كيف تصبح “اللبنانية” جامعة منتجة
على أهمية افتتاح مصنع تجميع وانتاج أجهزة ألكترونية في الجامعة اللبنانية بدعم من مؤسسة طلال أبو غزالة للتقنية، والذي ينقل الجامعة إلى مرحلة جديدة ويمنحها صفة الإنتاجية، إلا أن الطريق لا يزال طويلاً لتتحول المؤسسة إلى جامعة منتجة بالمعنى المتعارف عليه أكاديمياً وعلمياً، طالما أن إمكاناتها محدودة، وهو ما يطرح تساؤلات عن الدعم وتوظيفه في مشاريع تمكّن الجامعة من بناء مراكز أبحاث وإنتاج بالاتفاق مع شركات عالمية ومؤسسات تستطيع من خلالها تأمين مستلزماتها وتغذية رصيدها في سوق العمل.
لا شك في أن دعم #مؤسسة أبو غزالة يشكل رافعة للتحول الى جامعة منتجة، لكن يجب التنبه إلى أن الشركة لها حساباتها ككل المؤسسات في #القطاع الخاص، وبالتالي فإن دعمها وتوفير كل ما يلزم لبناء المصنع يبقى إسقاطاً من الخارج على الجامعة التي تحتاج إلى زيادة مواردها وتعزيز مراكز بحوثها ومختبراتها ومؤسساتها بالتوازي مع تطورها تكنولوجياً وفي برامجها الاكاديمية.
تتحوّل الجامعة اللبنانية منتجة عندما تصبح قادرة على تقديم خدماتها بالتوازي مع المحافظة على وظيفتها العلمية والأكاديمية، وهذا يستدعي أن تكون الجامعة مستقلة أو أقله تتمتع بصلاحيات واسعة كانت موجودة لديها قبل العام 1997، وتنظم أمورها عبر مجالسها الأكاديمية والديموقراطية بعيداً من الاصطفافات السياسية والتدخلات التي تحرف وظيفتها العلمية والبحثية. وعلى هذا ليست أهداف الجامعة المنتجة أن تتحول إلى شركة تجارية، بل كيف تصب المراكز الانتاجية التابعة لها، وهي لا تقتصر على مصنع أو مشغل أو مختبر، في تأدية رسالتها ضمن مهماتها الرئيسية.
لا تقتصر الدلالة أيضاً على الجامعة المنتجة، تصنيفها العالمي، إذ أن لمؤسسات التصنيف العالمية معايير مختلفة في ما يتعلق بالنظر إلى صفة الجامعة المنتجة. وفي ما يتعلق بالجامعة اللبنانية هناك عشرات الآلاف من المتخرجين ومنهم الكثير من يعكمل في مؤسسات عالمية متنوعة الاختصاصات، ساهموا في رفع تصنيف الجامعة على مستوى السمعة المهنية وغيرها من المعايير، لكن ذلك يبقى مهدداً ما لم تتمكن المؤسسة من التطور ورفد السوق بمتخصصين في مجالات التكنولوجيا، لا بل تمكن الجامعة من الحصول على اعتمادات دولية جديدة، وعقد اتفاقات مع مراكز انتاج ضمن استراتيجية تعليمية تراعي واقعها الفعلي وتواكب التحديات العالمية، وتردم الفجوة مع سوق العمل، خصوصاً في ضوء الثورة التكنولوجية والعصر الرقمي والذكاء الاصطناعي.
شروط حمل الجامعة اللبنانية صفة المنتجة، وهو مصطلح لا يزال يثير الكثير من الجدل، أن يجري التعامل معها بنظرة مختلفة كشرط لتصويب أمورها واستقامة أوضاعها. والأمر لا يقتصر على مساعدتها مالياً، بل في احتضانها كمؤسسة للتعليم العالي لها وظيفة مختلفة عن سائر مؤسسات الدولة. وألا يبقى النظر إلى الجامعة على أنها مكان للتنفيعات والتوظيف وتقسيمها وفق محاصصة سياسية وطائفية. فالجامعة اليوم ورغم صمودها وتحقيقها إنجازات تُحسب لأهلها ومكوّناتها وسياسة رئيسها المختلفة عن ممارسات سابقة تتناقض مع الوظائف الأكاديمية ودور وزير التربية والتعليم العالي المحتضن لها في غياب مجلسها، هي تمر في مرحلة صعبة، ولا بد من مقاربة قضاياها بطريقة ترفع الممارسات المتمثلة بالفيتوات السياسية والتي تحجز تطورها بتعليق ملفاتها وأُخذها رهينة لأهداف سياسية وحسابات ومصالح ضيّقة.
كلما أمعنت القوى السياسية في اعتبار الجامعة مؤسسة تحت جناحها لا تكترث لوظيفتها على المستويين العلمي والأكاديمي ولدورها الجامع لأكثرية طلاب لبنان، تخسر هذه الجامعة من رصيدها وتفاقم اختلالاتها. وإذا استمرت هذه النظرة إلى الجامعة، فستبقى عندئذ تحتاج إلى دعم مالي وبدلات إنتاجية وحوافز لأساتذتها، وتفقد بالتالي رياديتها وتحولها إلى جامعة منتجة. واليوم هناك فرصة لتحصين الجامعة وإقرار ملفاتها… فلننتشلها من براثن التقاسم البغيض؟
“النهار”- ابراهيم حيدر