“الشّورى” أمام القرار “الصّعب”
أثيرت الكثير من التساؤلات حول تعذّر صدور قرار عن مجلس القضايا لدى مجلس شورى الدولة في شأن مراجعة الطعن التي تقدّم بها قائد قطاع جنوب الليطاني في الجيش العميد إدغار لاوندس من أجل وقف تنفيذ قرار وزير الدفاع موريس سليم التمديد لعضو المجلس العسكري اللواء بيار صعب و”اعتباره باطلاً”. قرار “الشورى” بقبول طلب وقف التنفيذ من عدمه يعتبر محطّة مفصليّة في سياق الحرب الدائرة بين وزير الدفاع وقائد الجيش العماد جوزف عون، فما الذي حصل داخل “الشورى”… وخارجه؟
يُفترض بسبب طابع العجلة للقرار أن يدعو رئيس مجلس “الشورى” فادي الياس قريباً إلى جلسة لإعلان القرار في شأن مراجعة الطعن بعدما حال مرض أحد الأعضاء دون إكمال نصاب الجلسة.
قبل انتهاء مهلة الحثّ (ليست ملزمة) لاستصدار قرار في شأن طلب وقف تنفيذ قرار وزير الدفاع تمّ تحديد موعد لالتئام مجلس القضايا لدى “الشورى” الثلاثاء 27 آب، لكنّ غياب القاضي يوسف نصر أفقد الهيئة نصابها. فالأخير كان يعاني حالة صحّية استدعت دخوله المستشفى، وهو يتماثل للشفاء، وقد تعقد قريباً جلسة لأخذ القرار، وفق مصدر في “الشورى”.
في المقابل، تجزم أوساط مطّلعة أنّ هناك انقساماً سياسياً-قضائياً حول وقف تنفيذ القرار بسبب تداعياته المباشرة على العلاقة بين الوزير وقائد الجيش وداخل المؤسّسة العسكرية، فأدّى ذلك إلى تعثّر أخذ القرار في “الشورى”.
تتألّف هيئة مجلس القضايا حالياً (أعلى هيئة قضائية) من القاضي فادي الياس رئيساً (ماروني)، والقضاة يوسف نصر (ماروني)، فاطمة الصايغ (سنّية)، يوسف الجميّل (ماروني) ورانيا بو زين (درزية) أعضاء.
يكتمل النصاب من خلال حضور خمسة أعضاء من أصل عشرة، ويتمّ التصويت بالأكثرية، ولذلك أعاق غياب القاضي نصر التئام المجلس. مع العلم أنّ ثلاثة من رؤساء الغرف الأصيلين في “الشورى” من أصل خمسة (عضويّتهم حكميّة في مجلس القضايا) أحيلوا سابقاً إلى التقاعد، وهم القضاة نزار الأمين (شيعي) وطلال بيضون (سنّيّ) وميراي عفيف (مارونية). وبالتالي غياب أيّ عضو يُفقِد المجلس نصابه.
يُذكر أن ليس من نصٍّ أو عرفٍ يتعلّق بالانتماء الطائفي لأعضاء مجلس القضايا، لكنّ عدد أعضاء مجلس الشورى قليلٌ (نحو 60 قاضياً، قلّة منهم هم من الأرثوذكس والكاثوليك).
جلسة الحسم
هكذا سيتعيّن على “الشورى” أن يحسم مدى قانونية القرار الذي اتّخذه الوزير سليم في 12 حزيران الماضي بالتمديد للّواء صعب (موقع كاثوليكي ضمن المجلس العسكري) استناداً إلى قانون التمديد لقادة الأجهزة الأمنيّة رقم 317.
قوبل هذا القرار بالرفض من جانب قائد الجيش. لاحقاً دخلت رئاسة مجلس الوزراء على الخطّ طالبة رأي هيئة التشريع والاستشارات حول المستفيدين من قانون التمديد، فأقرّت الهيئة بحصريّة استفادة العماد عون والمدير العامّ لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان والمدير العامّ للأمن العامّ بالوكالة اللواء الياس البيسري والمدير العامّ لأمن الدولة اللواء طوني صليبا.
طلب تدخّل
بعد تقديم وزير الدفاع مطالعته الجوابية إلى هيئة القضايا في وزارة العدل جواباً على التبليغ بمراجعة الطعن من قبل العميد لاوندس قام اللواء بيار صعب، وقبل أيام قليلة من التئام مجلس القضايا، بتقديم “طلب تدخّل” لأنّه معنيّ مباشرة بقرار وزير الدفاع الذي يفترض أن يبقيه في الخدمة الفعليّة حتى أيلول 2025.
هنا تقول مصادر الشورى لـ “أساس”: “يأخذ الشورى علماً بطلب اللواء صعب ويرسله للتبليغ للجهات المعنيّة، وخطوته لا تؤثّر على المهل الزمنية لاستصدار القرار بوقف التنفيذ أو عدمه، حيث يتبلّغ لاحقاً أوراق المراجعة والقرارات الصادرة عن الشورى”.
