التعليم المهني بدلا من الجامعي في لبنان.. خطوة قد تدرّ ذهبًا
ما قبل الأزمة الإقتصادية التي ضربت لبنان ليس كما بعدها تمامًا، خاصةً على صعيد التعلم والبحث عن المهن، أو بناء المستقبل. فعليًا، اختلفت العقلية الأكاديمية التي باتت ترافق الطالب اللبناني، فقبل أن تضرب الأزمة الاقتصادية لبنان، كانت الصورة العامة للتعليم الأكاديمي والمستقبلي واضحة ومحددة لدى الطلاب. كانت المسارات التقليدية مثل الطب، الهندسة، والقانون هي الخيارات التي يعتبرها المجتمع بوابة النجاح والضمانة الأكيدة لحياة مهنية مزدهرة، إذ عمل الطلاب وعائلاتهم على استثمار كل ما لديهم من جهد ومال للوصول إلى هذه الاختصاصات التي كانت تمثل سلّم الرقي الاجتماعي والمادي.
وصولا إلى اليوم، ومع تبدّل الوضع العام داخل البلاد، تغيّرت هذه المعادلة الجذرية مع وجود صعوبة لدى الطلاب الدخول في نفق هذه الإختصاصات، وانصب الاهتمام أكثر على الاختصاصات التي من شأنها أن تفتح أفاقًا إما للخارج، أو تعتبر من الاختصاصات التي تؤمّن عملا بشكل يومي، في الداخل، وهنا نتكلم بالتحديد عن الاختصاصات المهنية التي تلقنها المعاهد الفنية والمهنية في لبنان، حيث توعز المصادر التربوية هذه النقلة إلى عدة اسباب أهمها أن الالتحاق بالمعاهد المهنية ولو أنّه مكلّف في ميادين بعض الإختصاصات إلا أنّه لن يكون أبدًا بحجم تكلفة الجامعات، إذ إن الإختصاصات المكلفة كالهندسة والطب باتت في بعض من الجامعات حكرًا على فئة معينة من الطلاب.
وللتذكير، فإن جامعات لبنان الخاصة كان يستطيع طلاب الطبقة المقتدرة والمتوسطة الدخول إليها نسبة إلى توفر منح دراسية، بالاضافة إلى القروض المالية التي كانت تقدمها البنوك، والتي كانت تسهّل الطريق أمام طلاب الطبقة الوسطى لدراسة الإختصاصات المُكلفة، وفي جامعات مرموقة. إلا أن الوضع اليوم انقلب رأسًا على عقب، مع تمنع البنوك عن تقديم القروض، واضطرار الطلاب الى سلوك إما طريق الجامعة اللبنانية في حال نجح في اختبارات الدخول، أو الذهاب نحو اختصاصات أخرى، أو أخذ خيار المعاهد المهنية في المرحلة الثانوية.
من ناحية أخرى، تمثل هذه الخطوة نقلة بالنسبة للأشخاص الذين يريدون الخروج من لبنان، خاصة نحو الدول الخليجية، التي لا تزال ترى إلى حدّ الان في اللبناني الفرصة الذهبية التي لا يمكن تفويتها، بدءًا من تسليمه المراكز الإدارية داخل الشركات العملاقة، وصولا إلى وظائف البنك، والهندسة، والطب، والقانون، وانتهاء بالمهن الحرة.
