التنمّر الأسري يخلخل كيمياء دماغ الأطفال
لا يختلف اثنان على ان الأم المتنمرة يمكن أن تؤذي أطفالها بشكل كبير، سواء جسدياً أو نفسياً. ولهذا التصرف تأثيرات سلبية طويلة الأمد في الصحة النفسية والعاطفية للأطفال الذين يتعرضون للتنمر من قبل والدتهم، مما يؤدي الى انخفاض الثقة بالنفس، القلق، الاكتئاب، وصعوبة في تكوين علاقات صحية في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، قد يظهر الأطفال سلوكيات سلبية كرد فعل للتنمر، مثل العدوانية أو الانسحاب الاجتماعي. ويتطلب التعافي من هذه التجارب دعماً نفسياً وعلاجياً للطفل.
وتُعَرف الإساءة الأبوية بأنها مجموعة من الافعال العدوانية أو الضارة التي يمارسها الآباء والأمهات تجاه أبنائهم، وتتنوع من الإهمال العاطفي واللفظي إلى العنف الجسدي والنفسي. بحيث تدمر هذه الممارسات معنويات الأطفال، وتخلق نتائج كارثية على المدى البعيد. في هذا السياق، يؤكد الخبراء ان تنمر الأمهات على أبنائهن يسبب آثارا نفسية شديدة تتجلى في الاكتئاب، القلق، وفقدان الثقة بالنفس، وفي حالات قصوى، قد تدفع هؤلاء الأطفال إلى التفكير في الانتحار أو الإقدام عليه.
بالموازاة، تشير الدراسات إلى وجود علاقة وطيدة بين التعنيف والتنمر الأسري والانتحار لدى الأطفال والمراهقين. اذ تولد الإساءة المتكررة شعورا باليأس وفقدان الأمل، مما يزيد من خطر التفكير في قتل النفس. يُضاف إلى ذلك الشعور بالعزلة الاجتماعية وعدم القدرة على الهروب من البيئة السامة، مما يعزز من هذه الأفكار السلبية. من الناحية العلمية، يمكن للتنمر المستمر أن يؤثر في كيمياء الدماغ، مما يؤدي إلى اضطرابات في المزاج والسلوك.
وفي هذا الإطار، تكررت فصول التنمر والتعنيف الاسري مؤخرا في لبنان، حيث سجن والد ابنه البالغ من العمر سنتين في مرآب للسيارات قبل ان تقوم الأجهزة الأمنية بتحريره، بينما انتحر القاصر ع. ر. قبل 7 أشهر بسبب تنمر والدته عليه.
سيكولوجية الام المتنمرة
من جهتها، أوضحت الاختصاصية النفسية والاجتماعية غنوة يونس لـ “الديار” ان الأمهات اللواتي يتنمرن على أطفالهن قد يعانين من اضطرابات نفسية مثل اضطراب الشخصية الحدية أو النرجسية، والتي تتسم بعدم الاستقرار العاطفي، والصعوبات في الحفاظ على العلاقات الصحية، والسعي المتواصل للسيطرة والتلاعب بالآخرين. قد تكون الأم المتنمرة تحت ضغوط نفسية كبيرة، مثل الفقر، المشكلات الزوجية، أو غياب الدعم الاجتماعي، مما يزيد من احتمالية تصرفها بشكل غير سوي وصحي تجاه أطفالها”.
وأضافت “ان الأمهات اللواتي تعرضن للإساءة في طفولتهن قد يعاودن إنتاج هذه الأنماط السلوكية مع أطفالهن، مما يؤدي الى ارتكاب أفعال مأسوية سواء من قبل الام او الطفل”.
عقد نفسية “بالجملة”
واردفت “اما في ما يخص الصحة النفسية، قد يعاني الولد الذي يتعرض للتنمر من قبل أمه من مشكلات نفسية خطرة مثل الاكتئاب، القلق، واضطرابات الهوية. وأظهرت الدراسات أن الأطفال الذين يواجهون الإساءة العاطفية والنفسية من قبل ذويهم يكونون أكثر عرضة للإصابة بقضايا نفسية على المدى الطويل، بما في ذلك الاكتئاب والقلق”.
خلل عقلي!
