اتهامات إسرائيلية لنتنياهو: يدخل عنزات سوداء لغرفة المفاوضات لتفجيرها
نقلت الإذاعة العبرية الرسمية، صباح اليوم، عن “مصدر متداخل في مداولات الدوحة” قوله إن طاقم المفاوضات يبذل مساعي يائسة من أجل إنقاذ صفقة، موجهاً سهام انتقاداته لرئيس حكومة الاحتلال نتنياهو: لا يتوقّف عن إدخال “عنزات سود” لداخل غرفة المفاوضات.
وطبقاً للمصدر المذكور، فإن عدداً من طاقم المفاوضات بقي في قطر على أمل إنقاذ الصفقة العالقة، لكن القمة التي يدور الحديث عنها في نهاية الأسبوع غير مؤكدة، لعدم التقدّم في المحادثات.
وفي تطرّقه لمعاندة نتنياهو في نقطة الخلاف المركزية المتعلة بالصفقة- انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من محور صلاح الدين (فيلادلفيا)– قال المصدر المذكور إن من يدير المفاوضات فعلياً ويتحكّم بكل تفاصيلها هو نتنياهو بشكل كامل، مشدداً على أن المسؤولية عن النتائج تقع على عاتق نتنياهو.
وتجدّدت الانتقادات الإسرائيلية بالتصريح والتلميح والتسريب لنتنياهو، عقب أقواله لبعض عائلات المحتجزين، في اجتماعهم أمس، بأن إسرائيل لن تخرج بكل الأحوال من محور فيلادلفيا ومن محور نيتساريم، رغم الضغوط الخارجية والداخلية الكبيرة.
وتنقل الإذاعة العبرية الرسمية عن مصادر في طواقم المفاوضات قولها إن “أقوال نتنياهو هذه تهدف لتفجير المداولات، ولا يوجد تفسير آخر لها”، معلّلة ذلك بالقول إن “رئيس الوزراء يدرك أننا في ذروة فترة حساسة للغاية، ونحن ننكب على ابتكار حلول لمسألتي فيلادلفيا ونيتساريم، قبيل القمة القادمة، وهو يعي وجود تقدّم، ولذا يطلق تصريحات معاكسة لما تمّ التوافق عليه مع الوسطاء”.
وختمت الإذاعة العبرية باستذكار ما بثّته أول أمس، بأن البعثة الإسرائيلية التي ستغادر للقاهرة لمواصلة المداولات ستحصل على تخويل محدود من نتنياهو، وتنقل عن مصادر في طاقم المفاوضات قولها إنه في الوضع الراهن لا يمكن تحقيق توافقات. وسارع مكتب نتنياهو للرد بفظاظة على هذه التسريبات بالقول إن هذه أخبارٌ كاذبة جديدة تصدر عن جهات تردّد دعاية “حماس” الكاذبة، منوهاً أنها، وبخلاف موقف رئيس الحكومة، رفضت مقترح التجسير والوساطة الأمريكية، وترفض حتى المشاركة في المفاوضات.
وكانت القناة 12 العبرية قد كشفت، قبل يومين، عن اجتماع متوتر جداً بين نتنياهو ورؤساء المؤسسة الأمنية الذين وبّخهم على طريقة إدارتهم المفاوضات، رافضاً تأكيدهم أنه لا قيمة عسكرية لاستمرار السيطرة على محوري فيلادلفيا ونيتساريم.
وفي التزامن، كشفت عن مطالبة وزير الأمن غالانت، في رسالة لنتنياهو، بضرورة نقل اتخاذ القرارات الحاسمة للكابنيت، لأن إسرائيل على مفترق طرق إستراتيجي، وأنه بدون صفقة ستجد نفسها أمام خطر حقيقي بالتدهور لحرب إقليمية.
يعود خالي الوفاض
بيد أن مصادر وجهات إسرائيلية وأمريكية وعربية ترفض مزاعم نتنياهو، وتعرب عن غضبها من موقفه، فقالت، تزامناً مع مغادرة وزير الخارجية الأمريكي المنطقة خالي الوفاض، في تصريحات لصحيفة “بوليتيكو” الأمريكية، إن مداولات الصفقة على حافة الانهيار.