وحسب أرقام غير رسمية، فإن حركة الهجرة الاخيرة التي سجّلها لبنان خلال الخمس سنوات الماضية، والتي تركّزت بمجملها نحو الخليج، شهدت هجرة يدّ عاملة لا يستهان بها أبدًا، إذ غذّت طبيعة هذه الهجرة أسواق الخليج بالعمال المهنيين، خاصة على صعيد المقاولات، والإنشاءات، والديكور، وأعمال الحلاقة سواء للرجال أو النساء، والإهتمام بالمظهر، وغيرها الكثير من الأعمال المهنية. وتؤكّد أرقام حركة الهجرة، أن هذه الزيادة أثبتت إصرار اللبناني على العمل والتعلم خارج القواعد التقليدية المتعارف عليها، حيث أصبحت دول الخليج أو حتى الأوروبية اليوم وجهة الممتهن والفني المتخصص بأي نوع من الأعمال، هذا عدا عن الأعمال التي تختص بالتقنية، وأعمال الضيافة والمطاعم، إذ تؤكّد دائرة التسويق السياحي والتجاري في دبي أن المطاعم اللبنانية هي الأكثر انتشارًا في البلاد، تليها المطاعم السورية.وتمكن العديد من الاشخاص بناء سلسلة منها بسبب الذوق والمهنية وأصول الضيافة، حيث صقلها كثيرون داخل المعاهد اللبنانية.
محليًا.. كيف هو وضع المعاهد؟
هذه النجاحات التي حقّقها المهنيون والفنيون في الخارج، والذين تخرجوا من لبنان يقابلها قطاع تعليمي يحاول الصمود أمام الأزمة التي تضرب البلاد وهو قطاع التعليم المهني والتقني في لبنان، الذي بات يحوز على اهتمام واسع من قبل الطلاب لارتباطه الاساسي بالسوق اللبناني، ولتمكنه من إعداد وصقل مواهب الطلاب.
وعن مدى قدرة المعاهد الفنية على الاستمرار في صقل المواهب اللبنانية، تقول المديرة العامة للتعليم المهني والتقني الدكتورة هنادي بري أن المعاهد مستعدة كما كل عام لفتح أبوابها امام الجميع، فلا الأزمة ولا الحرب ستسطيع أن توقف عمل هذه المعاهد.
وتشير خلال اتصال عبر “لبنان24” إلى أن السنة الماضية كان الإقبال أكثر من جيد من قبل الطلاب الذين اتخذوا قرار الدخول إلى المعاهدة المهنية، ونتطلع الى أن يكون الامر نفسه هذا العام.
وتلفت بري إلى أن عملية سلوك طريق المعاهد الفنية تعود في الدرجة الأولى إلى الوضع الإقتصادي الذي ضرب البلاد، موضحة أن الطلاب يأخذون هذا الخيار إيمانًا منهم بنتائجه الإيجابية على صعيد أعمالهم واختصاصاتهم المستقبلية.
في السياق، لا تقلّل بري من أهمية التعليم المهني، إذ تشير لـ”لبنان24″ أن هذا الخيار من شأنه أن يفتح أفاقًا كبيرة بالنسبة إلى الطلاب، إذ سيستطيع الشخص أن يبني ثقافة معينة وخبرة باختصاص ما خلال وقت معين وبسرعة ملحوظة، وهذا ما سيجعله يتّجه نحو سوق العمل، خاصة على صعيد المنظمات التي تستقطب هؤلاء الطلاب.
ماذا عن استعدادات العام الجديد؟
تؤكّد المديرة العامة للتعليم المهني والتقني الدكتورة هنادي بريلـ”لبنان24″ أن المعاهد صامدة وستبدأ سنتها الدراسية كالمعتاد، مشيرة إلى أن الدوامات تناسب جميع الطلاب، وطرق التدريس سواء الحضوري أو الأونلاين هي سلسة جدًا، نسبة إلى الأوضاع التي تمرّ بها البلاد.
وتلفت إلى ان “إدارات المعاهد، وبالتعاون مع وزارة التربية سيكون لديها كامل الإستعداد للتعاون لأجل إنجاح العام الدراسي تماما كما كل عام، وهذا ما نتطلع إليه حاليا، إذ إن المديرية تعمل على رصد الأوضاع كافة، وتأمين كل التسهيلات التي ستسمح للطلاب الانطلاق بعام دراسي طبيعي رغم كل ما يحيط بالبلاد”.
وأملت بري خلال حديثها أن تنتهي الحرب في الجنوب ليتسنى للجميع استكمال مسيرتهم التعلمية بشكل آمن.