معسكران
عمليّاً نحن أمام معسكرَين:
– جهات مؤيّدة لوزير الدفاع تؤكّد أنّ وقف تنفيذ قرار التمديد لصعب يتطلّب عدّة شروط قانونية لا تتوافر في حالة العميد لاوندس (مواليد 1970)، خصوصاً أنّ ضبّاطاً آخرين يسبقونه بالأقدمية قد تقع عليهم القرعة لتعيينهم بالأصالة، وأنّ خطوة لاوندس منسّقة مع قائد الجيش من ضمن الصراع المفتوح ضدّ وزير الدفاع. كما يشدّدون على صلاحية وزير الدفاع بالتمديد لصعب وقانونية خطوته استناداً إلى القانون 317.
– جهات مؤيّدة لقائد الجيش والعميد لاوندس تؤكّد أنّ الأخير هو الأقدم بين الضبّاط الكاثوليك الذين يحقّ لهم التعيين في المجلس العسكري، وهناك فعلاً ضبّاط إداريون واختصاصيون يسبقونه بالأقدمية، لكن يصعب تعيينهم في موقع عسكري قيادي وتنفيذي. وبالتالي يحقّ للعميد لاوندس الاعتراض ضمن الأطر القانونية على قرار يَحرمه من احتمال التعيين بموقع أعلى.
إبطال القرار؟
أمّا لناحية إبطال قرار الوزير من أساسه فهو مسار يستغرق مهلة زمنية أطول بحيث يمكن أن لا يصدر قرار عن “الشورى” قبل موعد إحالة اللواء صعب إلى التقاعد في 27 أيلول المقبل. وهذا الأمر نقطة حسّاسة قد تنعكس خلافاً أكبر بين الوزير وقائد الجيش حول قانونية وضع اللواء صعب.
في هذا السياق يقول مصدر في مجلس الشورى لـ “أساس”: “يختلف الإبطال عن قرار وقف التنفيذ. فإذا صدر قرار بوقف التنفيذ يعني هذا الأمر إحالة اللواء صعب حتماً إلى التقاعد في 27 أيلول. وإذا صدر قرار بردّ وقف التنفيذ يستفيد صعب من التمديد. فكلّ القرارات الإدارية على اختلاف أنواعها من مراسيم ومذكّرات وقرارات تعتبر نافذة بمجرد صدورها إلا إذا أوقفها “الشورى”.
يضيف المصدر: “لكن إذا بقي صعب في موقعه بسبب عدم صدور القرار وأصدر “الشورى” لاحقاً قراره في تشرين الأول أو الثاني وأعاد وقف التنفيذ، عندها تنتهي خدمة صعب العسكرية. وفي حال ردّ “الشورى” المراجعة بعدما سبق له أن أوقف تنفيذ القرار، عندها يستعيد الأخير حقوقه بمفعول رجعي. أمّا إذا أبطل القرار فهذا الأمر يتناسب مع قراره السابق بوقف التنفيذ”.
صراع متعدّد الأوجه
يتمسّك وزير الدفاع بصلاحيّاته وقانونية خطوته ويفصلها عن مسار المواجهة بينه وبين قائد الجيش، فيما تسلّم قيادة الجيش بأنّ وزير الدفاع مدّد لضابطين في المجلس العسكري (صعب والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد مصطفى) استناداً إلى قانون صدر عن مجلس النواب لا يشملهما، والدليل رأي هيئة التشريع والاستشارات الذي حصر المستفيدين من القانون بقادة الأجهزة الأمنية فقط.
بالخلاصة، يصبّ هذا المشهد في سياق صراع ذي منحى عسكري يبدو أن لا نهاية له بين وزير الدفاع وقائد الجيش على الرغم من محاولات الصلحة، ومواجهة سياسية قاسية بين قائد الجيش والنائب باسيل الذي يُسجَّل حراك خفيّ له راهناً من أجل منع التمديد لقائد الجيش. وبدرب هؤلاء تبرز مواجهة نادرة داخل المؤسّسة العسكرية بين ضابطين أحدهما برتبة لواء والآخر برتبة عميد استدرجت اصطفافات لضبّاط آخرين تأييداً لكلّ منهما.
من دون أدنى شكّ سيلعب قرار مجلس الشورى بشأن التمديد للّواء صعب، إضافة إلى قراره في مراجعة الطعن التي قدّمها وزير الدفاع ضدّ قرار مجلس الوزراء تعيين اللواء حسّان عودة رئيساً للأركان من دون الأخذ باقتراحه وتوقيعه، دوراً أساسياً في تأجيج الخلاف داخل اليرزة وخارجها.
يجزم كثر بتسلّل الحسابات السياسية إلى أروقة “الشورى” كما العديد من المرافق القضائية، سيّما أنّ مصير اللواء عودة الذي لم يصدر مرسوم تعيينه والتمديد للّواء صعب مرتبطان بشكل وثيق بقرار التمديد المحتمل لقائد الجيش قبل نهاية العام، وستكون هذه المعركة إحدى المعارك الكبرى السياسية إذا لم يكن أوان التسوية قد نضج بعد.
ملاك عقيل – اساس ميديا