اقتصاد

خبّي قرشك الأبيض ليومك الأسود”… الذهب ملاذ اللبنانيين الآم

لطالما كان الذهب الخيار الرائج عند اللبنانيين من أجل الإدّخار، بعيداً عن المخاطر في الأنظمة المصرفية التي كانت سائدة وتُعزّز هذا الإتجّاه بشكل أوسع مع بدء الأزمة الإقتصاديّة مستفيداً من فرص الإرتفاع في أسعار المعدن الأصفر عالميّاً.



يعدّد الباحث في الشؤون الإقتصادية والمصرفية د. محمد فحيلي، خلال حديث مع جريدة “الأنباء” الإلكترونيّة، أسباب الإندفاع نحو الإستثمار في الذهب، وهي التالي:
“على صعيد المصارف المركزيّة في العالم. بعد أن كان الدولار الأميركي الخيار الأوّل لمعظم المصارف المركزية للإحتفاظ بإحتياطي بالعملة الأجنبيّة، تحوّلت هذه الدول إلى المعادن الثمينة وخصوصاً الذهب والسبب هو الإرتفاع في وتيرة العقوبات التي تفرضها الخزينة الأميركيّة على أفراد وكيانات، ومن بينها مصارف مركزيّة لدول كبرى منها روسيا وإيران وتهديد بعقوبات على دول أخرى مثل الصين، بات الدولار الأميركي رغم ثباته وإستقراره عملة غير مرغوب بها بسبب مخاطر العقوبات. وزاد من الأمر تعقيداً عدّة عوامل أخرى مثل تأسيس كيانات BRICS لمحاربة الدولار، وعدم إستقرار سياسي في أوروبا خصوصاً، بسبب اليمين المتطرّف، ونقدي، خروج بريطانيا وعبء الحرب في أوكرانيا على أوروبا. وهذه هي الأسباب وراء إرتفاع الطلب على الذهب من قبل المصارف المركزية حول العالم. وكان للصين دور فاعل في الدفع نحو الإبتعاد عن الدولار الأميركي في تمويل التجارة العالميّة.
وعلى صعيد الأفراد أيضاً إرتفع الطلب على سبائك الذهب، وليس الذهب المصنع – الجواهر”، وذلك وفق ما يُشير فحيلي، “بسبب الضغوطات التضخميّة التي واكبت جائحة كورونا، الحرب على أوكرانيا وما تسبّبت به من تداعيّات سلبيّة على أسعار الطاقة والغذاء، وأخيراً الحرب على غزة. وما كان له التأثير السلبي الكبير على طلب العملة التقليدية – دولار أو يورو أو غيره – هو فشل الدول الكبرى متل أميركا وأوروبا وبريطانيا على فرض حلّ لهذه الأزمات المُتفاقمة. فشلت هذه الدول في حلّ مشكلة التضخم أيضاً التي تستمرّ حتى اليوم ومنذ من أكثر من ثلاث سنوات، وأيضاً في حل المشاكل السياسيّة والأمنيّة، بل بالعكس ساهمت في تأجيجها. فقد المواطن ثقته بالنقد (العملة) التي تقف وراءها هذه الدول وإختار الذهب والفضة بديلاً آمناّ”.



وأمّا في  لبنان، حسب فحيلي، “لطالما كان الذهب خيار “المواطن التقليدي” في الإحتفاظ بقرشه الأبيض ليومه الأسود، ولكن كان ذلك من خلال شراء المجوهرات (الذهب المُصنع)، تبدّل ذلك اليوم وأصبح الجميع يذهب لشراء سبائك الذهب والفضة والأسباب باتت معروفة”. وهنا يُشير إلى أنّنا “في  لبنان نُعاني من أزمة “لا ثقة” في الدولة والحكم والنظام المالي والنقدي والقطاع المصرفي. وفشل الدولة في تقديم الحدّ الأدنى من الخدمات كتسجيل مُمتلكات – منزل أو أرض – يدفع بإتجّاه الإستملاك المضمون وفق القانون، كشراء الذهب من “مكتف” أو “بوغوص”.

لذلك إذاً، يوضح بأنّ “الذهب غير المُصَنع أصبح هو الخيار الأفضل للإدخار عند الأفراد في مجتمعنا. قد يكون ذلك إيجابي على صعيد الأفراد ولكن إقتصادياً السيولة التي تذهب لشراء الذهب وتخزينه هي سيولة يفقدها ويفتقدها الإقتصاد المحلي، ويأتي ذلك في وقت الإقتصاد اللبناني بحاجة ماسة للسيولة للإستثمار في مشاريع منتجة تساعد على تفعيل الإقتصاد وخلق فرص عمل. الإدخار في الذهب يعني سيولة لن تُستثمر في تمويل الإستهلاك، ولم تُستثمر في مشاريع مُنتجة تُساعد في الإنتعاش والنمو الإقتصادي”.


وفي ختام حديثه، يذكر فحيلي بأنّه “كان لتأسيس “بريكس” تأثير كبير على تعزيز الطلب على الذهب عالمياً ومن الضرّوري ذكره في أي ورقة تُعالج سوق الذهب اليوم.  في 1 كانون الثاني 2024، قبلت مجموعة البريكس – المنظمة الحكومية الدولية التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا – أربعة أعضاء جدد: مصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة. وفي عام 2006، أنشأت البرازيل وروسيا والهند والصين مجموعة “بريك”. إنضمّت جنوب أفريقيا في عام 2010، لتُصبح بذلك “البريكس”. تم تصميم المجموعة لجمع أهم الدول النامية في العالم، لتحدّي القوة السياسية والإقتصادية للدول الأكثر ثراءً في أميركا الشمالية وأوروبا الغربيّة. لا يزال التأثير المُحتمل لعملة مجموعة البريكس الجديدة على الدولار الأمريكي غير مؤكّد، حيث يناقش الخبراء قدرتها على تحدّي هيمنة الدولار. ومع ذلك، إذا إستقرّت عملة البريكس الجديدة مُقابل الدولار، فقد يؤدّي ذلك إلى إضعاف قوّة العقوبات الأميركية، ممّا يؤدّي إلى مزيد من الإنخفاض في قيمة الدولار”.


الانباء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com