ماذا وراء “تفجير البيجر” رسالة خطيرة جداً
لا مقاييس ومعايير يمكنها وصف المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل بحق اللبنانيين، أمس الثلاثاء، وذلك عبر تفجير أجهزة “البيجر” اللاسلكية المحمولة بواسطة عناصر تابعة لـ”حزب الله” في مختلف المناطق.
الحادثة التي حصلت جاءت تزامناً مع التهديد الإسرائيليّ بشن غزو ضد لبنان وإقامة منطقة عازلة حدودية. فعلياً، فإن ما يتبين هو أن تل أبيب أرادت بدء الهجوم من الداخل اللبناني عبر إسداء رسالة خطيرة لـ”حزب الله” مفادها أن أجهزتك مخروقة وأن العمل على اصطياد عناصرك أمرٌ محسوم.
الخرق الذي حصل سيخلط أوراق الميدان رأساً على عقب، وعملياً، فإن “حزب الله” بات حالياً يتحضر لسيناريوهات عسكرية وحربية أكبر من تلك التي كانت قائمة، فهذه المرة بات الأمر مُختلفاً والخرق طال آلاف العناصر بشكلٍ مباشر، في حين أنّ الاستهداف تخطّى حدود الجبهة الجنوبية وانتقل إلى بيروت ومناطق لبنانية أخرى.
بشكلٍ أو بآخر، فإن ما حصل قد يمثل مقدمة لدى “الحزب” باتخاذ خطوات أكثر شراسة، لكن الاختبار سيكون كبيراً في هذا الإطار. مع هذا، إن تم النظر قليلاً إلى مضمون ما تفعله إسرائيل خلال الفترة الأخيرة، ستنكشف تماماً خطتها الهادفة للتوغل داخل لبنان عبر الحرب البرية والسيبرانية على حدّ سواء.. فماذا فعلت تل أبيب في هذا الإطار؟ وماذا يعني كل ما حصل بالنسبة للحزب؟
ما يبدو هو أن إسرائيل حاولت مراراً وعبر أكثر من طريقة توجيه ضرباتٍ عسكرية لمنصات الصواريخ التابعة للحزب، وقد ظهر هذا الأمر مُرتكزاً في عمليات القصف التي تمت في أكثر من منطقة وعلى مدى فترات متقاربة وتحديداً عقب الرد الذي نفذه “حزب الله” ضد إسرائيل يوم 25 آب الماضي انتقاماً لاغتيال تل أبيب أحد أكبر قادته وهو الشهيد فؤاد شكر.
في الواقع، ما ظهر هو أن إسرائيل حاولت توجيه ضربات تعتقد أنها تساهم في إضفاء خلل على قاعدة الحزب العسكرية وتحديداً في نقاط متقدمة من الجنوب، على اعتبار أن هذا الأمر سيعني تأثيراً مباشراً على قدرة الحزب العسكرية خلال أي محاولة هجوم إسرائيلية. هنا، يمكن أن يكون هدف إسرائيل هو إلغاء أي بنى تحتية ذات أصول موجودة، ما يمهد لها، بحسب اعتقادها، الطريق نحو “تطهير المنطقة” التي تريد أن تجعلها تحت جناح منطقة عازلة..
ولكن، هل هذا الأمر تحقق فعلاً؟ الإجابة هنا هي لا، والدليل على ذلك هو أنه حتى الآن، ما زالت العمليات مستمرة من الحدود وعند خطوط متقدمة، في حين أن مسألة الصواريخ ومداها ومنصاتها خرجت من إطار التداول لأن التطور الذي حكمها بالإضافة إلى المستويات المتقدمة التي ترتبط بها تخطت إطار النقاش لأن القدرات العسكرية التي كشف “حزب الله” عن جزء منها جعلت الحديث عن مسألة المنصات وأماكنها أمراً “مضى عليه الزمن”، فالتركيز يرتبط الآن بحجم الأضرار والضربات التي يمكن أن تشهدها إسرائيل في حال حصول أي غزو، فيما عملية الحوثيين ضد تل أبيب قبل يومين هي الدرس الأكبر الذي يستوجب التعلم منه.
“البيجر” والاغتيالات.. رسالة خطيرة
وبالعودة إلى مسألة تفجير “البيجر”، فإن ما يظهر هو أنها لا تقل خطورة عن الاغتيالات التي لحقت بقادة “حزب الله”، فالصدمة كبيرة حقاً بسبب طبيعة الخرق الأمني الذي حصل وبالتالي المساهمة بتفجير أجهزة في وقت واحد متزامن.
حالياً، بات الحزب أمام مرحلتين جديدتين من العمل الاستخباراتي: الأولى ترتبط بكيفية تطويق الاغتيالات والثانية تتعلق بكيفية تعزيز أجهزته الالكترونية والتقنية باعتبار أن الخرق الذي طاله قد يكون مرتبطاً بثغرة داخلية.
بشكل أو بآخر، فإن ما يظهر هو أن بيئة “حزب الله” باتت مستهدفة بشكل مباشر هذه المرة، بينما الخطر الأكبر يتحدّد في أن الاستهدافات تجري عن بُعد ومن دون أي وسائل قتالية، كما أنه يمكن إيقاع أكبر عددٍ من الضحايا والجرحى بـ”عملية واحدة”. لهذا السبب، يبرز خطر “الخرق” الكبير الذي بات على “حزب الله” مواجهته، فالأجهزة التي بحوزته قد لا تكون آمنة خصوصاً إن كانت جديدة، ولهذا السبب فإن إسرائيل تسعى قدر الإمكان إلى إعادة الحزب تقنياً إلى الوراء من خلال الاستغناء عن أي أجهزة جديدة قد تكون مُفخخة أو مخروقة تقنياً، وهنا الرسالة الخطيرة جداً.
أما بالنسبة للاغتيالات، فلا يمكن نكران أنّ الحزب تأثر حقاً بالأحداث التي طالت قادته، فالتصفيات التي حصلت خطيرة وهدفها ضرب العقول الإستراتيجية والتخطيطية. لكن على المقلب الآخر، تقول مصادر معنية بالشأن العسكريّ إن “حزب الله” يسعى باستمرار لتعزيز بنيته العسكرية وصفوف قادته حتى وإن كانت الخسائر التي طالته كبيرة على صعيد الصفوف المتقدمة، لكن هذا الأمر لا يعني أن الحزب لم يخسر بالحد الأدنى مفكرين استراتيجيين ومخططين وأصحاب رؤية عسكرية راسخة وواضحة.
بحسب المصادر، فإنه وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الحزب لديه قدرات وعقول مهمة جداً، وبالتالي فإن مسألة التأهيل لديه قائمة، وبالتالي فإن ما وضعه شكر وغيره من القادة الذين تم استهدافهم سيجري استثماره في أي حرب، ما يعني أن المنحى القتالي سيبقى قائماً بقوة حتى وإن كانت هناك خسارة لعقول عسكرية جوهرية وخطط محورية.والانظار ستكون موجهة الى ما سيعلنه الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله غدا.