ولا يكترث نتنياهو بالضغوط الداخلية والخارجية، ويتمسك بمآربه وأطماعه بتعطيل الصفقة من أجل إطالة أمد الحرب طمعاً بـ “انتصار مطلق”- استسلام المقاومة الفلسطينية، وهذا ما تعتبره جهاتٌ إسرائيلية أيضاً وهماً وسراباً. وهذا لجانب أطماع أخرى جديدة وقديمة، أبرزها صورة انتصار تعيده للحياة السياسية مستقبلاً، وتبقيه بصورة إيجابية بالذاكرة الإسرائيلية، وهو “سيّد الأمن” (وفق أبواقه)، المسكون بهاجس التاريخ، وصاحب “الأنا المتضخمة” الجريحة، بعد ضربة المطرقة بالرأس في السابع من أكتوبر التي تلقّاها هو شخصياً. ويبدو أن اغتيال هنية وشكر جاءا جزءاً من البحث عن استدراج الولايات المتحدة للصدام العسكري المباشر، وهذا يفسّر تركيزه عليها في خطابه في الكونغرس، قبل شهر، طامعاً بأن هذا سيكسبه عجل نجاة من السقوط من شرفة التاريخ، ومن سدة الحكم ويستعيد نفسه قبل ضربة “طوفان الأقصى”.
ثمن الصفقة
على خلفية هذه الحسابات، وغيرها، نتنياهو يعطّل جهود الصفقة، ويدخل “العنزات السود” لغرفة المفاوضات لأنه غير مستعد، هو وحكومته، لدفع ثمن الصفقة، خاصة أنه يعي أن صور الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم وهم يرفعون شارات الانتصار داخل الحافلات التي ستخرجهم من سجون الاحتلال من شأنها زعزعة حكومته اليمينية، التي طالما زاودت على المعارضة بقبضتها الحديدية مع الفلسطينيين. ولذا لا يكترث نتنياهو بموت المخطوفين في غزة، حتى بنيران إسرائيلية، وهو يفضّل تخليص جثامينهم على المخاطرة بكسبه، وفق ما يؤكده اليوم أيضا المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل.
ويتقاطع معه مراقبون إسرائيليون كثر يرون أنه من ناحية نتنياهو فإن المخطوفين ليسوا ذخراً، وبالتأكيد ليس إستراتيجيا، كما يقول محلل الشؤون الحزبية والسياسية في الصحيفة يوسي فرطر.
ومن أجل التضليل، وخلط الأوراق، وتشويش الرؤية، يصعّد نتنياهو خطاب الشعبوية، في الأيام الأخيرة، كالقول، على سبيل المثال، إنه يريد مفاوضات “أخذ وعطاء”، لا “عطاء وعطاء”، متكاتباً مع شهوة الانتقام في الشارع الإسرائيلي، وعدم مشاركة كمية كبيرة من الإسرائيليين في الاحتجاجات خوفاً من أن يصبّ ذلك الماء على طاحونة “حماس”، ولأنهم هم أيضاً يخشون من توقّف الحرب دون انتصار، أو صورة انتصار، مقابل فصائل فلسطينية محاصرة منذ عشرين عاماً.
في التزامن، يغادر بلينكن المنطقة، تاركاً وراءه تصريحات متفائلة فارغة، وحالة ترقب، وأجواء متوترة، ويبدو أن زيارته فعلاً جاءت لكسب الوقت، وتبريد إيران و”حزب الله” وتمرير مؤتمر الحزب الديموقراطي في شيكاغو دون احتجاجات واسعة مناصرة للفلسطينيين ومناهضة للدعم الأمريكي للاحتلال.
يغادر بلينكن البلاد، في ختام زيارة خاطفة، هي العاشرة منذ اندلاع الحرب المتوحشة على غزة، يترك المنطقة التي تتساءل من الرأس ومن الذنب؛ أمريكا أم إسرائيل؟ أم أنهما جسد وكيان واحد؟ مثلما يترك داخل الأخيرة سجالات متزايدة حول الصفقة العالقة، خاصة غداة الكشف عن استعادة ستة جثامين لمحتجزين إسرائيليين، بعضهم سبق أن ناشد نتنياهو، في شريط فيديو، بإنقاذهم، وكل ذلك في ظل استذكار أوساط إسرائيلية تفويت فرصة حقيقية لاستعادتهم أحياء، في آذار الماضي، عندما عرضت “حماس” إرجاعهم بعدما لم تجد عدداً كافياً من النساء ضمن مداولات “صفقة نساء” في حينه، وهذا كلّه يعمّق الجدل وحالة الانقسام الداخلي.
القدس العربي