انتهى الردّ.. ويا دار ما دَخلك شر
عندما استفاق لبنان والجنوب أمس الأوّل على هدير الطائرات الحربية الإسرائيلية وأصوات الانفجارات من جراء الغارات على أربعين موقعاً لحزب الله، اعتقدنا جميعاً أن الواقعة قد وقعت والحرب الشاملة قد اندلعت، لكن الـ “أكشين” لم تدم لأكثر من ساعة عندما بدأ حزب الله يصدر بياناته التوضيحية حول الردّ الأولي على اغتيال إسرائيل القائد العسكري فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية الشهر الماضي.
وبين بيانات الحزب وإعلانات القيادة الإسرائيلية حول القيام بعملية استباقية ضد حزب الله لتدمير منصات إطلاق الصواريخ باتجاه الشمال الإسرائيلي وصولاً إلى مشارف تل أبيب، ضاعت “الطاسة”.
البيان الأول للحزب أعلن عن انطلاق الرد الانتقامي، فيما سارع البيان الثاني بعد نحو نصف ساعة ليعلن نهاية الرد وانتهاء المهمة، واعداً بإطلالة للسيد نصرالله تكشف الهدف المقصود في تل أبيب.
وعاش اللبنانيون قلق اندلاع مواجهات شاملة على جانبي الحدود وفي العمق اللبناني، لكن العملية انتهت هنا “وكل واحد يرجع ع بيتو” بحسب تعبير السيد حسن نصرالله بعيد السادسة مساء.
فماذا حصل بالضبط؟
-في كلام الأمين العام للحزب كان تأكيد على أن إسرائيل اكتشفت الاستعداد للرد قبل حصوله فبادرت إلى القيام بضربة استباقية، ما يعني تفوقاً إستخبارياً يعتمد على الاستطلاع الجوي وبعض العملاء.
-كان واضحاً أيضاً الإقرار ببعض الخسائر العسكرية عندما قلل السيد من كلفة منصات إطلاق الكاتيوشا، لافتاً في الوقت عينه إلى عملية نقل المنصات الكبرى قبل الرد، ما جعل الغارات الإسرائيلية من دون أضرار تُذكر. وهنا يمكن التوقف عند العدد المحدود ونوعية الصواريخ التي استخدمها الحزب فهو لم يستخدم الصواريخ البالستية ولم يجهّز ستة آلاف صاروخ.
حاولت إسرائيل تضخيم ردّ حزب الله، لتضخّم أمام الإسرائيليين حجم الحماية التي أمنها الجيش لتل أبيب والقواعد العسكرية المهمة التي استهدفها الحزب، لكنّ من تمعّن بوجهي بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت فهم جيّداً أن رد حزب الله على اغتيال شكر لم يخلُ من مخاطر كثيرة، لعلّ أهمها كسر هيبة إسرائيل وجيشها الذي لا يقهر وفرض معادلة جديدة تقوم على “تل أبيب مقابل بيروت” و”إذا وسّعتم، وسّعنا”.
-حاولت السلطة الإسرائيلية في تصاريح مسؤوليها على المستوى العسكري التأكيد على إشراك الولايات المتحدة في الضربة الاستباقية التي وجهها الجيش إلى حزب الله، من خلال رئيس هيئة الأركان المشتركة الموجود في المنطقة، الأمر الذي نفته مصادر أميركية مكتفية بتأكيد مراقبة التطورات عن كثب.
-سارعت صحيفة إسرائيل هيوم إلى النقل عن مصادر إسرائيلية القول “إذا كان حزب الله راضياً عن ردّه فإن الأمور ستنتهي هنا، لأننا لا نرغب بحرب شاملة”، وقد التقى هذا الموقف مع ما أعلنه السيد نصرالله مساء الأحد من أن “العملية انتهت والكل يرجع ع بيتو”، محتفظاً بحق الرد مرة أخرى إن أظهرت الأيام أن الرد الأولي لم يكن كافياً.
ومع اكتفاء حزب الله بهذا الرد، الذي لم يبلغ قاعدة غليلوت بحسب التأكيد الإسرائيلي، كما لم يوقع إصابات داخل إسرائيل، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أن الحرب المقبلة مع حزب الله “ستأتي في المستقبل البعيد وليس الآن”.
-من هذين الموقفين يمكن أن نفهم أن المفاوضات قد بدأت، والتسوية شقّت طريقها نحو إرساء تفاهمات تعيد الأمور إلى ما قبل اغتيال شكر، وربما إلى ما قبل طوفان الأقصى، بسيناريو أميركي أشرف على إخراجه من دون أضرار رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأميركية، ويا دار ما دخلك شر.