لبنان مطوّق بالفساد والفاسدين
الفساد في لبنان ليس ظاهرة حديثة، لكنه استشرى بشكل ملحوظ بعد انتهاء الحرب الأهلية وتوقيع اتفاق الطائف، وارتبط الفساد في لبنان بالعديد من العوامل التاريخية، الاجتماعية، الاقتصادية والسياسية، مما يجعله تحديا كبيرا أمام جهود التنمية والاستقرار.
اما أسباب ومكامن الفساد في لبنان فيعزوها سياسي مخضرم “عايش” مرحلتي دستور العام 1943 ودستور الطائف الذي اقر في العام 1990 الى العوامل التالية:
اولا: النظام الطائفي والمحاصصة، لجهة التوزيع الطائفي للسلطة، اذ يُعد النظام الطائفي في لبنان الركيزة الأساسية التي يقوم عليها النظام السياسي منذ استقلال البلاد، وتقاسم السلطة بين الطوائف أدى إلى تقاسم المؤسسات والمناصب العليا وفقا للانتماءات الطائفية، مما عزز من ثقافة الولاءات الطائفية على حساب الولاء للوطن. وايضا، المحاصصة السياسية، اذ يؤدي هذا النظام إلى توزّع الحصص في الحكومة بين الطوائف، بحيث تُعين كل طائفة ممثليها في المناصب العليا بناءً على المحسوبيات والولاءات، مما يؤدي إلى تضخم البيروقراطية وانتشار الفساد داخل المؤسسات الحكومية.
ثانيا: ضعف مؤسسات الدولة، لجهة غياب الرقابة الفعّالة، لان ضعف المؤسسات الرقابية والمحاسبة يؤدي إلى غياب المساءلة، مما يشجع على ممارسات الفساد دون خوف من العقاب، وبعد اتفاق الطائف، تم إضعاف مؤسسات معينة مثل القضاء لصالح أخرى، مما ساهم في انتشار الفساد. كما ان البيروقراطية المتضخمة المتمثلة في كثرة المؤسسات والهيئات الحكومية المتداخلة أدت إلى إبطاء اتخاذ القرارات وتعزيز الفساد الإداري.
ثالثا: التداخل بين السلطة السياسية والاقتصادية، وابرز تجلياته تحالفات رجال الأعمال والسياسيين، اذ يوجد تداخل كبير بين السلطة السياسية ورجال الأعمال في لبنان، بحيث يتعاون الجانبان في تقاسم الثروات والمناصب، وهذا التحالف أدى إلى استغلال المال العام لتحقيق مصالح خاصة، مما يعزز من ثقافة الفساد. ناهيك عن الخصخصة المشبوهة، ف في مراحل ما بعد الحرب الأهلية، شهد لبنان عملية خصخصة للعديد من المؤسسات العامة، لكن بدون آليات شفافة، مما أفسح المجال أمام الفساد والمحسوبية في توزيع الثروات الوطنية.
رابعا: التدخلات السياسية الخارجية، واخطره التمويل الخارجي للجماعات السياسية، كون تتلقى العديد من الجماعات والأحزاب السياسية في لبنان تمويلا خارجيا يخدم أجندات دول معينة، مما يؤدي إلى تضارب المصالح واستغلال النفوذ لتعزيز الفساد، وهذا ما عزز من الوصاية الخارجية، اذ تأثرت القرارات السياسية اللبنانية لسنوات طويلة، ولم تزل، بتدخلات خارجية من دول إقليمية ودولية، مما جعل بعض القوى المحلية تتصرف بما يتماشى مع مصالح هذه الدول على حساب المصلحة الوطنية.
خامسا: الأزمة الاقتصادية والبطالة والركود الاقتصادي، لانه مع تراجع النمو الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة، يلجأ البعض إلى الفساد كوسيلة لتأمين دخل إضافي، وهذا الوضع يزيد من احتمالات استغلال النفوذ لتحقيق مكاسب شخصية. كما ان الفقر وتدهور الخدمات العامة الناجم عن تدهور الأوضاع المعيشية وضعف الخدمات العامة، يؤديان إلى لجوء المواطنين إلى دفع الرشاوى للحصول على حقوقهم أو تسريع الإجراءات، مما يعزز من ثقافة الفساد.
