هذا ما يقتل سمير جعجع
أفرزت الإنتخابات النيابية عام 2022، مجلساً نيابياً لا غلبة فيه لطرف سياسي على آخر. وهذا ما زاد التعقيد في الحياة السياسية إذ بات من المستحيل أن يحكم طرف في السلطة وحده، وخير دليل على ذلك هو عدم قدرة أي فريق سياسي على إيصال مرشحه لرئاسة الجمهورية.
مع احتدام المعركة السياسية بين محوري “الممانعة” و”المعارضة”، يتضح أن رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، يعتبر نفسه البوصلة في مسيرة المواجهة مع “حزب الله”، وأي فريق أو تكتل نيابي لا يتناغم مع “القوات” في خطابها السياسي يُعتبر “ميني ممانع” بنظرها.
وقد نجح جعجع في تكبير حجم كتلته عبر خلق جبهة معارضة من 32 نائباً تضمّه إلى الكتائب وآخرين، وشكّلت “القوات اللبنانية” قوة الدفع الأساسية لها بحكم أنها تشكّل 60 % من ثقلها.
هذه النظرية التي يفرضها سمير جعجع، مستعيناً بجيشه الإلكتروني وإعلامييه ونوابه لا تصحّ. لا سيما أن المتمرّسين في الوسط السياسي هم ليسوا قلّةً قليلة، بل كثرةً كثيرة. وإذا كان جعجع يريد من جميع السياسيين الوقوف في صفه بمواجهة الحزب، فهذا حلم يستحيل تحقيقه. فلكل سياسي خياراته وقراراته وظروفه التي تفرض عليه اتباع نسق وخطاب سياسي محدد.
وما قتل سمير جعجع بالمعنى السياسي للكلمة، هو أنه لم ينجح في استقطاب الحالة الوسطية التي أفرزتها الإنتخابات النيابية، وخصوصاً السنّية منها. لذلك يعتبر جعجع أن الوسطيين هم من يمنعون اكتمال عناصر المواجهة مع الثنائي الشيعي.
والوسطيّون بمنظار جعجع، لا يشملون “التيار الوطني الحر”، الذي رغم اجتهاد رئيسه جبران باسيل لإظهار نفسه في موقع الوسطي، إلاّ أن أياً من القوى السياسية تصدّق ذلك، ويتعاطى الجميع مع حركته على أنها مناورة ومحاولة تحسين شروطه في وجه الثنائي الشيعي إلى أن يتخلّص من ترشيح سليمان فرنجية.
لكن جعجع كان يأمل بأن تكون له وصاية على الكتلة السنّية معوًلاً على قربه من المملكة العربية السعودية من جهة وعلى غياب الرئيس سعد الحريري من جهة أخرى لتحقيق ذلك، وإذ بمجريات الأحداث والإستحقاقات، تُفشل هذا الرهان.
خطورة ما قام به جعجع، ليس في طموحه لتوسيع دائرة نفوذه وتأثيره السياسي، انما في أنه حاول وما زال يعمل على ضرب “الوسطية السياسية” وهو أخطر ما يمكن الإقدام عليه في السياسة، لأن الوسطيين لطالما لعبوا دوراً في تقريب وجهات النظر بين الفريقين المختلفين، وشكلوا أساساً في تثبيت معادلة “لا غالب ولا مغلوب”. أمّا المجازفة بوضع البلد ضمن معادلة ثنائية متفجّرة لمحورين متناحرين على امتداد المنطقة، فهي وصفة في بلد كلبنان لحرب أهلية وفتنة داخلية لا يمنع حصولها إلاّ بقاء هذه الحالة الوسطية على قيد الحياة.
“ليبانون ديبايت” – محمد المدني