ملف تعليم النازحين قتبلة لبنانية متفجرة
لا شك في أن ملف تعليم النازحين السوريين يشكل معضلة لبنانية عامة، وهي ليست وليدة اليوم بل هي تراكمت منذ أن بدأ تدفق النازحين في العام 2012. هذه الأزمة بلغت ذروتها خلال السنوات الماضية مع وجود نحو 700 ألف سوري في عمر المدرسة، تستوعب المدارس اللبنانية أقل من نصفهم فيما عدد كبير لا يستطيع التسجيل لعدم حيازته أوراقاً قانونية أو مسجل على لوائح مفوضية اللاجئين، أو يقيمون في البلد ويعملون بصفة شرعية.
اليوم تتسلط الأضواء على ملف النازحين مجدداً من خلال قرار الحكومة وتعميم مديرية التعليم المهني بتسجيل النازحين من دون حيازتهم إقامة قانونية، علماً أن الأعداد قليلة في المهني مقارنة بالتعليم العام. ذهبت الأمور إلى حد اعتبار القرار أنه يساهم في التوطين، من دون دراسة أو الالتفات إلى ما يمكن أن يحمله عدم تسجيلهم على المجتمعات الأهلية، خصوصاً وأن القرار هو للعام الدراسي الحالي وفق ما أوضحته وزارة التربية ومنع التحاقهم في العام 2025- 2026.
تركيز الحملة على تسجيل السوريين يغيّب المشكلة الأساسية المتعلقة بقضية النزوح كلها وعدم قدرة الدولة منذ العام 2012 على إدارة هذا الملف وإدخاله في آتون الصراع السياسي والطائفي. فالقرار المتخذ لا علاقة له بمعالجة شاملة لقضية النازحين، ولا دعوتهم للاستقرار في لبنان، فهم موجودون إذا سجلتهم المدارس أو بقوا في الشوارع. وإذا لم يتم تسجيل السوريين في المدارس، هل هذا يعني عودتهم إلى سوريا؟
سيبقى مسار تعليم النازحين السوريين في لبنان في دائرة الجدل، طالما لم تتوافر خطة لبنانية جامعة لمعالجة هذه القضية، أو أقله الاتفاق بين المكونات والقوى على خطة سياسية تتجاوز الاصطفافات القائمة. فحتى لو تراجع مجلس الوزراء عن قراره وألغي تعميم مديرية التعليم المهني ستستمر المشكلة بوجود عشرات آلاف النازحين غير المسجلين، علماً أن استيعابهم في المدارس لا يعني دمجهم مع التلامذة اللبنانيين، فهو مسار منفصل، وبالتالي فإن ما يثار حول الأزمة ليس له علاقة بالتعليم إنما يتجاوز ذلك انطلاقاً مما أثير من مخاوف حول التوطين أو التغيير الديموغرافي وكسر التوازنات الطائفية.
يتأكد اليوم وجود نحو 700 ألف من الأولاد السوريين النازحين في عمر المدرسة بين 3 و17 سنة، حيث بلغت نسبة المسجلين منهم في التعليم الرسمي والخاص في العام الدراسي 2022- 2023، 28 في المئة، من العدد الإجمالي للتلامذة في لبنان، البالغ بين سوريين ولبنانيين مليوناً و260 ألف تلميذ، بينما لم يتجاوز حجم استيعاب السوريين ضمن خطة الاستجابة في ذلك العام الـ40 في المئة من الاولاد، اي أن 60 في المئة بقوا خارج المدارس الرسمية، وتسربوا بعد مرحلة التعليم الاساسي.
ووفق المعلومات إذا سمح يتسجيل الأولاد النازحين كلهم سترتفع نسبتهم في المدارس الرسمية والخاصة إلى 35 في المئة من العدد الإجمالي لتلامذة لبنان. ويطرح استيعاب الأولاد غير الحائزين على أوراق قانونية مشكلة التمويل من الجهات المانحة، والتي تراجع دعمها في الشق الإنساني، وهو ما يستدعي تحركاً حكومياً لإعادة توفير التمويل الذي يصب أيضاً في تغذية صناديق المدارس، وتوفير الأموال للتجهيزات والتأهيل ودعم المعلمين وأيضاً فتح مدارس جديدة لفترة بعد الظهر.
وعلى الرغم مما يرتبه استيعاب مدارس لبنان أكثر من 350 ألف تلميذ نازح من قلق وأخطار محدقة، فإن بقاء هؤلاء في الشارع يطرح أيضاً أسئلة عن ملف النازحين وقدرة البلد على تحمّل أعبائهم والتي ستؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى تغيير في نسيجه وتركيبته الاجتماعية وديموغرافيته. وعليه لا بد من نظرة مختلفة لهذا الملف بعيداً من الاستهدافات السياسية والطائفية أو الاستثمار في المصالح الخاصة، فمعالجة مشكلة النزوح هي مسألة لبنانية عامة أولاً وأخيراً.
ابراهيم حيدر – النهار