سادسا: الثقافة المجتمعية، اي القبول الاجتماعي للفساد وهذا الامر هو الاخطر، ويعتبر بعض اللبنانيين الفساد جزءًا من الحياة اليومية ويقبلون به كأمر واقع، وهذا التسامح الاجتماعي يعزز من انتشار الفساد ويعوق جهود مكافحته. كذلك الامر بالنسبة الى التغاضي عن الفساد الصغير، ويُعتبر الفساد الصغير (مثل الرشاوى البسيطة) مقبولا بشكل واسع في المجتمع اللبناني، مما يخلق بيئة تُسهّل انتشار الفساد على نطاق أوسع”.
اما أسباب استفحال الفساد بعد الحرب الأهلية واتفاق الطائف، فيعزوها السياسي المخضرم “الى ثلاثى عوامل اساسية وهي:
1-تقاسم السلطة وفق الطائف، اذ أسهم اتفاق الطائف في ترسيخ النظام الطائفي في لبنان، حيث تم توزيع السلطة بين الطوائف الكبرى، مما أدى إلى تعزيز الطائفية بدلاً من إضعافها، وهذا التوزيع خلق بيئة مواتية للفساد، حيث أصبح الولاء للطائفة أهم من الولاء للوطن.
2- إعادة الإعمار والتنمية، وما رافقه من الاستغلال المالي، كون لبنان شهد بعد الحرب الأهلية حملة كبيرة لإعادة الإعمار، تضمنت تدفق أموال ضخمة على البلاد. ولكن، غياب الشفافية والرقابة أدى إلى استغلال هذه الأموال من قبل اركان السلطة لتحقيق مكاسب شخصية.
3- الاعتماد على المساعدات الدولية، وسوء إدارة المساعدات، بعدما تدفقت المساعدات الدولية بعد الطائف بدون آليات رقابة فعالة، مما أدى إلى سوء إدارة هذه الأموال واستخدامها بشكل غير مشروع، الامر الذي عزز من مستويات الفساد”.
وقدم السياسي المخضرم “جملة من مقترحات للقضاء على الفساد، ومنها؛ تعزيز الشفافية والمساءلة، عبر تفعيل قوانين مكافحة الفساد، اذ يجب تفعيل القوانين الموجودة وتعزيز دور المؤسسات الرقابية لضمان تنفيذها بشكل فعال، ويجب فرض عقوبات صارمة على من يثبت تورطه في قضايا الفساد. وتحقيق الشفافية في المناقصات، بحيث يجب ضمان الشفافية في جميع المناقصات الحكومية وتقديم تقارير دورية عن كيفية إنفاق الأموال العامة. والاهم إصلاح النظام الطائفي من خلال تطوير نظام انتخابي غير طائفي يعتمد على الكفاءة والتمثيل الوطني بدلا من الطائفية، لتقليل النفوذ الطائفي الذي يعزز الفساد، وتعزيز الهوية الوطنية اللبنانية والابتعاد عن الولاءات الطائفية، مما يقلل من تأثير المحاصصة السياسية التي تعتبر أساسًا للفساد. وتعزيز دور المجتمع المدني، من خلال دعم منظمات مكافحة الفساد لزيادة وعي الجمهور والمطالبة بالإصلاحات، وتنظيم حملات توعية مجتمعية حول آثار الفساد وكيفية التصدي له، مما يعزز من وعي المواطنين ويشجعهم على المشاركة في مكافحة الفساد، وتحقيق استقلالية القضاء وضمان عدم تدخل السياسيين في عمله، مما يضمن تحقيق العدالة ومحاكمة الفاسدين بغض النظر عن انتماءاتهم، ويمكن إنشاء محاكم خاصة للنظر في قضايا الفساد وتسريع إجراءات المحاكمة. والاهم هو التعاون الدولي لاستعادة الأموال المهربة من لبنان، وتقديم الدعم الفني والقانوني لمكافحة الفساد، والالتزام بتطبيق الاتفاقيات الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد والتعاون مع المنظمات الدولية المختصة. وتحسين الوضع الاقتصادي عبر التركيز على خلق فرص عمل للشباب وتحفيز الاقتصاد من خلال تشجيع الاستثمار وتحسين بيئة الأعمال، مما يقلل من دوافع اللجوء إلى الفساد، وإصلاح النظام الضريبي لضمان عدالة التوزيع وتقليل التهرب الضريبي الذي يُعدّ من مصادر الفساد”.
ورأى السياسي المخضرم ان “القضاء على الفساد في لبنان يتطلب جهودًا متكاملة تشمل إصلاح النظام السياسي، تعزيز دور المؤسسات الرقابية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحقيق هذه الأهداف سيعزز من فرص التنمية المستدامة ويعيد الثقة بين المواطن والدولة.”
داود رمال – أخبار اليوم