واكدت “ان الطفل قد يفكر في الانتحار كوسيلة للهروب من الألم، ويبدأ بتطوير سلوكيات عدائية وكبت تجاه نفسه مما قد يدفعه الى ازهاق روحه للتخلص من هذا الشعور، ويواجه صعوبات في بناء علاقات صحية وثقة بالنفس”.
وأضافت “يعتمد فهم سيكولوجية الأم المتنمرة وتأثير تصرفاتها في الأطفال على مجموعة من العوامل النفسية والاجتماعية والبيئية. وفي هذا الإطار، كشفت الدراسات عن أن الأمهات اللاتي يعانين من تشويش نفسي وضغوط شديدة، أو تعرضن للإساءة في طفولتهن، يكنّ أكثر عرضة لممارسة سلوكيات ضارة تجاه أطفالهن. وهذا بدوره يؤدي إلى آثار نفسية وسلوكية جسيمة على الأطفال، تشمل الاكتئاب، القلق، والسلوكيات الانتحارية او تنمية الشخصيات السيكوباتية”.
أسباب تحول الام الى “وحش”!
وقالت يونس: “تتعدد الأسباب والعوامل النفسية والاجتماعية التي قد تدفع الام الى التنمر على اطفالها، ومنها:
1. الاعباء النفسية: قد تكون الأم تحت ضغوط نفسية شديدة نتيجة ازمات مالية، او مهنية مما يؤثر في قدرتها على التحكم في غضبها فتفرغه على اطفالها.
2. تجارب سابقة: إذا تعرضت الام للتنمر خلال مراحل حياتها، فقد تعيد هذه السلوكيات بشكل غير واعٍ مع اطفالها.
3. اضطرابات: قد تعاني بعض الأمهات من ازمات نفسية مثل الاكتئاب، القلق، أو اضطرابات الشخصية، مما ينعكس على سلوكهن تجاه أطفالهن ويجعلهن يتنمرن عليهم.
4. نقص الدعم الاجتماعي: قد تقاسي الأم من العزلة الاجتماعية أو عدم وجود دعم كافٍ من الزوج أو الأسرة، مما يفاقم شعورها بالعجز ويدفعها للتصرف بعدوانية تجاه أطفالها.
5. جهل بأساليب التربية الصحيحة: قد تفتقر بعض الأمهات إلى معرفة طرق التنشئة الصحيحة ويعتقدن أن التنمر أو الأساليب القاسية ضرورية لضبط سلوك صغارهن.
6. غياب النموذج الإيجابي: إذا لم تتلق الأم نموذجا إيجابيا في تعاملها مع الآخرين أو مع أطفالها من قبل والديها، فقد تجد صعوبة في تطبيق سلوكيات إيجابية مع أطفالها.
وانطلاقا من كل ما تقدم، “يكمن الحل بضرورة تلقي الأم التي تتنمر على أطفالها الدعم النفسي والاجتماعي اللازم لمعالجة أسباب هذا السلوك، وكذلك تعلم أساليب التربية الصحية التي تساعدها على بناء علاقة إيجابية وسليمة مع أطفالها”.
الأذى واحد
وأشارت الى ان التنمر والتعنيف هما نوعان من السلوكيات السلبية التي يمكن أن تؤذي الآخرين، لكن هناك فرق بينهما رغم ارتباطهما في بعض الأحيان. فالتنمر هو سلوك متعمد ومتكرر يهدف إلى إيذاء شخص آخر وقد يكون لفظيا مثل الشتائم أو السخرية، جسديا كالضرب أو الدفع، أو اجتماعيا من خلال العزل أو تشويه السمعة، وغالبا ما يحدث في سياقات اجتماعية معينة مثل المدرسة أو العمل. بينما التعنيف يعني استخدام القوة أو التهديد لإلحاق الضرر بشخص آخر، ويكون جسديا مثل الضرب أو الركل، أو نفسيا عن طريق التهديد أو التحكم القسري، ويحدث عادة في العلاقات الشخصية أو داخل الأسرة ويمكن أن يكون عرضيا أو دائما”.
الارتباط بينهما!
وختمت “يمكن أن يكون التنمر شكلا من أشكال التعنيف، بخاصة إذا كان يتضمن اعتداءً جسديا أو نفسيا مستمرا. بشكل عام، كلا السلوكين يعكسان سعي المعتدي لإثبات القوة أو السيطرة على الضحية”.