تصنيفٌ عالميّ متدنٍّ للبنان… والسبب
احتلّ لبنان مرتبةً متدنيةً جداً في التصنيف العالمي، على مستوى جودة البيانات المتعلقة بحوادث السير، في حين تحقّق الدول المتقدمة قفزات كبيرة من أجل حماية أرواح مواطنيها كي لا تموت رخيصةً في حوادث المرور.
أحرزت الدول المشاركة في ورشة عمل حول “تحسين نظم بيانات حركة المرور على الطرق”، التي نظّمتها اللجنة الوزارية للسلامة المرورية في السعودية، تقدّماً كبيراً على مستوى جودة البيانات وتحسين سياسات السلامة المروريّة لديها، باستثناء لبنان الذي حلّ في المستوى الرابع (المستوى الأقل) من حيث جودة هذه البيانات، إلى جانب دول كاليمن والصومال والعراق وسوريا وغيرها.
يشير مدير الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية كامل ابراهيم، الذي شارك في ورشة العمل، في حديث لموقع mtv، إلى “صدور تقرير عالمي بشكل دوري عن منظمة الصحة يتضمن حالة السلامة المرورية في مختلف دول العالم، ومقارنة بين مختلف الدول حول ارقام الضحايا وواقع السلامة المرورية فيها. ويعتمد على الأرقام المحلية الرسمية وتقديرات منظمة الصحة. وهذه التقديرات تكون دائماً في لبنان مرتفعة جداً، وتفوق بكثير الأرقام الرسمية المعلَنة، والسبب يعود إلى كيفية معالجة موضوع “الداتا” ومصادر المعلومات التي تعتمد على جهة واحدة، وهي قوى الأمن الداخلي التي تحقق بالحوادث. في حين أن تحسين السلامة المرورية يقتضي تطوير “الداتا”، وبالتالي تحسين مصادر المعلومات وكيفية الحصول على البيانات كي تكون معلومات صحيحة تُبنى من خلالها سياسات عامة صحيحة”.
يفنّد ابراهيم الواقع بشكل تفصيلي، موضحاً أن “ لبنان يعاني من مشكلة في حوادث السير منذ مطلع التسعينات، وحينها حصل ضغط من قبل الكثير من الجمعيات أدى إلى إقرار قانون جديد للسير في العام 2012 وطُبِّق في العام 2015، كما جرى القيام بجهود كبيرة عبر حملات التوعية وغيرها، كما صُرفت أموال من الدولة والمنظمات الدولية والقطاع الخاص من أجل السلامة المرورية، لكننا لا نملك الجواب عمّا إذا كان ذلك كلّه في المكان المناسب أم لا. والسبب هو أن “الداتا” المتعلّقة بالسلامة المرورية وبحوادث السير في لبنان غير دقيقة وغير واقعية”.
ويضيف “عدم امتلاك “داتا” دقيقة وواقعية سيؤدي حكماً إلى بناء سياسات غير دقيقة ولن تؤدي إلى نتائج إيجابية وهادفة وناجحة لأنها بُنيت على معلومات خاطئة، وهذا ما نعيشه منذ ٣٠ سنة حتى اليوم”.
ويلفت ابراهيم إلى ضرورة العمل على خطَّين، الأول متعلّق بقوى الأمن الداخلي التي تقوم بالتحقيق عند حصول حادث سير، وضرورة جمع المعلومات من موقع الحادث بشكل مبني على أسس علمية ويعطي مؤشرات واضحة حول العوامل التي ادت إلى حصول الحوادث، ما يسمح بالقيام باجراءات مضادة للحدّ من الحوادث وفرض سياسات وحملات توعية هادفة.
والثاني يتعلق بوزارة الصحة والمستشفيات، والربط بين المعلومات الصادرة عن القوى الأمنية وعن القطاع الصحي، لمعرفة أسباب الحوادث وإجراء مقارنة ومعرفة حقيقة أعداد القتلى كما أوضاع الإصابات ومدى خطورتها وما هي أنواعها.
وهنا يشدد ابراهيم على أن “حوادث السير ليست مسؤولية وزارتي الداخلية او الأشغال فقط إنما وزارة الصحة أيضاً، فالمشكلة هي صحية أيضاً وتترتّب عليها كلفة استشفائية. وبالتالي يترتب على وزارة الصحة دور أساسي من خلال إصدار “داتا” ووضع آلية مع المستشفيات الحكومية والخاصة لتكون لدينا قاعدة بيانات موحّدة مرتبطة بحوادث السير، نستطيع من خلالها معرفة عدد الأشخاص الذين يموتون بحوادث السير من وجهة نظر وزارة الصحة والربط بينها وبين “داتا” وزارة الداخلية عبر انشاء مرصد وطني للسلامة المرورية”.
“نحن اليوم في واقع سيء”، يقول ابراهيم، في حين أن معظم الدول أحرزت تقدماً أو تعمل على إحراز تقدم عبر تنويع مصادر المعلومات والربط بينها. ولفت إلى أن “لدينا مشكلة أساسية في لبنان تبدأ من لحظة حصول حادث السير وصولاً إلى لحظة إصدار بيانات متعلقة بالحوادث. فهذا المسار لم يتطوّر منذ ٢٠ سنة، ولا نزال نتعاطى مع الحوادث كأرقام وليس كضحايا يجب تشخيص حالاتهم والأسباب التي أدت لهذه الحوادث”.
“في لبنان كفاءات كبيرة لكن لا يتم توظيفها في المكان الصحيح، في حين تُعتبر بمثابة كنز في الخارج وحققت الكثير من النجاحات على مستوى السلامة المرورية”، هذا ما سمعه ابراهيم في كواليس ورشة منظمة الصحة العالمية، وهو خير توصيف لواقع السلامة المرورية في لبنان، فطرقاتنا قاتلة والمطلوب هو الكثير من العمل على الأرض وتشريعياً وفي الوزارات… ويكفي القراءة بالأرقام لمعرفة حجم الخطر الذي يحيط بنا، وقد سُجّل 15 قتيلاً في حوادث سير خلال الأيام الأخيرة فقط.
نادر حجاز -موقع mtv