودائعهم وليس لديهم أي إيرادات جديدة فكيف سيتحمّلون كلفة التعاميم؟ جواب المركزي واضح في السياق “فلتتحمّل المصارف مسؤولية تهريبها الودائع الكبيرة للمحظيين وبينهم أصحاب المصارف أنفسهم، وتفكير المصارف بهذه الطريقة يعني أن القطاع انتهى”، علماً بأن “المركزي” وفق ما تقول المصادر “يعمل بكل ما أوتي من قوة للمحافظة عليه، لافتة في السياق، الى دعوته المصارف للبدء بالتسليف لعودة القطاع تدريجاً الى السكة”.
وتشدّد على “ضرورة التعاطي بروح إيجابية بين الجميع، مصرف لبنان والمصارف والدولة والمودعين، عبر الحوار البنّاء لكي نصل الى حلول جذرية للأزمة عبر اتخاذ قرارات جريئة داخل الحكومة ومجلس النواب، وإلا فسنخسر كل شيء”.
في السياق عينه وفيما تؤكد المصادر وجوب تعاون المودعين وجمعياتهم انطلاقاً من أن إفلاس المصارف سيطيح أموال المودعين، اعتبر رئيس جمعية المودعين حسن مغنية أن تجديد التعميم 166 هو هرطقة مالية مصرفية، إذ إن غالبية المصارف لم تلتزم به ولم يفد منه أيّ مودع. وقال “لنفترض أن المصارف التزمت بالتعميم، فإن مبلغ الـ150 دولار لا تكفي لمصاريف يوم واحد، أما التعميم 158 فيبقى منطقياً أكثر إذ إنه يسمح لصغار المودعين بسحب 400 دولار شهرياً وهو مبلغ يكفيهم على الأقل لسدّ مصاريف أول الشهر”.