التوصل إلى “خيط” مهم في التحقيقات حول الـ”بيجر
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
بدل ردع “حزب الله” عن القيام بمناورة برّية تجاه إسرائيل أو دفعه لإيقاف معركة “إسناد غزة”، صار الحزب بعد “مجزرة البيجر” عنده شهية أكبر للحرب ولقتال العدو وللذهاب بعيداً في القتال. وإضافةً إلى تراكم المشاعر بهذا الشكل، أصبح يمتلك شرعية أكبر للحرب ولمواجهة العدو الإسرائيلي بوصفه خطراً وجودياً على لبنان. شهيةٌ مستقاة من التضامن الوطني الواسع الذي التفّ حول الحزب وشهدائه وجرحاه بعد المجزرة، من أقصى لبنان إلى أقصاه، ومن الأداء الإسرائيلي الحربي جنوب لبنان. وباستهداف إسرائيل للحزب وفق هذا الأسلوب الإجرامي الصريح، والتسبّب بمحاولة قتل 5000 من عناصره وفق توصيف السيد حسن نصرالله أمس، يكون الحزب قد تحرّر من ضوابط عدة كانت تطوّقه منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، ولم يعد يتحاشى مثلاً تنويع استهدافاته بما يتناسب والأهداف التي يعمل عليها، ولو كلّف ذلك عبور حدود القصف باتجاه عمق الكيان. بناءً عليه، من المفترض أن تبدأ التبدلات والتغييرات في التكتيكات بالظهور على الجبهة.
إذاً خطّط بنيامين نتنياهو لإرباك الحزب وبيئته وجبهته الداخلية، ودفعه مرغماً إلى التنازل والقبول بفصل الجبهات، والموافقة على المقترح الأميركي بوقف القتال عند “الجبهة الشمالية”، وحاول إرساء ضغوطات عليه تدفعه إلى ذلك، لكن ما حصل هو أن الحزب زاد إصراراً على التلاحم بين الجبهتين الغزاوية والجنوبية، إنما دفع ب”حزب الله” نحو استبدال تكتيكاته رغم الإيحاء الإسرائيلي بالتراجع إلى حدود قبول فقط بمسار “إعادة السكان إلى مستعمرات الشمال”، وهو الغباء الذي أشار إليه السيد حسن نصرالله خلال خطابه أمس.
بعيداً عن النتائج، فإن تركيز المقاومة اليوم، إلى جانب الميدان الذي شهد أمس تطورات هائلة تمثلت في سقوط قتلى وجرحى في صفوف جيش الإحتلال بعمليات لم يكشف عن مضمونها بعد، يرتبط بالوصول في التحقيق الذي افتتح على أكثر من مسار، إلى خلاصات واضحة تُجنّب الوقوع في هذه الهفوة مرة أخرى وتجيب على تساؤلات أساسية.
عملياً، أدى “11 أيلول الضاحية” إلى إجراءات دقيقة وخاصة خضع إليها جسد الحزب خلال اليومين المنصرمين كنوع من ردّ الفعل الداخلي على العدوان، وايضاً كنوع من “الوقاية”. جاء ذلك مترافقاً مع التحقيقات التي تجري بصورة خاصة من جانب “أمن المقاومة”، وبصورة عامة من جانب بعض أجهزة التحقيق في الدولة اللبنانية، وذلك بعدما أصدر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي، إستنابة قضائية وزّعت بموجبها صلاحية التحقيق بين مديرية المخابرات في الجيش اللبناني وفرع المعلومات لدى قوى الأمن الداخلي. وفي المعلومات، أن المقاومة ستتعاون مع الأجهزة الأمنية في تبادل المعلومات، على أن يتولى كل فريق إجراء تحقيقاته بنفسه، مع الإشارة إلى أن المقاومة تجري تحقيقاً خاصاً داخل جسمها بمعزل عما يجري خارجه.
ويفترض بهذا التحقيق أن يسلك طريقه نحو تجميع داتا واحدة مفصلة. وثمة مسار مطروح على النقاش اليوم، يتمثل في الضغط على الدولة التايوانية للتوسع في تحقيقاتها وتبادل المعلومات مع الجانب اللبناني، خصوصاً وأن ما جرى يرتقي إلى مستوى الجريمة الدولية، ويضرّ بسمعة التجارة الدولية والتبادل التجاري، مع الإشارة إلى أن تايوان فتحت تحقيقاً حول احتمال تورّط الشركة المصنِّعة لجهاز “بيجر” بالتلاعب به أو تفخيخه.
لا صورة حاسمة بعد عن طبيعة التفجير الذي تعرضت له أجهزة الـ”بيجر” نهار الثلاثاء الماضي، وفي ما بعد أجهزة “آيكوم” اللاسلكية في اليوم الذي يليه، إنما هناك تقديرات واستنتاجات معينة، بعضها مبنيّ على معلومات تقنية مصدرها خبراء في المجال والبعض الآخر مبني على دراسة بعض الحالات التي عثر عليها من خلال بقايا أجهزة متفجرة أو أجهزة أخرى لم تنفجر.
بحسب معلومات “ليبانون ديبايت”، فإن أحد الأجهزة الامنية أجرى يوم الأربعاء الماضي دراسةً مستفيضة شكّلت أساس تقرير أمني احتكم فيها إلى خبراء في مجال المتفجرات وخبراء تقنيين، عرض خلالها جملة من التكهنات والفرضيات بهدف الوصول إلى تفسير حول ما جرى.
وقد حاول المشاركون تفكيك كل نظرية كالآتي:
الفرضية الأولى التي تمّ بحثها تتصل في مدى احتمال استخدام بطارية جهاز الـ”بيجر” كوسيلة تفجير عن بعد من دون الإستعانة بأي مواد أخرى، وذلك من خلال إشغال معالج الجهاز بقدر كبير من الرسائل يؤدي إلى إرباكه ما ينتج عنه انفجار البطارية نتيجة ارتفاع حرارتها. أجمع الخبراء على أن هذه الوسيلة غير فعالة في جهاز مماثل يستخدم موجات الراديو القصيرة المدى ولديه حدود معينة لتلقي المعلومات ويحتاج إلى تقنية هائلة لتزويده بكم من الرسائل دفعة واحدة.
الفرضية الثانية تحدثت عن تزويد بطارية الجهاز وهي من نوع “ليثيوم” بمواد متفجرة مسلحة بواسطة شريحة إلكترونية تقوم بعملية تزويد المواد المتفجرة الموضبة داخل البطارية بشحنة، ما يؤدي إلى انفجارها عند تلقي رسالة مرمّزة. لكن بقي أمر لا يحتمل تأمين هذه العملية يتصل في إعادة شحن البطارية مرة بعد أخرى وهي حركة كيميائية قد تزيد من سخونة البطارية، ما يعرّضها للإنفجار نظراً إلى أن المتفجرات المستخدمة في التفخيخ من نوع حسّاس.
النظرية الثالثة تعد قريبة إلى المنطق، استُند فيها إلى حالة اكتشاف طريقة تفخيخ لجهاز من نوع “آبل” في إحدى البلدان الأوروبية (عرضت صوره)، حيث تمّ تزويد بطارية الجهاز بناقل حركة يعطي إشارة كهربائية ترفع من درجة حرارة البطارية مما يولد شحنة تؤدي إلى الإنفجار. بهذا المعنى، وضعت فرضية تقوم على تقسيم بطارية الجهاز إلى قسمين. قسم يُشكّل بطارية “الليثوم” والقسم الآخر عبارة عن جزء غير متحرك تمّ حشوه بغرامات قليلة من المادة المتفجرة الحسّاسة (والإفتراض أنها من نوع البنتريت شديدة الحساسية) وتمّ تزويده بمفجّر إلكتروني يتلقى الأمر من خلال جهاز البيجر نفسه، ثم يتمّ توضيب البطارية بطريقة احترافية عبر إخفاء عيوبها. والإعتقاد هنا يقوم على إرسال شيفرة معينة في لحظة واحدة ساهمت في تفجير كافة الأجهزة المستهدفة دفعة واحدة. ما يدعم هذه النظرية وجود أجهزة لم تنفجر نتيجة عدم تفعيلها.
بقيت مسألة قيد البحث تتعلق بأجهزة “آيكوم”. التقدير الحالي أن نفس طريقة التفجير استُخدمت في هاتين الوسيلتين، لكن الأمر العالق يتصل في انفجار بطاريات ليثيوم تعود لأجهزة “آيكوم” وهي غير مفعّلة، أي أنها لم تكن موضوعة داخل الجهاز، وهو ما يرجّح فرضية تفخيخ البطارية بطريقة ذكية.
هناك مسألة أيضاً تخضع للدراسة وترفع من احتمالية التفخيخ، تتصل في الضرر الناجم عن الإنفجار على الأفراد، وعن وجود عصف أمامي مباشر محدود، وهذا ينتج عادة عن عملية تفخيخ. ويبدو أن القصد منه كان استهداف الوجه ورفع نسبة القتل.